بقلم عثمان نواى
ان أزمة عبد الحى يوسف وبقية الإسلاميين سواء السياسيين منهم، اى محترفى السياسة مثل الإخوان المسلمين او الذين يدعون التطهر والتفرغ للدعوة من أمثال أنصار السنة والسلفيين او حتى الجماعات الأكثر اصولية وعنف من التكفيريين والدواعش، هى انهم جميعا فى تجارة خاسرة بالدين وعلاقة اكثر خسرانا مع الله. فلم ينتصروا وجماعاتهم التى تزعم إحياء الدين فى اى من معاركهم الحاسمة فى استعادة دولة الخلافة الإسلامية او دولة المدينة كما يحلمون. فحتى اهم نماذج تطبيق تلك الأحلام وهى دولة السعودية تتراجع بخطى حثيثة عن ذلك النموذج الاصولى السلفى وتعود الى واقع العصر الذى يفرضه عليها حقائق التاريخ والوقت.
اما الإسلاميين الاخوانيين مدعى العصرية والتحضر فهم يضربون فى رأسهم مرة بعد أخرى، فبعد فشل نظام مرسي واضطرار اسلاميين تونس الى اللجوء الى الغناء والرقص حتى فى داخل منازل كبار شيوخهم أمثال الغنوشي لجذب الأصوات فى الانتخابات البرلمانية الأخيرة فى تونس بعد خسارتهم المدوية فى الانتخابات الرئاسية، فإن الإسلاميين لازالوا يحلمون بانهم حزب الله الذى سينتصر ولو بعد حين. لكنهم لا يعون دروس التاريخ ولا سنة الله فى الارض، لأن فشل مشروعهم الاحيائى منذ بداية الإخوان المسلمين او ما قبل ذلك قد تجاوز المائة عام. وهى دورة حياة كاملة لاى تجربة سياسية او تجربة تنظيمات فكرية سلطوية. لكن الإسلاميين يعتقدون انهم كاشخاص وافكار فردية وجماعية هم فى أنفسهم ظلال الله فى الارض، وأنهم على حق، رغم ان الحق الابلج الذى يقابلهم كل يوم فى هزائمهم المتتالية وآخرها سقوط نظام الكيزان يخبرهم عكس ذلك تماما ، رغم ذلك ترى انهم لازالوا يفرفرون فرفرة الذبيح.
وما يحدث من بلبلة فى الأيام الماضية من قبل تلك التيارات وكل التهديدات والشحن الخطابى، وعودة خطاب التطرف الى المشهد، هو تعبير عن استنفاذ بقية آليات الصراع ضد المجتمع فى سبيل السيطرة عليه عبر خطابات الدعوة. خاصة وان السلطة والمال أصبحت الان الى حد كبير ليست بالكامل تحت سيطرة الإسلاميين، فانهم يعودون الى استخدام أسلحة التطرف والإرهاب والعنف اللفظى والمادى أيضا. وفى حالة محاولة استعادة السيطرة على الأمور فى السودان يتم صناعة معارك مستمرة من أجل إعادة الدين الى الخطاب السياسى حتى يستطيع الخواء الفكرى للتيارات الإسلامية من فرض نفسه مرة أخرى على الساحة السياسية.
ورغم ان السياسين الإسلاميين فى دول أخرى تجاوزوا هذا الخطاب العاطفى بالشحن الدينى من إخوان مصر الى تونس الى سلفيين السعودية، و تلك الجماعات كلها يبدوا انها اكثر تطورا من اسلاميين السودان، لأنهم أصبحوا يعون ان الاجيال الجديدة والمجتمعات ما عادت تنساق الى الخطاب العاطفى الدينى خاصة بعد تجربة الإسلاميين فى الحكم بشكل مباشر وإثبات فشلهم فى تطبيق ما يقولون عمليا. ولكن يبدو ان اسلاميين السودان لازالوا لا يعون تلك الحقائق.
وعلى الرغم من انهم يحدثون كثير من الازعاج، وهذا ما يجيدونه ،ولكن هذا الضجيج هو تعبير عن فراغ الاناء من الداخل ليس الا. وعدم القدرة على صنع وجود او فعل سياسي او اجتماعى حقيقي. لذلك الرد على هؤلاء المتطرفين يتطلب سلوك الطريق المعاكس لهم، اى طريق الفعل والتواصل مع الناس بشكل إيجابي وتحقيق تغييرات حقيقية ملموسة فى حياتهم تجعل من هذا الخطاب المرتفع الصوت ليس اكثر مماهو عليه حقيقة، اى مجرد ضجيج. لذلك فإن عودة الإسلاميين الى سلاح التطرف لن يجعلهم سوة اكبر الخاسرين لأحلامهم الدعوية الدينية، وكذلك تلك السلطوية الدنيوية. خاصة وان هذا الخطاب الدينى المرتفع ليس سوى آلية خطاب سياسي بديل وليس حرص على الدين بقدر ما هو محاولة لاستعادة السلطة التى يشعرون انهم فقدوها خاصة سلطتهم على عقول الناس العاديين وهذا هو الأهم. وهنا يجب حسم المعركة فى الارض الحقيقية اى فى عقول الناس العاديين، والتعامل مع هذا الخطاب المتطرف على أنه خطاب سياسي يتم مواجهته بخطاب وعمل سياسي يقنع الناس بان من يحقق مصالحهم ليس هؤلاء الحناجر العالية بل الأيدي القادرة على صناعة تغيير ملموس، وهنا تكون الهزيمة الحقيقية للمتطرفين. ولذلك فإن معركة تحقيق العدالة والكرامة الإنسانية للمواطن السودانى هى المعركة الوحيدة التى يجب ان يركز عليها الجميع، حكومة ونخب وسياسيين ومثقفين، لان الانتصار على هؤلاء لا يتم الا باقتلاعهم من الجذور عبر الانتقال بالشعب السودانى ككل الى آفاق جديدة من التنمية والعدالة والمساواة والعيش الكريم ،حيث لا حاجة وقتها لتجار الدين لشراء عقول الناس بقطعة خبز ليسد جوعهم او قطعة سلاح ليحموا ا نفسهم او وظيفة كمرتزق او فاسد ليعيلوا أسرهم .
[email protected]