إسماعيل عبدالله
اتفاق سلام جوبا جاء في احدى نصوصه ذكرتكوين قوات مشتركة، من الحركات المسلحة الموقعة على الاتفاق والقوات المسلحة وقوات الشرطة، لكي تكون بديلاً لقوات اليوناميد التي انتهي تخويلها بنهاية العام المنصرم، ولأول مرة بعد اندلاع الحرب في الاقليم المنكوب يأتي اتفاق للسلام يجعل من الجيوش الموقعة على الاتفاق شريكاً في بسط الأمن والاستقرار فيه، وهذا يلقي بمسؤولية كبيرة على كتف الحركات المسلحة قبل الحكومة، في مواجهة التحدي المتعاظم لهذه الجغرافيا ذات الصراعات الاثنية والقبلية الشائكة، فالسلام واتفاقه المشهور في جوبا لا يتحقق في الخرطوم، وانما ساحة تحققه هي الارض التي شهدت النزوح واللجوء والهرج والمرج، والقتل لمجرد حمل الشخص لهاتفه الجوال، فالنظرية اسهل من التطبيق والعمل اكثر مشقة من القول، والامتحان الذي يواجه شركاء السلام يحتوي على اسئلة تصعب الاجابة عليها، والبركان العرقي يفور ويمور، والمحاصصة القبلية التي جاءت بها الاتفاقية سيكون لها أثر سالب على دور القوات المشتركة المنوط بها غرس هيبة الدولة (العادلة) في نفوس المواطنين، ووضع الحد الفاصل بين الوطن والغرض الشخصي.
التذمر الحاصل في اوساط المجتمعات الدارفورية حيال التطبيق المبدئي لاتفاق السلام، والانتقاد الموجه لابطال الاتفاق بحصرهم للوظائف العليا والسيادية في اطار القبيلة، سيجعل المناطق التي يرى اهلها انهم مظلومين يتخاشنون مع تمام حلول الوجود الفيزيائي لهذه القوات بمناطقهم، ومما هو معروف ان جيوش الحركات المسلحة لها سمعة سيئة في بعض المناطق بالاقليم وكذلك قوات الدعم السريع، وهذا سيعمل بلا ادنى شك في اشعال بؤر التوتر من جديد في الولايات الثلاث – جنوب ووسط وغرب دارفور، لأن المفهوم الجديد الذي بدأ يسود في الميديا الاجتماعية بين ابناء دارفور، أن ملامح الاتفاق قد بانت نواجزها واظهرت للعلن ما ظل يتردد في الخفاء من أن اتفاق جوبا ما هو الا تحالف بين قبيلتين، ومن هذا المنطلق تجد القوات المشتركة نفسها مضطّرة لخوض معركة المستنقع العرقي والقبلي الآسن الذي خلّفته الحرب اللعينة في دارفور، وسوف تكون هنالك احتكاكات ومخاشنات بالولايات المذكورة اذا ما تم نشر قوات الحركات المسلحة والدعم السريع بها، لذلك يفضّل أن تنشر بهذه الولايات الثلاث قوات مشتركة من الشرطة والجيش فقط وذلك حقناً للدماء.
المبدأ العام لتحقيق الأمن والاستقرار في الاقليم لا يرتبط بالقوة العسكرية بقدر ما هو مربوط بدخول الناس في السلم كافة، ومازال الوقت مناسباً لأدخال المهمشين من الفاعلين في قضية الاقليم، في مشروع محاصصات السلام الذي يستهدف الجميع ولا فضل لاحد على آخر فيه، فلا يجب ان تغزو الطمأنينة قلوب القائمين على هذا المشروع، بينما تجد المؤسسين للحراك المسلح مايزالون مغردين خارج سرب الحصص السلطوية، وحادثة تصفية وفد حركة العدل والمساوة القادم او الذاهب الى الجنينة ببعيدة عن الذاكرة، فالاقليم في حقيقته هو مجموعة من الأقاليم وليس كياناً واحداً حتى يصدر حفنة من الاشخاص قرارهم بتحديد مصيره، واتفاق سلام جوبا بمذهبه القبلي يكون قد اعاد ذات التجربة الانقاذية في تجزئة الحلول بضرب الأمن والأمان والسلم المجتمعي في مقتل، بدق اسفين الشقاق بين النخبة من ابناء دارفور في تقسيم كيكة السلطة المركزية، لأن انعدام الأمن سببه الصراع حول السلطة والبحث عن النفوذ وهو الأساس الذي بدأ بالمفاصلة الشهيرة بين الانقاذيين، فاذا لم تتحقق القسمة العادلة لهذه السلطة المفتنة لن ينعم الاقليم بالأمن والاستقرار، ولنا في قوات اليوناميد العبرة والاعتبار عندما اقامت عدداً من السنين في دارفور، ولكنها لم تستطع ان تفزع لأجل استرداد مال المواطن المنهوب.
القوات المشتركة مطلوب منها امتصاص الغضب الشعبي المتفجر في الجنينة وتلس وقريضة، يجب ان لا تحمل في بذرتها جنود تابعين للمكونات القبلية الشريكة في الانحياز لبعض المكونات الاجتماعية المناوءة للقبائل الاخرى، فالمواطن البسيط هناك لا يتفرّس الا في وجه من يناصبه العداء القبلي بغض النظر عن انتماء صاحب الوجه هذا للمؤسسات العسكرية الحكومية وشبه الحكومية، فالقائمين على امر اصدار التعليمات بارسال هذه القوة المزمع بعثها الى دارفور، ان يرتكزوا على قاعدة متينة من ثقافة فض النزاعات، وعدم الزج بمن كان اهلهم سبباً في مأساة الآخرين وادخالهم في اتون مسؤولية حفظ أمن هؤلاء الآخرين، وعلى سبيل المثال لا الحصر تجد أن أهل برام (الكلكة) لهم ثأر تجاه جيش الحركة المسلحة التي استباحت مدينتهم وقتلت رهط من زعماء ادارتهم الأهلية (اشقاء الناظر وابناء عمومته وابناء اخوته)، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن ترسل لأهل الكلكة جنود من ذات القوة الغاشمة التي انتهكت كرامتهم،ولا يعقل أن يكون هؤلاء الجنود هم الحماة الأمينين لأمنهم، وكذلك الحال بالنسبة لكل المدن والقرى التي ارتكبت بحقها الفظائع والتي جُعل اعزة اهلها اذلة واستبيحوا من قبل بعض مكونات هذه القوة المشتركة في يوم ما من الأيام السالفة العصور والأزمان.
[email protected]
2 مارس 2021