الخرطوم _صوت الهامش
علقت صحيفة النيويورك تايمز على قيام جدار خرساني شاهق في قلب العاصمة السودانية الخرطوم حول مقر قيادة الجيش، قائلة إنه كغيره من الجُدر العازلة الشهيرة يرمز للانقسامات الخطيرة في بلد مُفتت.
وقالت الصحيفة إن هذا الجدار أصبح عنصرا من عناصر الاقتتال في السودان، مشيرة إلى أنه عند البدء في إقامته قبل عام، رأى فيه كثير من السودانيين محاولة من الجيش للحيلولة دون قيام ثورة شعبية أخرى، لكنه الآن بات يُنظر إليه كرمز من رموز الانقسام داخل الجيش السوداني.
ومن حيث يقيم في فيلا يملكها بالخرطوم، قال عبد الرحيم دقلو، القائد الثاني لقوات الدعم السريع وشقيق الجنرال حمدان دقلو الشهير بحميدتي للنيويورك تايمز، إن “البرهان أقام هذا الجدار ليحمي نفسه، وإنه لا يكترث لما يحدث وراء هذا الجدار، حتى لو احترقت البلاد كلها”.
ونوهت الصحيفة في تقرير اطلعت عليه (صوت الهامش) إلى أن الجدار يخترق مكانا مقدسا لدى كثير من السودانيين، حيث احتشد قبل أربع سنوات متظاهرون أمام بوابات مقر القيادة العامة للجيش مطالبين برحيل الرئيس السابق عمر البشير بعد ثلاثين عاما قضاها في حكم السودان.
وقد أنعش انتصار هؤلاء المتظاهرين آمالا بقيام سودان جديد، بعد أن زُجّ بالبشير في السجن.
لكن الثورة حادت عن مسارها قبل 18 شهرا عندما ضم أقوى جنرالين في السودان قواتهما للاستحواذ على السلطة عبر انقلاب. ومنذ ذلك الحين والسودان في تدهور – فالاقتصاد يتراجع والمظاهرات في الشوارع مستمرة بينما الجنرالان يحاولان فرض سلطتهما قبل أن يتجها إلى التناحر فيما بينهما.
وأثارت الأوضاع في السودان قلق قوى أجنبية على رأسها الأمم المتحدة والولايات المتحدة، فحثت تلك القوى الجنرالان على تسليم السلطة للمدنيين – على الأقل على الورق – بحلول شهر أبريل، في الذكرى السنوية الرابعة للإطاحة بالبشير.
لكن مع بطء وتيرة المفاوضات خلال الأيام الأخيرة، احتدت التوترات بين المعسكرين المتنافسين في السودان. وزادت التوترات أكثر يوم الأربعاء عندما انتشرت عبر وسائل التواصل الاجتماعي صور للدبابات تعبر النيل.
والآن، لا أحد يستطيع الجزم هل يقود الجنرالان السودان إلى جادة الديمقراطية مجددا، أم يهبطان به إلى مستنقع الاقتتال؟
ولا يخفى على أحد سوء فكرة وجود قائدين لمركب واحد. وفي السودان على وجه الخصوص الأمر كارثي؛ فما بدأ قبل عام كانتقادات متحفظة بين قائد الجيش الجنرال عبد الفتاح البرهان من ناحية ونائب قائد قوات الدعم السريع شبه العسكرية من ناحية أخرى الجنرال حميدتي، أصبح الآن صراعا مفتوحا.
والآن أصبح الجنرالان يكيلان تهديدات مبطنة كل منهما للآخر. وجعل كل منهما يقوم برحلات تنافسية إلى دول الجوار. فضلا عن قيام كل منهما بعمل إعادة نشر لقواته العسكرية.
وباتت العاصمة الخرطوم مرتعا خصبا للشائعات والتكهنات. وبات أهل الخرطوم في قلق يراقبون عبر وسائل التواصل الاجتماعي إلى أي مدى توترت العلاقات بين الجنرالين المتنافسين اللذين وصف مسؤول أجنبي العلاقة بينهما بأنها “زواج بلا حُب أفضى إلى زوجين يمقت أحدهما الآخر”.
وفي أنحاء الخرطوم باتت تنتشر معسكرات الجنود في ترصُّد بعضها للأخرى، وسط تقارير تنذر بمغبة تطوّر التراشق بالكلمات إلى تراشق بالرصاص. أما السُكان في معظمهم فيشعرون أنهم محاصرون بالنسيان.
وكلّف الانقلاب السودان غاليا؛ حيث خسر مليارات الدولارات من مساعدات أجنبية وإعفاءات من الديون. كما ارتفعت أسعار الغذاء، فيما باتت انقطاعات الكهرباء متواترة. ولقد انهار الجنيه السوداني على نحو يتطلب فيه شراء وجبه بسيطة حمل رزمة كبيرة من ورق البنكنوت.