بقلم الاستاذ. سليم عبد الرحمن دكين
لندن
فلطالما دارفور عبر التاريخ مواطناً للعديد من الطوائف العرقية والدينية التى تعود تعايشها جنباً الى جنب فى هذه المنطقة الى الالف السنين. فبالاضافة الى وجود جماعات شبة عربية وافريقية الاصل. كما يتضمن ايضا التكوين الديموغرافى للدارفور قبائل عديدة لا حصر لها حيث الاغلبية من ذوى الاصول الافريقية. قبائل دارفور لم تعيش فى سلام مع بعضها البعض نتيجة لموجات العنف التى سادت اقليم دارفور للسنوات عديدة, فقد كانت اعمال السلب والنهب و السطو والقرصنة والقتل والاختطاف ضد بعض العرقيات. ولكن اعمال العنف لم تقف, بل ذهبت ابعد من ذلك عندما بدات بعض العرقيات تحتل (حواكير) اى اراضى بعض العرقيات الاخرى بقوة السلاح مع التفوق العددى للتك المجموعات العرقية على المجوعات العرقية الاخرى من حيث العدد التى اصحبت حقيقة امام موجات العنف التى اجتاحت قراهم واصبحت هذه العرقيات غير قادرة عن الدفاع عن انفسها حيث لقى العشرات من هذه العرقيات مصراعهم وهمت بعض هذه العرقيات بمغادرة قراهم هرباً من موجات العنف التى اجتاحت قراهم لاحد قادر على وقفها عند حدها. لانها لم تجد اذان صاغية نتيجة للسياسات عنصرية تقوم على التمييز حيث بات اوضاع تلك المجموعات العرقية فى حالة حرجة للغاية, عندها خلت القرى والتى طالما كانت مواطناً لتلك المجموعات العرقية عبر التاريخ وللمئات السنين, كما عاشت ولاتزال تعيش بعض الاقليات العرقية الباقية الى الان فى فزع وخوف لان قبلتها اصبحت مستهدفة منذ القرن الماضى تحديداً تحت حكومة المجلس الثورى الانتقالى ومروراً بالديمقراطية الثانية. لان معاناة هذه المجموعات العرقية ومناطقها من الاهمال المقصود, وكذلك حرمانهم من سهولة الحصول على الخدمات التعليمية والصحية او امكانية التوظيف وغيرها من الخدمات الضرورية الاخرى. ناهيك عن التمييز والتهميش السياسى والانتهاكات ضد الانسانية التى حدثت منذ اواخر الثمنيات حتى اوائل التسعنيات, بالاضافة الى الاثار طويلة الاجل والتمييز الموجود على الاصعدة الاجتماعية والاقتصادية والثقافية. لان المشكلة تكمن فى عدم تضافر جهود حكومة الديمقراطية الثانية لدراء هذه الانتهاكات اللانسانية والتمييز, بل اججت نيرانها اكثر فاكثر, وكذلك التعاون القوى من العرقيات الاخرى ذات الصلة بالحكومة او الحزب بالتحديد حزب الامة واحزاب اخرى, بقى الوضع دون حل من الحكومة المركزية حكومة الاحزاب. ادى ذلك الى تفاقم الانتهاكات والاعتداءت والسلب وقطاع الطرق والقرصنة وحرق القرى وتهجيرها باكمالها. تصاعدت وتيرة الصراع بدرجة كبيرة حيث بدات اعمدة التكافل والتعاذر بين قبائل دارفور تتساقط الى درجة الانكسار من شدة اعمال العنف الذى فاق التصور ضد بعض العرقيات ثم تحول هذا الصراع القبلى الى حرب اهلية الطاحنة والجارية حالياً. الصراع بين القبائل الدارفورية تاريخى, نتيجة للدعم والتأييد والوفاء الذى كان ولازال تتلقاه بعض العرقيات او القبائل من الاحزاب السياسية التقليدية وبعض الانظمة التى مرت على سدة الحكم. لان التكاره والتباغض بين القبائل او العرقيات سيد الصراع الذى لا فرار منه. الحرب الاهلية تدخل عامها الثالث عشر دون ان تحرز اى تقدم ملحوظ ميدانيا نتيجة للغياب والوحدة السياسية والفعالية بين الحركات الدارفورية المسلحة الثلاثة. ولذا انكسر العمود الفقرى للحركات المسلحة فى دارفور, ربما بسبب المجموعات المتنافسة فى ظل غياب وحدة الخطاب السياسى الاعلامى لهذه الحركات المسلحة الثلاثة, حركة العدل والمساواة وحركة تحرير السودان وجيش تحرير السودان, لربما ايضا الاصوات العالية المنادية بالاصلاح داخل هذه الهياكل والاجسام. لانه لاتزال وتيرة الصراع تتصاعد بشدة داخل هذه الحركات الدارفورية المسلحة. لاننسى ايضا ان حدة الخلاف ليس فقط نابع من زملائهم او رفاقهم داخل الحركات المسلحة انما ايضا من خارج اطار الحركات المسلحة. صحيح طفت الخلافات على السطح نتيجة للرفض الاصلاحين الحرب التى اصبحت عبئاً كبيراً عل كاهل انسان دارفور المغلوب على امره. فلذا تصاعدت وتيرة الحساسية الشديدة المفرطة بين قادة الحركات المسلحة الثلاثة والاصلاحين الرافضين للحرب. فها هم الاصلاحين يعملون بهمة و فعالية شديدة لأقناع اهل دارفور بان يقوفوا الى جانب الحوار الوطنى الدستورى كاستراتيجية لا خيار اخر, من اجل بقاء دارفور وانسانها ضمن السودان. ان ظروف الحرب فى دارفور قد اختلفت لم تعد تلك المبادى والاهداف والشعارات التى من اجلها حملوا هولاء القادة السلاح للتحرير دارفور وانسانها. فلذلك تعمقت الخلافات السياسية بين الرافضين للحرب و قادة الحركات المسلحة. نتيجة للفساد والاتزاق التى ذهبت اليه هذه الحركات المسلحة. لانه يعتبر انحراف واضح عن مسار المبادى والقيم والاهداف. فلذلك تقطعت بهم السبل وتعمقت الخلافات السياسية فيما بينهم برفضهم بشدة للحرب, كما وصفوا قادة الحركات المسلحة بتجار حرب على حد تعبيرهم. وكذلك هناك من يريدون استمرار الحرب. ولكن من هذا المنطلق اتضح ان اعداد المطالبين بوقف الحرب اصبح يزاد يوما بعد يوم. لان الدافع السياسى فى دارفور اصبحت وتيرته قابل للتصاعد, اذا ما اخذنا فى الاعتبار بعض المعطيات فى قراءة الواقع فى دارفور اجمالاً. لان الحرب لم تكن الالية او الوسيلة الوحيدة لأسترداد الحقوق والمطالب. لاننسى ايضا غياب الوحدة السياسية والفعالية بين الحركات المسلحة الثلاثة لايمكن ان تتحقق اهدافهم ومبادئهم كما وعدوا اهاليهم بان النصر للقريب. ولكن للاسف اصبح سد لافرجة فيه. لانه لايمكن للحرب ان تمضى قدماً لانها لم تعد المطلب الوحيد لأنسان دارفور, لانها اى الحرب قيدت عليه الحساب. فاذا توحدت هذه الحركات المسلحة الثلاثة سياسياً يمكنهم بعد ذلك الانتقال من مرحلة الحرب الى مرحلة الحوار الوطنى. فى تقديرى سيظل نجاح سيناريو الحوار سهلاً اذا توفرت الارادة السياسية والرغبة الخالصة فى الوحدة بين الحركات الثلاثة المسلحة من اجل مصلحة دارفور وانسانها. لان معظم اوراق اللعبة بايدى القادة الثلاثة لانهم يستندون على قبائلهم كقاعدة انطلق ونفوذ. ولكن لم يعنى هذا انهم يتمتعون بالنفوذ نفسها داخل اروقة حركاتهم. لان اصوات المنادين بوقف الحرب داخل هذه الحركات المسلحة من اجل دارفور وانسانها لم تعد خفية, بل اصبحت عالياً خفاقة. لانه لم يعد من السهل من بعد اليوم كتم على افواه الذين ينادون بوقف الحرب فى دارفور من اجل وحدتها سياسيا واجتماعيا الى الابد. لذا يجب ايجاد صيغة توافقية تضمن بقاء دارفور ضمن السودان, وليست تاشيرة خروج من السودان الشمالى الواحد. يا اهل دارفور احتكموا على لسان العقل ليس فقط من اجل اجيال المستقبل, انما من اجل اعادة دارفور الى سابق عهدها. لان الحروب لم تحل الاشكالية السودانية المزمنة, انما من خلال الحوار الوطنى المناظرة الحقيقية وجهاً لوجه. ونطرح الاسئلة الصعبة التالية. لماذا ترى نفسك احسن من الاخرين؟ لماذا تفرض هويتك الثقافية على الاخرين؟ لماذا لم يحكم السودان رجل من دارفور او من جبال النوبة او من شرق السودان. لماذا فئة واحدة تحتكر كل شى دون الاخرين؟ لماذا ولماذا ولماذا؟ حتى نتفق ثم يصبح ما اتفقنا عليه دستور البلاد الدائم. الحروب لم تحل اشكاليتنا المزمنة. الا الحوار الوطنى الدستورى. وعلى الله يتوكلوا المؤمنين.
حتى لقاء اخر
اختصاصى فى حقوق الانسان والقانون الاوروبى
14/02/2016