مني اركو مناوي
المعارضة السودانية ، لها تاريخ متجزّر في صُنْعِها التحالفات المناهضة للحكومات باشكالها المدنية و العسكرية او الاثنتان معاً كما الحال في الإنقاذ . فنداء السودان لا يختلف كثيرا عن سابقته في نجر شعارات براقة علي العارضات الخشبية المرفوعة منذ ستين حَوْل من الاستقلال ، به فاز بَعضُنَا بميراث المنزل بأوانيه و اثاثاته و حرمان العامة حتي عن الدخول في كنفه إِلَّا المستثني القليل تمكن ببطاقات ذويه .
توزّيع الموروث في السودان ، دون ادني الشك قاموا به الرجال من المتطففين الاولين ثم تبعهم الآخرون .
لا غرابة في ذلك . عادةً ، من يحمل القلم ، لن يكتب علي نفسه الشقاوة . السيد الأبيض (( white boss )) يوزع حبّه تدريجاً بين كلابه و قططه بمقدار يتفاوت فيما يُقّدمْن له من الطاعة الي ان ينعدم للائي لا يجيدن الصيد ، الحراسة البوليسية و النباح .
فهذا التمييز الاستعماري و المحتفي به وطنياً ، لعب دوراً في إختلال المعايير سياسياً و ازهاق ملايين من الأرواح تحصدها مكينة الموت ، حالما يرفع المناد مطلباً بإعادة التوازن ، تذداد حِدتها بمدي نشوة الاحتفاظ بالموروث و سلوك تطبيقه . عجزت العيون المجردة رؤية هذا الخلل ، الا بتلسكوب البارود و مكبرات لصوت الرفض متسلسلة الحلقات بما تتعاقب الحكومات .
نداء السودان إحد متعرجات الرفض المتلاطم علي الظلم المزمن . خاصيته سياسية ، لا فيها حطة و لا درن ، وطنية الدعوة و الأهداف . شعاراته لم تخرج عن سياق السُنْن السياسية السودانية دعا اليها الماضي و الحاضر في وسط عناد الزمن الذي لم يبرح مكانه لينقشع فجر الأُمنّية المنحوتة بحوافر اليتامي و الارامل بطول الانتظار علي صفوف الأمل و كلما رفعوا حاجباً لمشاهدة ختام المحفل ، وجدوا لهم إنارة خافضة وسط الصخب الرمادي في قلب إحدي المدن . نيفاشا ، أبوجا ، اسمرا ، القاهرة، الدوحة ، جيبوتي ، اديس ابابا و غيرها التي لم تزد سواء الإسماء من ذات دراما القضاء و القَدْر لتاريخنا المبتور و المهكور بالاقلام الحادة أجادت ذبح التعددية و غرس الاحادية علي التنوع السوداني بالعجين الأفريقي و الهجين الآسيوي .
هذه الصفحة ليست لإسهاب التاريخ إنما فقط قراءة لبعض احوال الطقس و تنبؤات الجوّ قد ستأتي مع أتربة المعارضة .
و لم أقم بكتابة هذه الصفحة إلا بعد عجزنا بحصول علي الحدود الدنيا لتعامل مع المشتركات التي اسست نداء السودان قد سيكون الأخير الأوفق او الأخير الأفشل . و النداء هو السببُ في عدم استجابة المؤتمر الوطني علي التعديل الكامل لخارطة الطريق بما توّفرت له من دقة المعلومة في تباين المواقف الداخلية للنداء مما رهن علي طريقةٍ ( اذا مكر الماكر لمات المقتول الف مرة ) . و الاستغلال الدولي لهذه المكونات بوضعها في المراتب حسب سرعة إستجابة الدخول في الخط السريع ( express high way ) . هذان العاملان وضعا مسطرةً علي ورقة ليسير عليها قلم نداء السودان علي خارطة الطريق . و باريس الأخير كان مستوصف الذي اجريت فيه عملية جراحية لإزالة الرحم من جسم النداء بعد إجهاض ببكره المرحوم .
و« تجار الدين يسألوننا عن باريس » .
باريس ، إحدي المحطات اثارت الشغف والاستطلاع السوداني خصوصاً اثناء و بعد اجتماعات المعارضة الاخيرة . أود هنا ، لعب دور مسهّل للمغردين من هواةِ اللفظ ( معارضة الفنادق ) . هو تعبيرٌ محتقر للمعارضة و تقليل شأن فاعليتها . و الجملة ، حصرياً تُنصَبُ لتجار الدين.( الحكومة السودانية ) . أرجو منهم القليل من الصبر أقوم متطوعاً بتعريف مبسّط عن باريس من منظور اهوائهم .
هي عاصمة علمانية بالامتياز تتناوب فيها ساعات الزمن بين الاندية و الملاهي التي تحتل صفوفاً مع المعابد ، لا سيما المساجد و الكنائس تعيش مع بعضها جنبا الي الجنب .
و الترفيه في الساحات ، إحدي مستلزمات حياتها . لا الشيخُ و لا القاضي ينحرف عن مداره او يتطفّل علي البنطال الذي يلزم الخِصِر في الشوارع ، في المكاتب و في المواصلات مع الانعدام التام للرقابة و بوليس الآداب و النهي عن المنكر. عوضاً عنها، المفاتن تغزوا الأنظار تماماً . يعجز عن وصفها الشعراء َو عشاق الحور معاً ، إلا ببعض شذرات خجولة من نزار قباني .
يطوف فيها اكثر من سبعين مليون سائح سنوياً ، اغلبهم زوار لمناجم التاريخ و كنوز الحضارة الانسانية في هذه المدينة ، عاصمة الأدب و الفنون . تحتضن في حاضرها جامعة (( سربون )) احدي المؤسسات العريقة ، تلمّذ فيها المرحوم الدكتور حسن الترابي مؤسس الحركة الاسلامية السودانية . ورود اسم الجامعة و الدكتور هنا ، للزوم التذّكر فقط .
التأم نداء السودان في هذه المدينة العريقة بعد جريان المياه الغزيرة تحت وأعالي الجسور تحطمت بعضها جرفاً بالسيول و بعضها تقاوم بتلتلة الغريق يتعلق بالقشة .
انعقد هذا الاجتماع في وقتٍ ، الخيانة و الغدر يراقبانه لترهيب الظنون . وفي وقتٍ الوفاء و العهد يلزمان الصمت . هذا الاجتماع تسلطت فيه الأقمار الاصطناعية عالية التقنية لمعرفة المدفون باستخدام الأشعة فوق و تحت البنفسجية اخترقت المخابئ . بين الحضور كانوا خبراء المعامل الافريقية الرفيعة المستوي يحتسون القهوة الاثيوبية بالكوؤس الامريكية تصاحبها بعض البسمات الغير مُضيئة و الهمسات ترمز الي :-
١-إمكانية شحن التربة بكل محتوياتها الي حيث معامل التنقيب في الخرطوم مروراً من معامل التحليل في اديس ابابا
٢- ام ، نبدأ من هنا بالتنقيب و التنقيح باستفادة من هشاشة التربة بما إنها ليست صخرية صلبة لا يصعب إستخراج محتوياتها بالايدي العارية .
اما علي صعيد الوضع الداخلي للنداء ، تظهر ملامح نفس الغول الأسطوري الذي أكل الجبهة الثورية السودانية . رغم الالم في دواخله و الدمعة تبلل خده .
احيانا يتمايل إستحياءاً لجرمه حين يتذكر الاغنية (( برمشة العين بعدوك يا الحبيب )) بالاشارة الي الجبهة الثورية قبل نحِرها . و يدندن في جوفه (( براااي سويت في نفسي قلبي الحب ما واع ، عشق زول المجافيه و ما كان لحصل داع )) . يعود الي الحنين إليها و الندم علي فقدها الجلل . لكن الثابت ، ان النفس إمارة بسؤ تقود صاحبها للانحراف مع الامكان تفادي الوقوع فيه ، (( تسوي بأديك تغلب اجاويدك )).
فهذه الصفة ، قد عانت منها التحالفات من صنع نفايات الانفصال . اي ، فترة بعد الانفصال يهول فيها عدد التحالفات نشأت ثمّ تربّشت جميعها بمفكٍ واحدِ و الآخري تقدمت بالعمل مع نداء السودان ، فرُفضت بدوائع واهية . اخرها تحالف قوة المستقبل الذي تبرع بنفسه الإرتماء في محمية النداء لكنه قوبل بوضع الأصابع في الآذان ، حذراً و رفضاً لهذا التطوع المهذّب .مثل هذا الغباء السياسي ليس الاول ، بل يعتبر عِقِد صغير من السلسلة غير منقطع النذير ، تموت فيها التحالفات و يبقي الأشخاص بنفس الذئبنة التي لا تنضج منها إلّا مِنعةً للمؤتمر الوطني .
بعض المؤشرات الحسنة لتحالفنا ((نداء السودان)) ، تُدار معركته تحت قيادة الشيب في الحروب مجربينا ، أدواراً مثّل في حياته و موفور له من الكيل و القسط معقودان بمن شأنه ان يقلل الخسائر قد تُنجم من العراك المحتمل كسابقاته ، بفعل الحكمة و الأبوية . قديماً قالوا :- (( ألما عندو كبير يقع في البئر )) . ربما وجود الكبير احدي المعجزات الربانية لصون هذا التحالف من مصير الجبهة الثورية . حتي و لو ظلت عناصر التشأئم و الانانية باقية بأحرْفِها القديمة المتجددة ((نشرب ان وردنا الماء صفوا و يشرب غيرنا كدرا و طينا)) . والعزم المشروخ يبقي سيد الموقف عند وصول الزاوية الحادة ينعكس فيها مستور النفوس علي وجه مِرآة الهيكل المقترح المجاز من المجلس القيادي بعد تقديمه من اللجنة التحضيرية برئاسة المهندس عمر الدقير .
نصّ الهيكلُ ، علي المكتب القيادي يعلو ، يسود و يعقبه المكتب التنفيذي علي رأس الثمان القطاعات كل منها قابل ان تتجزأ فيه أمانات حسب المهمة المناسبة . العُرف السائد في التجربة الانسانية التنظيمية ، يقوم اصحاب الشأن بملئ الهياكل بعدإجازتها ،بالمرشحين الذين يتقدم بهم الاعضاء . فجاء علي راس هؤلاء المرشحيين الإمام الصادق المهدي لتولي رئاسة المجلس القيادي . رشحته كتلة الجبهة الثورية التي يرأسها الدكتور جِبْرِيل ابراهيم علي ان تتداول الرئاسة بينه و نوابه الأربعة (( رؤوساء الكتل )) لفترة كل ستة أشهر .
رحبت البقية الثلاث الكتل بالإشادة العالية عدا (الواحدة) . توالت الترشيحات علي المواقع المختلفة من جميع الكليات الخمس . فرُشح مني اركو مناوي علي تولي رئاسة المكتب التنفيذي و التوم هجو للخارجية مع ترشيح المهندس الدقير علي راس القطاع الإعلامي و الناطق الرسمي . كما ارتضت الجلسة بمقترح قادم من كتلة الجبهة الثورية بقيادة الفريق مالك عقار ليؤول اليه قطاع السلام و الانسانية و رُدف هذا المقترح بترشيح الدكتور أمين مكي مدني علي رأس المكتب التنفيذي
و القبول شبه عام لترشيح الدكتورة مريم المهدي نائبا لرئيس المكتب التنفيذي . حتي هنا نحن علي صحةٍ جيدة . لولا حفيظة الكلية المذكورة علي منصب ( الرئاسة في الهيكل ) مع الِانهماك في الشرح علي برنامٍج ما يرفضه المستمعون ، مبيّناً أسباب تحفّظهم المجرورة بشرطٍ غير ذي جدوي . هو إبقاء رئيس المكتب التنفيذي ، علي رأس الهيكلة و تأجيل مفتوح لامر الرئاسة . متناسون أنّ أميناً عاماً منتخب ، ضمناً سيكون رئيس بلا منازع . خصوصاً حال غياب منصب الرئاسة . و لا تأخذكم غفوة عما ذكرت ، بإن إجازة الهيكل علي رأسه الرئاسة قد اكتملت قبل الترشيحات . لا أظن ان تفوت عليهم هذه الملاحظة السازجة ، فهم اكبر من ذلك . إلا انهم سبّبوا في تعليق الهيكل بكامله ، بما أنّ ، تنصيب اي عضوٍ في الهيكل” يأتي بالتراضي” و غاب عنّا التراضي . بهذا تقرر تعليق الهيكلُ للغوص في ركلات الترجيح في الوقت الاضافي . مع إحترامي لأهل الكرة .
«التفائل المجروح»
ان الوضع في نداء السودان ، لا يُقرأ بمعزل عما ذُكرناه آنفاً . قميص المستعمر الذي ارتداه بَعضُنَا من الشماعة ((حِمار هدوم الخواجة)) بعد مغادرته ، ظل معيارًا و قياساً لمن يحق له ممارسة السياسة في الملعب علي مطرقتي الفهلوة و الثعلبة ؟؟ . هذا العيب لا ينحصر في الحكومات إنما ظل لاعباً أساسياً، في فرتكة التحالفات . خصوصاً ، عندما يلتق الشخصان في المطلب الواحد ، فتصبح هذه المنافسة قِشةً تقصم ظهر البعير .
رغم ذلك ،نداء السودان تنظيم يُشار اليه بالبنان بمقارنة مع الأخريات و له من الأصدقاء يحضرون له اجتماعاته نتيجةً لآمالهم المعلقة علي تجاوز المزلقانات الداخلية للمضي قدما نحو السلام باجندة سياسية واضحة تُبشّر إزالة الآلام السودانية و الخروج من الانغلاق ، في الدائرة تفيض بالرغبات الذاتية .
فالاجتماع الأخير ، لم يخط خطوةً تختلف عما قبله ، قد خرج بالقرارين غير المنسجمين علي جسم القرار الواحد . هما :-
١- الموافقة علي تضمين نقاط مذكرة التفاهم التي ظللنا ترديدها منذ توقيع علي خارطة الطريق ، في الخطاب يُراد إرساله الي الرئيس امبيكي لأجل إدخاله في الخارطة ، لضمان التوقيع عليها و إلّا البحر يفصلنا . هذا ما تم الاتفاق في جلسة لجنة الثمانية التي سُمِيت باللجنة الموسعة مع تحنيط الآخرين في حجرة التجميد . ٢- القرار الاخر ، هو الموافقة المطلقة للتوقيع و إبقاء نقاط الخلاف المطروحة ، خارج الحلبة ، ليتم تلاوتها بواسطة الرئيس امبيكي علي صدر بيانه . هذا لم يتم مناقشته حتي الان . و لكنه سري كسريان الدم في العروق . هو موضوع الطاولة القادم بما فيه من سهولة المضغ .المؤكد هو التوقيع عليها حسب مهب الريح فيما لم تبق بيّنا و بيّنها من الحساب الا الكسور.
للتحجج علي التوقيع ، سنقوم ببعض المسحات علي جسم الخارطة بشّويا مكياج و البُدَْرَ للتبيّض الجلدي . بهذا قد تمكنّا تجاوز الخوف بالهول رغم إنها ليست ورقة ضرورية و لا ملزمة للاطراف ، فقط عبارة عن دِبْلة الخطوبة للتفاوض علي القضايا الإجرائية و الجوهرية علي رأسها :- – وقف الحرب — إطلاق صراح المعتقلين السياسيين – القضايا الانسانية – القضايا الأمنية – خصوصيات مناطق الحرب – مخاطبة متجزرة لقضايا الوطن بكل ابعادها – الموتمر التحضيري يمهد للحوار الدستوري يجمع الجميع
– إشاعة الحريات بإلغاء كافة القوانين المقيّدة لها – الترتيبات الأمنية تؤمن بناء موسسات الوطن الأمنية و اخراجها من دائرة العِرق ، الحزب و الدين الي فضاء الوطن و الوطنية – تحرير الخدمة المدنية من الكوزنة و شبه العنصرية لجعلها سودانية في إطار التحول الديمقراطي للبلد عبر الحكم الانتقالي يسبق الدستور الدائم الذي يحمي الهوية السودانية غير المنقوصة .
كل الذي يُشاع علي لسان المعارضة عبارة عن بحث مضنٍ لحوارٍ وطنيٍ يحمل القضايا أعلاها معنّاً . لكن ، حوار الوثبة المدشنة في قاعة الصداقة التي اعتبرتها الحركة الاسلامية بشقيها و أشقائها رسالةً مقدسة مع علمها بالنتائج مسبقاً ، قد ألقي غيومها علي هذه القضايا . رسالة القاعة التي قدّسها البعض المسترشدين بقول الامير الاميرال ، ان الوثبة للناس ، لكل الناس و خاتمة الوثبات .فقط بالقليييييل من الخجل ، تهذّب القائلُ ألّا يمنح لرسالته لقب ( الوحي ) . و سبب النأي عن منح هذه المرتبة ، أنّ الناس و كل الناس كانوا في القاعة يعلمون لا رسالة بعد الاسلام . رغم ذلك وفّرْت رسالة الوثبة للنظام راحةً ليملأ رئتاه أوكسجيناً كافياً بشفطة النَّفْسٍ الطويل مستلقْيا علي ظلال خارطة الطريق التي تحمل ثمارًا أينعت و قطوفها دانية .
…………………………………………
و« الشارع ينتظر تعريف ((خارطة الطريق )) ».
دخل هذا المصطلح السودان علي جوف مظروف منتفخ ، كُتِب علي ظهره (( صُنع في الخرطوم )) جاء عن طريق منابع النيل الازرق يحمل في طياته رسوماً غامضة رُسمت بريشة الفنان المحترف ، بها تنوعت الأشكال ، النقوش و الصور تشبه بعضها جورج واشنطن . و تظهر فيها بعض طبوغرافيات من المناطق السودانية مع الاختفاء التام لمعالم دارفور .
الممشي في الخرطة ، مفروش بالسجادات زاهية الألوان تخفي تحتها حقولاً من الألغام ، وُضعت علي جوانبه ورود شوكية بعضها سامة .
بدايته هضاب افريقيا الشرقية لتنتهي غربا في سهولٍ بلا طريق، بلا خارطة .
في وسط الاعاصير، يحمل الكابتن مؤشرته و يسال الركاب ، كلهم في وضع سـَكرةٍ من التوهان بسوأل ((اين نحن ؟؟؟)) .
الإجابةُ:- نحن بألف خير . طالما عكس كل شئ في افريقيا صحيح .
« لمعرفة خصائص هذا الطريق ».
لا بد من ذكر اسم من أعظم الأسماء الافريقية . هو الرئيس الأسبق لدولة جنوب افريقيا السيد ثابو امبيكي .الرجل يحتل مركزا ثانيا للرئيس الأسود بعد رجل الثورة الافريقية الراحل نلسون مانديلا . عاشت بلاده في أغلال من الجحيم تحت الفصل العنصري لم تتغني فيها الاحبة من طّيورها ، الطائر التيتيهويا (Titihoya) سنينا حتي عام ١٩٩٠ ، عامُ للتحرير و الانعتاق .
الرئيس امبيكي لن يفارق اسمه هذه الملحمة المقدسة لبلاده ، لما له من شموعٍ احترقت حوله لتضئ علي لوحات من تاريخه ، حزبه و والده .كما لا تقل سمعةً عن سلفه الصالح الذي احتل مركزاً لأشرس مقاتل علي الإطلاق في تاريخ الحروب التقليدية الافريقية ((شاكا زولو Shaka Zulu)) . ألقابٌ ترافق حِله وترحاله . أولها السيد الرئيس ، الرجل المناضل ، الأب الأفريقي ، باحث السلام و غيرها من حلال التهم . بجانب الكاريزما الافريقية الابدية في وجه من ينال لقب الرئيس .
دخل هذا الرجل السودان 2009 حاملا غصن سلام دارفور . وضع بعض الركائز أصبحت لبنةً لبحث السلام فيما بعد .
أهمها ان إرساء السلام في دارفور مرهون بترسيخ قِيّمٍ الدولة في البلاد كافة ، بما ان المشكلة بنيوية . و تفجّرها في بعض هوامش الوطن لا يعني أنّ الزلزال فاقدٌ للمركز . هزات الأطراف دلالةُ للمرض المكمن . فذهب عميقاً بالشجاعة النادرة بوصفه ما يجري في دارفور ، هو اُسُّ سياسي اطرافه الحكومة و اهل الاحتجاج من دارفور . عكس توصيف الموتمر الوطني في المحافل مختزلاً المشكلة إنها :-((إعتداء الجمل علي القندول )) . و محاولته لتفادي دور المحكمة الدولية ، جاء ملتفاً بفكرة تأسيس المحاكم الانتقالية المؤقتة التي افتقدتها اتفاقية أبوجا ال (DPA) آنذاك . فاصبحت ميزةً إنفردت بها وثيقة الدوحة لاحقا و اقلعت بها علي ارتفاعِ عالِ و الأفعة ما زالت تحتل قُمْرة القيادة ، مما خنع المخنوع للهبوط مرةً اخري علي ذات مدرج الإقلاع .
بما يعني أُرجِع الظلمُ لصانعيه و العدلُ لقاتليه بما أُنفقوا لها من الموائد و أُعدوا لها من القوة .
اما الِامتعاض المفرط للسيد الرئيس امبيكي من المحكمة الجنائية الدولية الظاهرة في سطور مقالاته ، تُقرأ أنْ كونه أفريكاني الدسم ((. Ban Africanist)) بذهنيته ، المقاوم للتدخل الأبيض دون البحث عن البديل المنقذ للأسود المتكالب عليه الموت ، المرض ، الجوع و الإبادة نتيجة للخلل العدلي ، الاقتصادي و التدبير المطلوب بما يجفّف لليتيم دمعته . و الرجل ينظر إلي المحكمة ،مجرد ظاهرة سطو الرجل الأبيض علي افريقيا عبرها .و لا زالت ذاكرته تغلي بتفاصيل يوميات جنوب افريقيا قبل ١٩٩٠م . فهذا الموقف الذي وضعه في مقدمة ناصحي قادة الافارقة للخروج من المحكمة الدولية افواجاً و ربما حفًّزْه ذلك ليصبح ممسكاً لهذا الملف و مجلباً للعتاب علي نفسه امام الضحايا يفتقدون لاقل ما يحتاجونه من العدل . و متجاهلاً دموع من ذكريات ثلاثمائة الف نضجت جلودهم قبل ان ينضج الفول و البصل بعد(( خطبة الخسائر المشهورة لا الجريح ولا الأسير)) . يقدرون له ، لو استعاض مطلبه بتمكين العدالة بدل التحريض بالإفلات منها.
علي كلٍ ، رغم هذا ، يعتبر اول مسئول أفريقي قام بتأسيس الملف علي قاعدة سياسية . لكن ، سرعان ما تعرض جهده نُسِفاً و حرقاً ليصبح رماد هامد بتدخل بعض اشقاء الغاز و البترول ، مما أُجبْر الرجلُ بالانتقال زحفاً إليِ الدُرِْجٍ الأخر مُلِأ به مخلفات نيفاشا لدولتي السودان عموما . لتستقبله قُصَاصَاتً تلهبُ ناراً كالمنطقتين ، الهجليج ، الحدود ، الديون ، الأصول ، الجنسية ، البترول و عبوره ، الأنابيب ، أبييّ و نصيب كل منهما من البنادول . رُكِنت جميعها في صالة الانتظار يغمرها شخير النُعاس .
يكاد يصل الان في خاتمة جولته ، في الشأن السوداني الضالِ بين وثبة القاعة و خارطة الطريق يمسك بحبله هو من الجهة و سلطة الخرطوم من الجهة الآخري . نداء السودان يبحث عن المقبض ليمسك به ، لكنه ليس بكل أياديه يُسرةً و يُمنةً .هو عبارة عن فِرِقة مركّبة من الإيامن و الأياسر تحجب الغشاوة رؤيتها المرامي بما فيها من التفاعلات الكيميائية بداخلها وسط إفراط قبضة الموتمر الوطني للحبل من مواقع العِقد ، لم تظهر سوي شخطة باللون الغامض من بداية الطريق .
«إجهاض الأهداف بالسمكرة »
* المجتمع الدولي يقوم بسمكرة الموتمر الوطني الذي يتقّبْل مداعبته اليه ، ثمناً لبيع الاٍرهاب احترف به هو . عارضاً الصفحة البنفسجية استوي عليها توقيع الرئيس امبيكي المدعومة دولياً لا سيما الولايات المتحدة الامريكية .
*توحيد دوافع و مخاوف القادة الافارقة في الهروب الجماعي من المحكمة الدولية ، يمكن قولها (( ان الطيور علي اشكالها تقع )) قد ذوّد للحكومة السودانية منطاطاً لتخرج به في فضاء تهويم الزمن لضرب ابناء الوطن و تسريع لحجز المواقع في قلب المجتمع الدولي . فهنا يتضاعف دور الرئيس امبيكي و منطلقه لدعوة الهروب ، ربما تناسي و معه قادة افريقيا اليوم ، ان اكثر من ثلث اللاجئين في العالم من افريقيا ، لجأوا بحثاً عن العدل يحضنهم .
*عاصفة الحزم فتحت نافذةً لها ، حيث اعتبرتها من الارزاق اتت من حيث لا تدري . عزمت البقاء فيها الي الأبد حتي و لو أدي الي انسحاب السعودية بكامل خليجها من العاصفة . ليست فقط لكسب بوادر الخروج من العزلة الدولية عانت بها سنين عددا ، إنما للاستفادة من ريالات الدم تأتي اليها ، الهبات ، المرتبات و ديات الجنود السودانيين لتغذي بها الحروب الداخلية .
*إستغلال انتباه العالم المشتت لمواجهة الظواهر الحديثة مثل الداعش و تنظيم الدولة احتلتا اهم مضارب العالم . من الشام ، العراق و ليبيا وتَبّدُد الجهود الدولية بين قضايا الهجرة المأهولة بجانب مهدد أوربا الاول ، ((أوكرانيا )) . أعطت وفوراً من هدؤ البال يستلقي علي عريكته ليوجّه بالسهولة كافة الإمكانات علي صيوفه الحاسمة ، مقابلةً جبهة واحدة فقط وهي :- الحرب الأهلية .
*دور القوة السياسية المعارضة التي لم تبرح الخطة ((أ)) اي ((plan – A)) لثلاثة عقودٍ متتالية ، مَهّدَ له مرقداً من الحرير الناعم و برداً و سلاماً علي النظام ليقوم بلَمّ انفاسه توترت فيما بعد .
«إحلال الاٍرهاب بالاٍرهاب »
حيث كانت القاعدة وحدها تحتكر ماركة الارهاب . بظهور الاٍرهاب الاكثر صرامةً و عنفاً مثل الدولة الاسلامية ، اُجبر العالم لمهادنة القاعدة ضد الاٍرهاب الجديد . في هذا المنحني ، سيجد الموتمر الوطني هويته في قوائم الإرهاب السرية بالخط العريض(( القاعدة جناح الحركة الاسلامية السودانية )) . بها تتم غربلة الإسلاميين أصدقاء الامس في مبتدأ وداع المشروع الحضاري ، علي ساحة البرنامج ( أسماءٌ في حياتِنا) .
*الفهم الدولي المعوّج الناقص لمشكلة دولة جنوب السودان و شمالها و إدعاء حكومة الشمال المنتحلة لصفة الرجل الصالح يبعث عن السلام المقتول و المحمول في مخلايته المصنوعة من جلد البشر الجنوبي ، هذا المفهوم سيغلق العالم في حلقة مفرغة عقوداً من الزمن دون إلتماس الحلول اللازمة . مشكلة الجنوب اسبابها و وقودها في الخرطوم و ليست جوبا. بما يعني :- انفصلت الارض ، و لم تنقسم أسباب الإنفصال .
*هذه القراءات غير الحصرية ، جعلت السلام في السودان بعيد المنال . كل الشعارات المشاعة حلقت علي سمائنا ، امثال الحوار الوطني و جمعيته العمومية و لجنته السبعتان ، خارطة الطريق و اجتماعه التحضيري ، شمولية الحوار و الهبوط الناعم، اتفاق ثلاثية الأبعاد كلها مجرد الفاظ للتحرش السياسي منتهاها مسمار العقرب .
«القطار فات المحطة »
أستْهِلُ هذه الفقرة بمثل متشائم من أساطير الزمان ، يقول فيه:- ( في شئ لو سمعت عنه ، هو موت الوالد . و لو رائيته بعينيك ، هو موت الوالدة . و لو حملته بايديك ، انت الميت ) .
هكذا حال النداء مع الخارطة . في داخلها ركابٌ قد فات القطار بِهم محطة النزول . و البعض الاخر يزالون السير في الرحلة . جميعنا مضطرون لخوض معركة جرّ ذيول الحيرة و الحسرة الي حدٍ من الزمن عقوبةً لقبول ركوبها من دون الدوافع تُذكر . الامر الان اصبح ساحةً للمعركة الواقعية خمارها واجب بما يشبه دخول الأندلس .رغم إن المسافة غير شاسعة، لإبحار الموج العارم علي متن مركبة التكتيك المتاح (( خارطة الطريق و بلع الأمواس ، للزوم محافظة ما تبقي من نداء السودان )) . بنا يتطلب الجديد لنلقي به قاذورات المقالب ، المطعنات و الخبطات التأمرية دوافعها الانانية الخواء لن ينال صاحبها إلا الهبوط رأساً في القاعة الحضيض ليعلم حينه لا شرب لنفسه الصفاءَ و لا سقي لغيره طينا .
و لكي لا نتجرع عصير الوثبة تترسّب في قاعتها نفايات مسرطنة ، يجب إجبار الحكومة و وضعها بين القيامين . (أ) – القيام ، للحل الابدي للقضية السودانية . (ب)- ام القيام ، للرحول الابدي من السلطة . ذلك يتجوّب علينا فعله قبل سماع دوّيِ الوثبة الأُخري تُنقَد به رسالة السحر و التنجيم التي هبطت في قاعة الصداقة . فالقادمة لا يسع متنها إلا رجلاً واحد لمراسم إندثار أهداف الشعب :- يهتف يقول ، لا للحوار قد عملنا. حين يَتأنّيَ المُسَتمعُ و يتَعَمّق اكثر لكلماته ، تُستشفّ منها عبارة ليزيد الأمْوّي :- لا مَلكٌ جاء و لا دِينُ نزل .
فهذا اليوم الذي ينفر بيت ابي سفيان بِما رحب ، مما نُصِبتْ من حبال المشانق لقطف رقاب النضال و إسدال ستار الضلال ، ( الحوار الوطني ). ليبدأ الرجل الواحد بدايةً لعرض حلقته الاخيرة من مسرحية الزعيم علي نمط
(( العبودية في عهد الباشاوات )) .
العبودية ، ليست بالضرورة أّن أسواقاً للنخاسة تكتظ بما ملكت إيمان المؤمنين او حور مقصورات في الخيام او القطعان من السبّايا . و لكن ، هي مجرد أن يحس الظلم بالانتصار علي الخصم الحق . ليقوم بإفشاء الجُور ناصباً خيام الذل و مهرجانات تُعزف فيها دفوف الفرح و تشيد قصوراً تحتها مقابر جماعية تُكتب علي لافتاتها اللامعة حروفاً من الزيف لإظهار الكلمتين ،
(( السلام و التنمية)).
السوأل الذي لم يبرح اذهاننا ، كيف يبقي نداء السودان موحداً و محباً لبعضه البعض بعد التوقيع علي الخارطة ؟؟؟
الإجابة هي :- ان الموتمر التحضيري الجامع المحضور و المفاوضات الجادة لجذور الأذمة في المناطق الملتهبة .
بعد التوقيع عليها ، تقف امامنا مصفوفة التنفيذ لمحتويات هذه الوثيقة علي رأسها التفاوض و الموتمر التحضيري الجامع .
يجب عدم التنازل عنهما مهما تخندق الشيطان علي مواقفه و تساهلت معه الظروف الدولية التي تم ذكرها . لأن التنازلات الكثيرة التي سبقت قد جردت المعارضة من القضايا الاساسية و سحبت منها الارضيّة التي تطأ اقدامها . لذلك الصمود علي محافظتمها يعتبر الأوحد لصون جسم النداء و تطويره بتوسعته راسياً و أفقياً مع التحالفات الآخري .
فالمفاوضات السياسية و الأمنية ، يجب تنعكس نتائجها في جسم الوطن علي ان تكون أساساً و جزءاً لنتائج اي حوار وطني حقيقي و مؤسس .
في حالة فشل التحالف بتمسكه علي هذين الخيارين الاخيرين سيقود الي الفرز للكيمان بين من يريد البقاء في الخطة(( أ plan A)) و الاخر من يريد الانتقال الي (ب-B او C) .
هذه الحالة ، (البشبهوا بطيروا) .اي ، في سبيل التحول الديمقراطي الدائم للسودان ، المعارضة المسلحة ستحدث لها من المستجدات التي من شأنها ان تزول موانع الوثبة من الحالة أشبه بالتشظي الي فضاء خيارات متاحة بصورة اكبر من سابقاتها . حينه المجتمع الدولي و الإقليمي يعلمان بانهما أخطأا بتعزيز سلطة الاٍرهاب و الجنجويد علي حساب ملايين من ضحياهما مقابل حِفنة المعلومات .و
الأخلاق و الانسانية لن تموت بموت الاٍرهاب او بموت الهجرة الإجبارية الي اوروبا