*(لكننا لسنا وحدنا الذين نحدد شكل الدولة السودانية، فانقسام السودان دليل علي أن الخطأ في تحديد شكل الدولة يتم برغبة حزب واحد أو أيديولوجية واحدة).
*(وما هو سبب بقاء شخص على رأس 40 مليون نسمة لأكثر من 27 عاما؟).
تميز المؤتمر الصحفي الذكي الذي تم عقده عبر الموقع الإجتماعي الواتس آب مع رئيس حركة تحرير السودان السيد منى أركو مناوي والذي شهده كوكبةً متميزةً من الإعلاميين، رؤساء تحرير وكتاب رأي ومحررين، وأداره بكفاءة الأستاذ عثمان ميرغني تميز بالحداثة والجدة، حيث جاءت الأسئلة عن طريق ( خد وهات) وقد تنوعت وتشعبت في الشأن العام، إذ قام كل هؤلاء الإعلاميون المتميزون بتوجيه الأسئلة حيةً وطازجةً دون مونتاج تحريري بأسلوب البث الحي على الهواء مباشرةً live وهذا أسلوب مُبتكر لعقد المؤتمرات الصحفية يُحسب للإعلاميين الذين وقفوا وراءه حتى أخرجوه لنا، ولأهمية إجابات السيد مني وما جاء فيها من رؤى جديرة بالتناول نكتب هذا المقال لإستعراض بعض من الإجابات المتفردة والتي تتسم بنكران الذات والإنحياز المطلق لقضايا الوطن، وما تركنا باقي الأجوبة إلا إتقاء التطويل رغم أهميتها، أتمنى أن يتناولها الآخرون.
قبل الخوض في الأسئلة والأجوبة نستميح القارئ عذراً في التعليق على أسلوب المؤتمر الصحفي غير المسبوق، من الناحية التقنية، خاصةً في حراكنا السياسي في السودان إذ تم عقده عبر موقع التواصل الإسفيري الشهير الواتس آب، فلم نقرأ من قبل أن هناك مؤتمراً صحفياً تم عقده بين أحد القياديين والإعلاميين من على البعد لا يجمع بينهم مكانٍ واحد مثلما إعتدنا عليه في المؤتمرات الصحفية غير التقليدية، هو أمر يُشجِّع على إجراء المزيد من مثل هذه الحورات مع القيادات السودانية التى تلعب أدواراً فاعلةً ومميزةً في راهن السودان اليوم وعدم التعذر والتعلل بعدم إمكانية سسذلك بسبب البعد الجغرافي إلى آخر المبررات التي تجعل المؤثرين بعيدين عن طرح رؤاهم على الرأي العام ومحاكمتها ودحض الإتهامات المبطنة ضد الذين وضعتهم الظروف للإضطلاع بعبء التصدي لقضايا الوطن، أيضاً مثل هذا المؤتمر الصحفي يضع حداً لسيطرة وإحتكار مؤسسات ووسائط حزب المؤتمر الوطني للساحة المقيدة، مكانياً وزمانياً، بأن الذي يُطرح في المؤتمر الصحفي ينبغي أن يتواطئ مع رؤية النظام الإنقاذي وإلا فلا مؤتمراً صحفياً سيُعقد، اليوم لا يستطيع أحد عقد مؤتمراً صحفياً في الخرطوم إذا كان لا يصب في دعم رؤي أهل الإنقاذ ليس هذا فحسب بل لابد من تبخيس الآخرين أشيائهم وإلصاق تهم العمالة بهم. كثيرةٌ هي الفوائد التي خرجنا بها من المؤتمر الصحفي غير المسبوق، وأرجو من قادة الإعلام والرأي الذين شاركوا في المؤتمر الصحفي الإسفيري أن يتناولوا ماجاء فيه بصدق في وسائطهم الإعلامية دونما مواربة أوتغميط، فهناك الكثير من النضح السياسي والفهم المتقدم للقضية السودانية مما ورد في إجابات السيد مناوي عليهم بعكسها للرأي العام وتحليلها ليس من أجل السيد مناوي وتنظيمه ولكن من أجل الحقيقة ومن أجل السودان ومن أجل حل قضايا بلادنا وجعل الوطن مكاناً آمناً للحياة فيه.
نبدأ بسؤال الإعلامي الطاهر ساتي والذي جاء كالآتي : (الحكومة أبدت رغبتها في العودة إلى المفاوضات، فما هو موقف الحركات؟).
وكانت إجابة مناوي (نحن من اليوم الأول لم نرغب في فض الجولة دون الوصول الي اتفاق، لذلك نهرول قبل الحكومة الي حيث يوجد السلام. لكن على الحكومة ان تصدق القول بالفعل).
في الحقيقة ظل نظام الإنقاذ وعبر إعلامه يُكرر دوماً أن الحركات المسلحة هي من تعوِّق مسار العملية السلمية وللأسف يُصدقها البعض، ففي واقع الأمر النظام هو من لا يريد تحقيق السلام، وينسى بعض المغيبين أن الحكومة هي التي تريد أن تفرض على الآخرين من أهل السودان رؤيتها وطريقتها غير المثلى وأن من يرتفع صوته بالإعتراض فلابد من دق عنقه وغمط حقه في الإعلان عن رفضه للطريقة التى تجري بها الأمور في البلاد، فإما أن توقع على وثيقة إستسلام وإذعان ثم تأتي لتجلس ضيفاً في وطنك ترى الأمور تسير على غير ما يصب في مصلحة بلادك أو تُوصف بأنك عميل وأنك تُنفذ أجندةً خارجية إلى آخر الإتهامات التي يصك بها إعلام النظام آذان الرأي العام.
وفي سؤالٍ ثالث للصحفي الأستذ محمد محمد خير ( هل سيظل مسار دافور مقترنا بالمنطقتين حتى النهاية في إطار التحالف القائم، ام ربما يصبح مسارا مستقلا؟).
جاءت إجابة مناوي هكذا ( مسار دارفور والمنطقتين هي قضية واحدة، لم يفصلهما إلا إصرار المؤتمر الوطني والذين يريد أكل الثور الأبيض قبل الأسود. لذلك تلك المسألة ليست كبيرة لتشغل ناس في ذلك. أرجو أن نذهب الي الجوهر). بالتأكيد مسألة تزامن وقف الحرب في كل السودان في زمن واحد هو العنصر الأساسي والحاسم والهدف الأسمى لأن السودان وطن واحد فما جدوى أن توقف حرب في إقليم وتترك آخراً ملتهباً؟.
في سؤالٍ للأستاذة الصحفية فاطمة غزالي: ( الحرب في دارفور يدفع ثمنها المواطن قتل ونزوح وأنتم معركتكم مع المركز لماذا تظل دارفور اسيرة وتدفع وحدها فاتورة التغيير؟).
وجاءت إجابته على السؤال هكذا ( الحرب دائما ثمنها يدفعه المواطن، حتى ولو لم تأته في عقر داره فستأتي الخسائر بشكل آخر أما بموت ابن أو آب أو أخ من الذين يستشهدون من كل الأطراف. لكن سؤالنا من هو المسؤول الاول عن الحرب؟ هل الحكومة أم المعارضة” وانا قبل أقل من 5 سنوات كنت قريبا للمكان الذي تتحدثين الآن منه، فمن الذي تسبب أن أكون خارج السلام؟ ثانيا هل هنالك طلب مستحيل تلبيته من المطالب التي ترفعها المعارضة؟ وما هو سبب بقاء شخص على رأس 40 مليون نسمة لأكثر من 27 عاما؟ هل هذا الامر منطقي في نظرك؟ على كل المسؤولية الأساسية مشتركة لكن هي على الحكومة أكبر؟).
حسب تقديرنا فإن السؤال الإستنكاري الذي جاء في متن إجابة مناوي عن سبب بقاء شخص واحد يتحكم في مصير 40 مليون مواطن ولمدة 27 عاما حسوما يُلخص الأزمة السودانية ويُلخص مأساة الوطن ويُفسر كل الأزمات التي تُحيط بالبلاد وتخنقها، ودون الذين يُغالطون أن يطلعوا على سجل السودان المُزري والمُخزي في كل مناحي الحياة.
إذا كانت خصلة التشبث بالسلطة أمراً جيداً لما تركته الدول التي تتصدر اليوم ريادة العالم، رفاهيةً لشعوبها وإحتراماً وتقديراً أمام الأمم وتفاخراً بمنجزاتها، هذه الدول رفضت بشدة أن يحكم شخص في الحدود القصوى أكثر من فترتين تمتد إلى ثمان أعوام هذا عن طريق ديمقراطية حقيقة غير مزيفة، أما عن طريق إنقلابٍ عسكري فهذا دونه خرط القتاد بعينه، ولذا تصدرت قيادة الأمم وتطورت ويكفيها فخراً وسؤدداً أن أمثال دولتنا السودان وإخواتها في التردي يعشن اليوم من ثمرات ما أنتجه إستقرارها في الحكم وتداولها السلمي للسلطة، ليس هناك إنسان وُلد هو ليحكم إلى الأبد والآخرون وُلدوا ليظلوا محكومين رغم فشله كحاكم ووصول البلاد في عهده لمستوىً من الإنحطاط غير مسبوق، ولذا يجدر بنا نحن أهل السودان أن نتأمل هذا السؤال بعقلٍ مفتوحٍ ونجيب عليه بحثاً عن مخرج من ضيق الأزمات التى نعيش في محيطها الصاخب.
وطرحت الأستاذة فاطمة غزالي سؤالاً هذا فحواه( سؤالي لماذا لا تنقلون المعركة الى المركز بانتفاضة شعبية؟).
وجاءت إجابة مناوي كالآتي ( أتصدقين إجابتي على هذا السؤال الأخير حول لماذا عدم نقل المعركة الي المركز؟ انني أرجو واعمل لأن تقف الحرب بدلا من نقلها من الألف الي الياء). طبعاً هذه الإجابة تأتي على غير ما تهوى أفئدة قيادة نظام الإنقاذ لأنهم ظلوا يرددون أكذوبة أنهم هم من يرغبون في السلام والحركات المسلحة هي من تصر على الحرب، مثل إجابة مناوي هذه ينبغي على الشعب السوداني الحادب على سلامة حياته أن يعيها جيداً وليعلم أن الحركات المسلحة مجبرةً على قتال نظام الإنقاذ، فالحرب ليست نزهة، فيها تسيل الكثير من الدماء ومحفوفة بالمخاطر والآلام والأحزان وفقد الأحباب والجوس في الغابات والأدغال والصحاري وأمور أخرى معقدةً للغاية كأن تمول جيشاً لقتال نظام يملك موارد وطن بحجم السودان و يُكرس كل علاقاته الدولية بالباطل والتدليس من أجل أن يبقى في السلطة رغم فشله المدوي في إدارة البلاد.
نختم إستعراضنا لحوار السيد مناوي بسؤال الأستاذ عصام محجوب الماحي، وفي تقديرنا الشخصي أن هذا السؤال إحتوي على جزئية مهمة للغاية في من مجمل هذا الحوار الإسفيري، لقد سأل الأستاذ عصام سؤالين قائلاً: ( 1 – هل الحركة التي تتزعمها تدعو لتغيير نظام الدولة الحالي لدولة علمانية ديمقراطية ام قد تقبلون نظام الدولة الحالي؟ باختصار ما هو شكل الدولة التي تريدونها وتحلمون بها وتسعون لها وتحقق لكم ولمن تناضلون باسمهم طموحاتكم وأهدافكم؟
2 – أحي الموقف المتميز الثابت والمستمر للمناضل عبد الواحد محمد نور. اطمح ان تتوحدا مرة اخرى. هل يمكن ان يحدث ذلك قريبا؟).
لتجئ إجابة مناوي عليه هكذا:( حول سؤالك عن شكل الدولة التي تريدها حركتي، لو رجعت لليوم 26 مارس 2003 لتجد اول بيان سياسي لتأسيس حركة تحرير السودان ستجد شكل الدولة التي تريدها الحركة. بالإضافة لذلك ان كل أدبيات الحركة متوفرة في قوقل والاسافير في الانترنت. لكننا لسنا وحدنا الذين نحدد شكل الدولة السودانية، فانقسام السودان دليل علي أن الخطأ في تحديد شكل الدولة يتم برغبة حزب واحد أو أيديولوجية واحدة.
كلنا نحي موقف عبد الواحد لكننا لسنا، شخصي ونور، كل شيء حتى نتوحد أو ننفصل. للتاريخ كهوف اودعنا فيها تفاصيل ما حدث في السابق وارجو ان نترك ما تركناه هناك لينام في كهوف التاريخ، وعدم الحديث عنه في منبر عام).
لعّل خلاصة خلاصات الحوار تكمن في إقرار حق الشعب السوداني في تحديد شكل الدولة التي يريدها دون وصاية من أحد أو حجر، أما الإصرار على فرض الرؤية التنظيمية الأحادية والإدعاء بأفضلية متوهمة لن يسمح قط بإستقرار الدولة السودانية وسيظل الجرح نازفاً لأن هناك من يرى نفسه وتنظيمه هم أصحاب الحق الأبدي في حكم البلاد وأن رؤيته لا يأتيها الباطل من بين يديها أو خلفها، مثل هذه الأوهام ستجلب المزيد من الكوارث وعدم الإستقرار، وأن لا أحد مهما حدث سيسمح بأن يمتطي ظهره الآخرون، فقد وصل الآخرون لمستوى من النضج الفكري والسياسي لا يسمح بذلك وملكوا من الوسائل الفاعلة لمناهضة ذلك الوضع المشوه، كلنا شركاء في هذا الوطن ويجب علينا جميعاً أن نحترم هذه الحقيقة صدقاً، ليس قولاً من أجل الإستهلاك الإعلامي وأسلوباً تكتيكياً، ونضمر الإحساس الزائف بالتفوق ليظهر في سلوكنا في آخر لحظة عندما تحين ساعة الحقيقة ونستفرد بالسلطة.
لمن أراد الإطلاع على الحوار فليضغط على هذا الرابط:
http://www.alrakoba.net/news-action-show-id-244726.htm