للتخلف أمارات و علامات تشير إلي حلول ليله و إقبال ظلامه علي أي أمة تتنكب طريق الحق, و تسير في سبيل المجرمين-وان بلغت أقصى حالات التقدم المادي-.فالتخلف في منظور الإسلام يشمل الجانبين المادي و المعنوي معاً, وليس مجرد التخلف المادي البغيض فقط.والتخلف في منظور الإسلام أساسه تضييع المبدأ القرآني و الانصراف عن هديه و هجر العمل به و اتخاذه نبراساً هادياً للفرد و الجماعة.
ويبدأ التخلف في منظور الإسلام عندما يتراجع التوحيد لصالح الشرك أو النفاق, أو عندما تتراجع الفكرة ليبزغ الصنم بتعبير مالك بن نبي-رحمه الله-, وتفقد أصول الأمة مكانتها لدي أبنائها بسبب التكالب علي الدنيا, و نسيان الآخرة, و غياب أو تغييب المثل الأعلى, بسبب الهزيمة النفسية و الإخلاد إلى الأرض, و فقدان الإنسان المستخلف, والمؤسسات الحاضنة له لدورها, فتخرج أجيال ضائعة مائعة مضيعة تفرط في الأصول و الثوابت التي قامت عليها الأمة من جهاد و اجتهاد و إيمان و عمل و أداء واجبات, فتسقط قيم الأمة الأصلية لصالح قيم دخيلة, أو ترتد الأمة إلى العصبية الحمقاء, فتنحل عري الأمة واحدة تلو الأخرى و تذهب حمية الإسلام لتأتي حمية الجاهلية .
و تنفض الأمة يدها من مشروعها الحضاري فتصاب بالترهل و الجمود و القعود و الانكفاء الحضاري بكافة مظاهره, و تفقد أي قدرة علي الفعل الحضاري مهما قل شأنه. فتقع الهزيمة النفسية الشاملة, ويصيب التخلف كافة مفاصل الأمة السياسية و الدينية و والاجتماعية والثقافية و العلمية و التعليمية و الأمنية, فيحل عليها ليل السقوط البهيم, و يصير شعارها ليس في الإمكان أبدع مما كان, و أن ما يحدث لها قدر لا فكاك منه.
فالتخلف في المنظور الإسلامي عناوينه خمس أمور أساسية تتمثل في:
١- عقيدة خاطئة عن الكون و المكون : بسبب البعد عن المصدر الرباني للعقيدة, تؤدي إلى غيوم الرؤية لدي أبناء الأمة فيفقدوا وجهتهم الأساسية, و تغيب رؤيتهم الكونية الصحيحة.
٢- انسان لاه: فاقد لهويته الدينية, غير واع لمسئوليته الاستخلافية علي هذه الأرض, يضيع الثوابت و الأصول, ويتبع الشهوات و الضلالات, فلا حصانة عقيدية عنده, و لا أفكار أصيلة لديه, و لا عمل هادف يتقنه.
٣- مؤسسات ضد الأمة : علماء سوء, و أغنياء بخلاء, و حكام ظلمة, ومدارس بلا تعليم, و جامعات بلا بحث علمي.فالسمة البارزة للمجتمع المتخلف في أقصى حالات سقوطه هي: إفراغ مؤسساته من أهدافها و أدوارها و فاعليتها لأن القائمين عليها ليسوا أهلاً للقيام بمهام الاستخلاف الحضاري.
٤- سيادة الجمود و غلبة التقليد واتباع العادات الجاهلية: فهكذا أمة تقف حياتها, و تتدهور أحوالها, فلا جديد نافع مقبول لديها,و لا ارتياد لآفاق النص, أو الكون طلبا للتجدد, فالمجتمع فقد بوصلته, و رضي بقسمته من التخلف, و انغلق علي نفسه فأوشك علي الانهيار.
٥- مجتمع الفرح اللاهي والإخلاد إلى الأرض: إنه مجتمع الهزيمة النفسية الشاملة المغلفة بأماني الحمقى, و أحلام الكسالى المدعين, الذين يلبسون لبوس الإيمان مقلوبة, و يعبدون الله علي حرف و يظنون أنهم علي شيء:مجتمع الكذبة الذين يدعون إيماناً بلا عمل, و ينتظرون سمناً و عسلاً علي الأرض و في السماء, مقابل سباتهم الحضاري و إخلادهم إلى الأرض بخلاً بالأنفس و حرصاً علي الأموال و الأولاد. إنه مجتمع فقد كل شروط الاستخلاف فتودع منه دينياً و حضارياً.
فعندما يفقد المسلم وعيه القرآني, يجهل أو يتجاهل رسالته الحضارية, و يصبح كلاً علي مجتمعه و علي الناس جميعاً.فعندما يغيب التوحيد الخالص, تبزغ الأهواء و المصالح, و إنسان الحقوق, و يختفي إنسان الواجب و النهضة,و تبدأ مؤسسات الأمة في التراجع و التدهور حتى لا يتبقى منها إلا أطلالها و تغيب جواهرها و أدوارها, و تدخل الأمة في طور الجمود و التخلف, و تبدأ سفينتها في الغرق, و تصبح الأمة قصعة شهية في انتظار أعداءها لالتهامها.