إسماعيل عبد الله
يبدو أن الهتاف الذي ذاع صيته لكريمة وزير المالية – (حكومة الجوع تسقط بس) – غير دقيق وليس كافياً لشمول المعنى المراد، والأصح أن تجويع الشعوب السودانية هواية مارستها جميع الحكومات، وليست حكومة الدكتاتور وحدها، فمنذ أن تفتحت اعيننا على الدنيا وعبر كل المراحل العمرية والمدرسية لم تُزال ظاهرة صفوف الخبز والوقود والغاز من المشهد، فالأمر لا يتعلق بحكومة بعينها ولا برئيس محدد ولا بحزب سياسي معيّن، هذه الكارثة الاخلاقية والمأساة الانسانية التي ألمت بهذا الشعب المسكين، زاد من وتيرتها الاعتماد الكامل للمواطن السوداني على الوعود المقدمة من السياسيين والحكام، الذين يهمهم الحفاظ على كرسيهم أكثر من أي شيء آخر، فكل الوالجين لباب الوزارة لهم دوافعهم الشخصية ولا علاقة لهم بتحقيق احلام الغبش المساكين، وغالبيتهم وصلوا لهذه المواقع عبر التنافس والكيد السياسي، وبناءً على مخرجات الصراع حول السلطة منذ عهود الازهري والنميري والصادق والبشير، فالاحزاب السياسية لن تتخلى عن ثأراتها القديمة وسوف تسعى بكل جد للأنتقام وللانتصار لذاتها، وتحت أقدام أفيال هذه الاحزاب المتصارعة تموت الحشائش والأشجار التي ينتظر ثمارها محمد احمد المسكين.
اسقاط هذه الحكومات المتشابهة في كل شيء لم يعد هدفاً مهماً ولا حلاً جذرياً للمشكلة، لأننا اسقطنا الأزهري وعبود والنميري والصادق والبشير من قبل، لكن النتائج جاءت صفرية بل وهبطت الى ما تحت الصفر، في كل مرة يستبشر المنتفضون خيراً بالحديث المعسول للحاكم الجديد والوعود المخضبة بحناء الجمال، وفي الآخر يثور الثائرون ويكتشفوا أن أحمد هو نفسه حاج احمد، وأن الساقية مازالت تلف وتدور ثم تدور كما غنّى المغني الراحل حمد الريح، لذا واجب سكان البلاد من كبيرهم الى صغيرهم البحث عن حلول أخرى غير هذا الحل التقليدي المجرّب، والذي لم يأت بجديد يذكر وانما كله قديم معاد، فكلما ازحنا حاكماً متغطرساً عن المشهد السلطوي كلما أتى آخر أكثر فتكاً وتجويعاً للمواطن، الحلول الجديدة تستبعد فيها كل آليات الهتاف الجهير والتدافع الخطير المهدد لحياة الشباب والطلاب، لقد دفع الثوار الشباب ثمناً غالياً من الدماء والدموع واليتم جراء مواجهتهم للآلة الحاكمة اللئيمة غير الرحيمة، والمقطّعة لأوصالهم اشلاء على ميدان أرض المؤسسة المنوط بها حمياتهم (ارض قواتهم المسلحة)، لكل هذا وذاك على ابناءنا الحالمين بوطن ذي حضن حميم يحويهم جميعهم أن يبحثوا عن حلول أخرى.
الحل في تجويع الحكومة، الأمتناع عن دفع الرسوم الحكومية والضرائب والجبايات، ومطالبة الحكومة بتقديم الخدمات مقابل ما يجود به المواطن من ماله للمحلية ولدواوين الضرائب والزكاة وشئون المغتربين، والكل يعي ويستوعب أن الوزراء الحاكمين اليوم جلهم قضى وقته في عواصم الغرب، وعاش على نفقة دافع الضرائب الغربي (الكافر) لعدد من السنين، فعليه أن يحرص على الوفاء لبني وطنه بعد أن عرف كيف تساس وتدار أمور حقوق الانسان في تلك البلدان المحترمة، ليس من الأخلاق في شيء أن تحرم المواطن رغيف الخبز وهو المواظب على اداء واجبه المالي تجاه الدولة والحكومة، ومن مدهشات الأقدار أن المواطن السوداني يشتري قطعة الأرض ويبنيها من حر ماله، ويدفع المغتربون ملايين الدولارات والريالات والدراهم لجهاز الجباية المنشأ من أجل خدمتهم، بينما اهاليهم ما يزالون يعرضون في قنوات التلفزة الاقليمية وهم يستجدون حكومتهم بأن تفي لهم بوعدها في توفير الخبز والوقود، تجدهم قائمين على احوال انفسهم واطفالهم بأنفسهم من الألف الى الياء، ولكن عندما يطلبون من حكومتهم دعم السلع و الخدمات، مرة تطالبهم ذات الحكومة بربط الحجارة على البطون والتأسي بصحابة رسول الله رضوان الله عليهم، ومرات أخر بالصبر حتى يحين ميعاد وفاء مؤتمر باريس بالتزاماته تجاه البلاد.
الحل في العصيان المدني الكامل، اذا لم تفي الحكومة بتعهداتها بالمأكل والمشرب والتواصل تجاه مواطنها، من حق هذا المواطن أن يلزم منزله وأن لا يذهب لمكتبه ولا الى مزرعته ولا متجره لمدة اسبوع كامل حتى يرى الحاكمون (هل يجدون شخصاً واحداً ليحكمونه؟) كما قال الممثل المصري القدير عادل امام في احدى مسرحياته، العصيان المدني سلاح قوي وغير مكلف ومرعب للساسة والحكام، وجب استخدامه اليوم قبل الغد من أجل الأطفال الرضع والنساء الحوامل والشيوخ والعجزة ومرضى القلب وغسيل الكلي والسرطان، الحقبة التي اعقبت زوال حكم الدكتاتور سوف تكون مختلفة تمام الاختلاف عن سابقاتها من الحقب، وسوف تصبح ميداناً للتحدي بين جيل التغيير وجيل البيروقراطيين الأفندية الذين تخرجوا في (ذات النخيل) ستينيات وسبعينيات وثمانينيات القرن المنصرم، فالحاكم الذي قضى مراحل تعليمه مجاناً لا ولن يستطع أن يحقق آمال وطموحات أجيال دفعت دم قلبها من مرحلة الأساس حتى التخرج من الجامعة، على شباب الصبّة التخلي عن نظرية التتريس وأن يلجأوا الى حشد قنوات التواصل الاجتماعي بالدعوة للعصيان المدني حتى تفي حكومتهم بالخبز والدواء والرغيف والغاز والوقود.
16 يونيو 2021