لندن – صوت الهامش
كشف تقريرعن سخط عارم في الشارع السوداني، من جراء الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي يتعرض لها الاقتصاد السوداني مع فرض اجراءات التقشف من قبل الحكومه
وبحسب تقرير لموقع “ميدل ايست آي” ، يرى المنتقدون أن في إعلان الإصلاحات الاقتصادية والتعديلات الوزارية الأخيرة خطوة أخيره من عمر البشير لتشديد قبضته على السلطة .
و يقول “عبد الوهاب أحمد” و هو واحد من مئات العمال في مصنع للطوب في حي الجريف في الخرطوم ” الوضع الاقتصادي السيئ في السودان، ترك حتى أولئك الذين يعملون في وظائف عادية، يكافحون من أجل البقاء” حسب قول الأب البالغ من العمر ٤٥ عاما و الوالد لثلاثة أطفال.
و يكمل عبد الوهاب حديثه “البعض منهم لا يستطيعون إرسال أطفالهم إلى المدرسة. يأكل البعض وجبة واحدة فقط في اليوم” .
والآن، ومع إعلان الرئيس السوداني عمر البشير عن إجراءات تقشف صارمة، والتعديل الكبير في حكومته، و الثاني في غضون أربعة أشهر، يقول أحمد إنه يتوقع فقط ” أن تصبح الحياة أكثر قسوة، فهذه التغييرات السياسية ليس لها علاقة بنا، فمنذ بداية العام، تسوء الأمور وأصبحت الحياة مستحيلة، لأن سعر كل شيء في الأسواق المحلية صار صارخا”
و تضمنت “الاستراتيجية الاقتصادية الجديدة” التي أعلن عنها “البشير” خفض الإنفاق الحكومي على المستوى الاتحادي وعلى مستوى الولاية بنسبة 34 في المائة ، مما قلص عدد الوزارات الحكومية من 31 إلى21 ، والحد من حجم المجلس الرئاسي وإعادة هيكلة الحكومة على مستوى الدولة.
وقال التقرير أن البشير تعهد بمعالجة الفساد، وإصلاح الاقتصاد الوطني، ووعد بتقديم المزيد من الدعم للفقراء، وزيادة الإنتاجية والإيرادات ، وتمويل المشاريع الزراعية.
وفي خطاب متلفز، اعترف بأن الظروف الاقتصادية الصعبة للبلد أجبرته على اتخاذ تلك الإجراءات التقشفية وقال: “أود أن أشكر جميع أفراد شعبنا على فهمهم العميق للحالة الاقتصادية الصعبة التي نواجهها، والتي حمتنا من الاضطرابات الاجتماعية أو الفوضى”.
ونقل التقرير قول البشير “نطلق اليوم هذه المبادرة الوطنية الجديدة لتحقيق الاستقرار وإصلاح اقتصادنا من خلال خفض النفقات ، ومحاربة الفساد ، وزيادة الإنتاجية ، ودعم المشاريع التنموية وخلق بيئة مواتية للاستثمار المحلي والأجنبي”.
وكان مجلس وزراء البشير الجديد هو رابع تعديل له منذ الانتخابات العامة الأخيرة في عام 2015.
وكجزء منه ، تمت ترقية وزير الكهرباء والماء السابق “معتز موسى عبد الله” إلى منصب رئيس الوزراء ، ليحل محل “بكري حسن صالح” الذي احتفظ بمنصب النائب الأول للرئيس.
وأشار التقرير أنه لم يتم تعيين الحكومة السابقة إلا في مايو، بعد إقالة البشير لوزير الخارجية “إبراهيم غندور” ، بعد أن اعترف “غندور” في البرلمان بأن وزارته قد نفدت ميزانيتها.
وشملت التغييرات الأخرى التي أعلن عنها تعيين “أحمد بلال عثمان” وزيرا للداخلية و”عبدالله حمدوق” وزيرا للمالية، كما تمت ترقية “محمد عثمان كبر ” والي ولاية شمال دارفور السابق ، ليحل محل “حسبو عبد الرحمن” كنائب للرئيس.
الاحتجاجات … هكذا تخطط المعارضة
وأكد التقرير أن تصريحات “البشير” لاقت رفضا من قبل “نداء السودان” وهو تحالف المعارضة الرئيسي في البلاد، والذي قال إن “البشير” يتناوب ببساطة من خلال قادة حزب المؤتمر الوطني الحاكم.
وفي بيان صدر للمعارضة يوم الثلاثاء الماضي، تعهدت فيه بالنزول إلى الشوارع، في معارضة حكم البشير الذي استمر قرابة 30 عاما، حيث قال البيان “هذه الخطوة -التعديل الوزاري- مجرد عرض مصطنع، وعديم القيمة من جانب النظام، و لن يحل أبدا ظروف المعيشة السيئة لشعبنا . أن هذا التناوب على المناصب الحكومية بين قادة حزب المؤتمر الوطني أمر بائس، ونحن نخطط لتنظيم احتجاجات واسعة لإسقاط النظام ووقف تجويع شعبنا “.
ونوه أن السودان عاني من ظروف اقتصادية بائسة في الأشهر الأخيرة، على الرغم من الآمال في العام الماضي بأن رفع العقوبات الأمريكية المطبقة منذ عام 1997 سيعزز حظوظ البلاد.
لطالما كانت الطوابير الطويلة للخبز، والوقود، وغاز الطهي، وأجهزة الصراف الآلي، من المشاهد الشائعة في الخرطوم، والولايات الأخرى منذ بداية العام، في حين شهدت البلاد احتجاجات متفرقة، بسبب ارتفاع تكاليف المعيشة.
وكان أحد العوامل التي دفعت المعارضة للنزول في الشوارع، هو رفع الدعم عن العديد من السلع الأساسية، بما في ذلك الوقود والخبز امتثالا لتوصيات صندوق النقد الدولي، من أجل إنعاش الاقتصاد الذي ظل يعاني، منذ انفصال جنوب السودان في عام 2011 وفقدان معظم نفط السودان.
كما خفضت السودان عملتها مرتين هذا العام، حيث بلغ معدل التضخم 64٪ في يوليو، مقارنة ب 25٪ في ديسمبر 2017.
“البشير” يشتري الوقت
مع تأييد ترشح “البشير” من قبل حزبه، في الترشح لولاية ثالثة منتخبة في الانتخابات الرئاسية المقبلة في عام 2020 ، و على الرغم من وجود حد دستوري لولايتين، يقول البعض ان صبرهم على الرجل الذي قاد البلاد بعد استيلائه على السلطة في انقلاب عسكري في البلاد منذ 1989 بدأ الآن ينفذ.
“إن الرئيس البشير يريد فقط كسب الوقت من أجل الوصول إلى الانتخابات القادمة بأمان، دون أي استياء أو توتر اجتماعي، ناجم عن معاناة الشعب” ، هذا ما قاله مصطفى عبد العظيم، وهو حارس أمن في الخرطوم
لكن آخرين رحبوا بتقليص حجم الحكومة، وحذروا معارضي “البشير” من الأعمال التي من شأنها أن تزعزع استقرار البلاد.
“إذا نظرت إلى بلدان أخرى في المنطقة، فنحن أفضل منها حالا، نحن على الأقل دولة مستقرة” هذا ما قال علاء الدين عل ، و الذي يعمل سائق سيارة أجرة .
ومضي قائلا “نحن بحاجة إلى التحلي بالصبر، لنرى ما هي نتائج التدابير الحالية، لقد طالبنا منذ وقت طويل بخفض الإنفاق الحكومي، بالاقتران مع تخفيض الإعانات، وقد استجابت الحكومة الآن بشكل إيجابي لنا كمواطنين “علاء مكملا حديثه.
وينقسم المحللون الاقتصاديون السودانيون أيضا بشأن حزمة إصلاح البشير.
يقول ” محمد الناير ” وهو اقتصادي يعمل في العديد من الجامعات السودانية: “أنها خطوة في الاتجاه الصحيح ، تثبت أن الحكومة جادة هذه المرة في للتغلب على الأزمة الاقتصادية”.
لكنه أضاف: “هذه الإجراءات لا تزال بحاجة إلى خطوات تكميلية أخرى مثل خفض عدد أعضاء البرلمان، ووقف الحرب في دارفور وجنوب كردفان ودول النيل الأزرق، حيث تشارك القوات الحكومية السودانية في صراعات مستمرة مع الجماعات المتمردة، و خفض الإنفاق على الدفاع والأمن، من بين العديد من التدابير الأخرى”
الإصلاح الجذري
لكن “حامد التجاني ” الخبير الاقتصادي في الجامعة الأميركية في القاهرة ، دعا إلى إصلاح شامل وأكثر جذرية لاقتصاد السودان مع التركيز على زيادة الإنتاجية.
ودعا الحكومة إلى إحياء مشاريع التنمية الكبيرة المتوقفة مثل مشروع الجزيرة، وهو مشروع يرجع تاريخه إلى قرن مضى، يدعمه البنك الدولي في السابق، و يهدف لاستخدام المياه من النيل الأزرق لري الأراضي الزراعية في ولاية الجزيرة، وكذلك للاستثمار في قطاع النقل.
وأضاف أيضا إن الحكومة بحاجة إلى عمل المزيد لإقناع المجتمع الدولي بإسقاط 50 مليار دولار من الديون الخارجية المستحقة على السودان ، وقال إن الفوائد المتوقعة من رفع العقوبات الأمريكية لم تتحقق بعد.
لكن التجاني قال لـ: “إن جذور المشاكل الاقتصادية للسودان كانت سياسية إلى حد كبير، وأن حكم البشير المستمر أصبح الآن العقبة الرئيسية أمام حلها، كل هذه التغييرات السياسية والخطوات الحكومية مترابطة ومركزة حول إعادة ترشيح البشير لولاية ثالثة ، لذا ستبقى هذه الإصلاحات غير نشطة” .
ولفت التقرير أن ترشيح البشير الشهر الماضي من قبل الحزب الحاكم، على الرغم من الحد الذي فرضه الدستور الحالي للسودان على ولايتين. وفاز البشير بأغلبية كبيرة في الانتخابات في عامي 2010 و 2015 ولكن، لم يشهد كلا التصويتين سوى انخفاض نسبة الإقبال، ومقاطعة أحزاب المعارضة وانتقادات المراقبين الدوليين.
“هناك رفض واسع النطاق لإعادة ترشيح البشير بين المعارضة، وكذلك بين بعض الفصائل داخل الحزب الحاكم نفسه، وهذا هو السبب في أن البشير يحتاج إلى تقوية الدائرة الداخلية المحيطة به للهبوط بسلام في عام 2020 على الرغم من الأزمة المتصاعدة ، ” و بهذا اختتم “التجاني ” حديثه
محاربة القطط السمان
ورأي التقرير أن حكومة البشير، أبدت بعض الجدية في متابعة حملة ضد الفساد، أطلقت منذ بضعة أشهر تحت شعار “محاربة القطط السمان”.
حيث حكمت محكمة أمن الدولة يوم الأربعاء الماضي على “عبد الغفار الشريف” و قد كان رئيسا سابقا لقسم الأمن السياسي في المخابرات و الأمن الوطني بالسجن سبع سنوات بتهمة الفساد وتبييض الأموال وإساءة استخدام السلطة .
كما أعلن المركز السوداني للخدمات الاعلامية (القريب من أجهزة الأمن السودانية) عن اعتقال سبعة أشخاص، من بينهم مصرفيون ورجال أعمال بسبب جرائم غسل الأموال المزعومة.
لكن “الناير ” دعا الحكومة لتشكيل لجنة لمكافحة الفساد لتنفيذ الحملة بشكل أكثر شفافية وضمان اتباع الإجراءات القانونية الواجبة.
كما قلل “التيجاني ” من أهمية الاعتقالات قائلاً: “إنه جزء من الصراع الداخلي داخل الحزب الحاكم على ترشيح البشير”