محمد أبكــر
عندما لم يحتفل الشعب الجنوني -ولو ضمنياً- دهرئذ مع الشماليين يوم إستقال (السودان) – شكلياً – عن الإستعمار البريطاني، ولحظتئذ لَما قالوا إستبدلنا سيداً بسيدٍ)، إنه في واقع الأمر قد أصابوا كبد الحقيقة وأفقعوا بصر الحق بالمطلق وقد قالوا ما يجب قوله..!
وكل ذلك إن لم نقل فضلاً عن تصديقهما بالأيام التوالية، والوقائع المتتالية، ومقولات ومقالات مثل ذالكم (الشمالي) المضمرة لكوامن البغضاء العنينة..! والغادقة في التعبير التمييزي، وتجيسد ثقافة (اللاقبول الآخر)، ونثر فقاعيع (العنصرية) فما وراء الكلمات والتقول..
ثم كيف..! ولماذا..؟ ولأجل ماذا.. يحاول – مجرد محاولة – يوماً (الإنسان الجنوبي) أن يبغض (السيد الإنجليزي)…؟!
وهذا الأخير هو الذي حاول – بكل الآليات والطرق الممكنة – حماية الثقافة والموروث والحضارة الجنوبية – بإصدار قانون المناطق المقفولة ١٩٢٢م – عن تلوثات وقذارة (السيد الشمالي) الذي لطالما جثم على صدر (السودان وإرادة شعبه) منذ يومئذ إلي يومنا هذا بالإكراه والعنف ونخاثة التدين..!
وفي السياق ذاته.. كيف للجنوبي أن يحاول الإحتفال -ولو للحظاتٍ- سواء هو سابقاً (مواطناً سودانياً) أو الآن هو (شعباً) جنوب سودانياً، وهو الذي لم يعترف به( الشمالي) بأحقية مواطنته..ولم يقبل به بجنوسته.. ويحترمه كإنسان له كامل الحقوق الوجودية والحريات الإنسانية..منذ حينها وبعد إن إستقال عن السيد الثاني; الأكثر بغضاً له، والأكبر تهميشاً وإقصاءً وتحقيرا..!!
فالجميع يعلم بأن (الشمالي) ما حصل يوماً أن راق له (الإنسان الجنوبي).. وما حدث – ولو لمجرد لحظةٍ – أن إعترف به مواطناً سواء بالإنسانية أو بالدستور أو بالتقديرات الشخصية للفرد..، هذا فضلاً أنه -الشمالي- يبغض ذلك (الإنسان) سواء وهو سودانياً منذ الأزل أو هو سودانياً بالإتجاه الجنوبي منذ 9/7/2011، يوم أن تنغس صعداء الحرية،ووإستشعر بكمالية حقوقه والمواطنة المتسحقة،والإرادة الحُرة..
وهكذا..إن ما أسموه الجنوبيين دولتهم الوليدة بــ(الإستقلال) وليس (إنفصالاً) كان في صميم الحقيقة وعينها هو الأمر الصواب والأحق تعبيراً وتوصيفاً وتسميةً وترميزاً..ذلك أنهم نالوا – بالسلم وقليل من الإكراه المردود أو المعكوس نتاج الدفاع وجماية الذات والكرامة الإنسانية – حقهم في المواطنة الكاملة، وتحرروا – بالطبع- من إسترقاق (السيد الشمالي) وإنعطقوا من براثين عبوديته لهم..ليتمتعوا بالحرية المقدرة لطالما حلموا بها، والتمتع بالإرادة الحقيقية والإستقلالية الوجوديتان على وجه الحق والعدالة والإستحقاق الدستوري لطالما فعلوا -الممكن وشبه المستحيل – وكدوا إجتهاداً بالأخضر والجامد حيالهما..!
ثم أن قضية (الوحــدة) مع السودان يوماً ما – كما يحلم بها الكثيرين ويرجوها واقعاً – لهي من أخص خصوصية القرارات التي يمكن أن يصدرها (الشعب الجنوبي) ريثما يحين الوقت…،فضلاً عن أنها – إن قست الرياح ورست السفن عن غير مراسيها – من أهم خيارات وإرادة دولة الجنوب السوداني التي يمكن أن تقررها الأيام قيد حركة الصيرورات وحدوثية العالم..، وربما تكون أصعبها على وجه التقدير وإحتمال الوقوع..!!
ولتعلم – يا صاحب ذلك المقال – أن تصريح ذلك الجنرال( رئيس جبهة الخلاص الوطني) لَما يقول :”مسألة (الوحــدة) بين الدولتين تخص شعب الجنوب” ليس لؤماً أو نوعاً من الغطرسة -كما وصفتْ أنت علناً وتقّولت جهوراً – إنما قوة الثقة، وشغف الإصرار، وشعلة الإرادة، ومطلق الرغبة، وحُرية الخيار في تلكم المسألة يا (أ.م.ز.ح) وأيها السادة وأيتها السيدات..!
وهل هناك إمكنان لمشاعر البغضاء والتهميش والكراهية والحقد الدفين أكثر مما أظهرته النخب الشمالية يوم إعلان جنوب السودان دولةً وليدةً مستقلةً عن حُرية شعبها عن السودان; حيث زبح هؤلاء (الشماليين) الأبقار السمان، ونثروا الأموال (العجاف) في سبيل إحتفالهم بذهاب (الجنس الزنجي الأسود) – عن مزاحمته لهم في الجغرافيا ووهم الهُوية وهامشية التدين والثقافة والتاريج لطالما يحلمون برحيلهِ إلي الإبد عنهم – الذي لطالما أعاق (السودان) عن تحقيق المشروع (العروبي القومي الإسلاموي) المخطط له منذ دهور عددا..! هكذا يقولون..
..أو كما قالوا وما زالوا يقولون على مدار تعاقب الأيام التوالي..!؟
ولستُ في حاجةٍ – والجميع يعلم بلا إستثناءٍ- إلي ذكر ما تفيض به ذاكرة (النخب الشمالية) من مواقف محرجة في تهميش وإقصاء وكره وبغض( النخب الجنوبية)، وثمة تجارب – تزخر به التاريج السوداني – مخجلة جداً وصادمة حدّ الذهول في إضرام نيران الحرب، وإشعال فتايل النعرات القبلية وإختلاق النزاعات العصبية بين الأجناس (المتصالحة)، والصراعات الإثنية بين الأعراق (المسالمة) في مناطق وأوكار هذه النخبة الأخيرة..!
وفي السياق ذاته.. ماذا فعلت (النخب الشمالية) قبل وأثناء فترة (الإستعمار التركومصرية، والحكم الثنائي)، فضلاً عن بعد إستعلائها على سدة الحكم منذ مواثيق(تشرشل) بشأن حقوق الشعوب في نيل إستقلالها بعد أن تضع (الحرب العالمية الثانية 1939-1945) أوزاراها، ثم إتفاقية( القاهرة١٩٥٣) وحتى هذه اللحظة..!
نعم ماذا فعلت…؟ غير الإجتهاد المستمر – وبلا هوادةٍ – ﻷجل ترسيخ ثقافة كراهية (الفرد الزنجي!!)، والعمل الجهيد بغية تسييد معالم تفوق (السلالة الصفراء) على الأخريات، ونشر أفكار التحقير والدونية في العقول الناشئة والأفئدة الشابة حيال (الإنسان الجنوبي).. هذا غير ما في الخفاء لهو الأعظم..!
وبالطبع أعتقد جازماً أن (الإنسان الجنوب السوداني) ما ندم ولن يندم البتة يوماً على قراره المصيري بشأن نيل منطقته الحُرة إستقلالها الكامل،،، ولطالما تنفس هو صعداء الحُرية، ويعايش الكرامة والإرادة الخالصتان..ولطالما كم تمناهما وحلم بهما لأزمنةٍ طوال..ولطالما يتمتع بهما الآن، ولو ذاق.. ويذق ( بعض) صراعات الحكم الطبيعية، ويعاني شذرات التنافاس السياسي للوصول إلي كرسي السلطة لطالما تحدث لكل دولةٍ وليدة على أديم الأرض منذ الأزل..!
ولكن يبقى أن مقولته – الفرد الجنوبي – الخالدة ليالي 1956: ” لقد إستبدلنا سيداً بسيدٍ…) عين الحقيقة الثاقبة، وخلاصة الواقع حينها الحقة..وستظل ممهورةً على لسانه ومنطوقةً بفاهِ كل من يحتقره( الفرد الشمالي) ويهمشه ويقصيه ويتطاول على حقوقه وحرياته (الوجودية).. ولطالما يسترخى هذا الشمالي على كرسي السلطة على (جميع) شعوب السودان!!.
داخــل السيــاق
ما عرفتُ نخبٍ تكره بني جلدتها، وتبغضها حدّ العدم، وتكن إليها مشاعر العداوة، وتدر عليها إنفعالات الدونية والتحقير مثلما واقعتُ كل ذلك – طيلة عمري القصير وحتى الآن – من النخبة الشمالية تجاه (الإنسان الجنوب السوداني)، بل تجاه كل فردٍ هو من (الجنس الزنوجي)، أو الإثنية السمراء شبية الأصيل لونياً أو ( مذّهبيّة قهوتي عند الظهيرة).. أنه لشئ في غاية العُجب والإندهاش المميت..لو تعلم!!.