الخرطوم – صوت الهامش
أثارت منح حصانات لأعضاء مجلس السيادة المقترح لتولي السُلطة السيادية في الفترة الإنتقالية،وفقاً لما ورد في الوثيقة الدستورية التي تمخضت عن إتفاق المجلس العسكري وقوي إعلان الحُرية والتغيير،جدلاً واسع في الأوساط السياسية ومنظمات المجتمع المدني،وقادة الحراك السلمي .
وبناء علي الوثيقة المقترحة فأن أعضاء مجلس السيادة ،منحو “حصانات” مُطلقة تعصمهم عن المحُاسبة والملاحقة القانونية،في حال تورطهم في إرتكاب جُرم .
وتباينت آراء كثيرون حول الخطوة بيد أن الأغلبية رأت أن القصد من الحصانات المُطلقة أحد خطط المجلس العسكري الحالي الذي يبحث عن ضمانات تمنع ملاحقته قضائياً علي ضوء الإتهامات التي توجه إليه وتحميله مسؤولية العديد من الجرائم لاسيما جريمة فض إعتصام القيادة العامة بالقوة فجر “29” رمضان الماضي.
جدل التفاوض
وكان المجلس العسكري وقوي إعلان الحُرية والتغيير، توصلا لإتفاق بشأن تقاسم السُلطة عقب مفاوضات طويلة قبل نحو إسبوع،بيد أن تفاصيل الإتفاق لاسيما في مسودة الورقة الدستورية،فجرت الخلاف بين الطرفين من جديد،حيث تري قوي سياسية أن الوثيقة الدستورية غير ملبية لآمال وتطلعات الشعب السوداني في الحرية والديمقراطية والعيش الكريم، بجانب إبقائها علي القوانين المُقيدة للحُريات،والإبقاء علي السُودان بإعتباره جمهورية رئاسية،بينما تري قوي الثورة ضرورة أن يكون السودان جمهورية برلمانية.
غضبة الشيوعي
وأعلن الحزب الشيوعي السوداني مقاطعته المشاركة في الفترة الإنتقالية في حال الإبقاء علي الورقة الدستورية بشكلها الحالي ، وقال بيان أصدرتها اللجنة المركزية “السبت” أن الإتفاقية لا تلبي طموحات وآمال الثورة،وأبقت علي كل القوانين المقيدة للحريات، إضافة لسير مجلس السيادة المقترح في الاتفاقية باتجاه جمهورية رئاسية، عبر تدخل مجلس السيادة في تعيين رئيس القضاء والنائب العام والمراجع العام حتى قيام المجلس التشريعي .
وأشار الحزب أن الاتفاقية أعطت مجلس السيادة حصانة فوق القانون، كما أبقت على قرارات المجلس العسكري السابقة التي اتخذها منذ 11 أبريل وحتى تاريخ الاتفاق ضمن الفترة الانتقالية، وهذا مرفوض.
جدل القانون
ويقول الناطق الرسمي بإسم المؤتمر السُوداني المحامي محمد حسن عربي في تعليق حول الحصانة المطلقة لمجلس السيادة وفقاً لمسودة الورقة الدستورية، أن الحصانة المقترحة من المجلس العسكري بمسودة الإعلان الدستوري أثارت الفزع في أوساط الكثيرين باعتبار أن هذا الاقتراح يؤسس حال اعتماده الي تقنين حالة الافلات من العقاب المستمرة منذ ثلاثين يونيو ، خاصة أن هناك اشتباه لا يخلو من موضوعية حول علاقة المجلس المركزي بمجزرة فض الاعتصام يوم ٣ يونيو، و علاقة اعضائه بصفتهم كبار القادة العسكريين و الأمنيين بجرائم الرئيس المخلوع البشير .
ولفت عربي أن هذا الفزع مبرر و غضب مسبب ، مبيناً أن هذه المادة لم تكن أصلا ضمن المسودة النهائية التى أتفق عليها أعضاء اللجنة الفنية المشتركة .
وقال في تعليقه” دفعنا فى قوى الحرية فى هذه اللجنة باثنين من خبراء القانون هما استاذتنا ابتسام السنهوري استاذة القانون الدستوري بجامعة الخرطوم، و الدكتور علي عبدالرحمن الأستاذ بجامعة الخرطوم و أن كليهما يتسمان بحسن الخلق و اتساع النظر و المعرفة و الالتزام الوطني دون انتماء حزبي” .
وأشار عربي أنه تحدث تلفونيا مع الدكتور علي عبدالرحمن و اخطره أن مادة الحصانات لحقت مسودة الإعلان الدستوري المقترح فى ( اللفة ) بعد الفراغ من الصياغة النهائية و ان المادة المقترحة موضوعة الآن علي طاولة التفاوض بين الأطراف لحسم الاختلاف حولها قبل تضمينها في الوثيقة النهائية.
حائط صد
وقال عربي أن الحصانة القانونية حائط صد يحول دون أزرع العدالة وملاحقة المشتبه بارتكابهم جرائم وفق القانون العقابي الصارم ، وهي قد تكون حصانة إجرائية تقيد او تمنع الإجراءات فى مواجهة المشتبه فيه بصورة مؤقتة أو دائمة، وقد تكون حصانة موضوعية تطلق يد الشخص دون تجريم .
وأكد أن الحصانة واحدة من أكثر الادوات المستخدمة قانونا للافلات من العقاب ، مشيرا إنه أمر لا تقره المواثيق و الشرائع الدولية و المحلية ، وهى صورة من صور التمييز أمام القانون لذلك أصبحت الحصانات مقيدة فى اضيق نطاق ولمصلحة راجحة وهو أمر متفق عليه عالميا أن يتمتع البعض بالحصانة مثل رؤساء الدول ولكن بصورة مقيدة .
وبين عربي أنه من الجيد إثارة هذا الموضوع فى هذا الوقت .
وأضاف أن الحصانة المقترحة حصانة إجرائية، و مقيدة بفترة زمنية محددة هى أثناء ولاية أعضاء مجلس السيادة، لافتاً أنه لا مشكلة فى هذا النص ، غير أن هناك مشكلة فعلية فى الجزء الناقص من النص ، وهو الحالات التى يجوز فيها رفع الحصانة .
وتابع قائلًا “أعتقد أن الجرائم الموجهة ضد الدولة وهو باب كامل فى القانون الجنائي و الجرائم ضد الإنسانية و جرائم الإبادة الجماعية و جرائم الحرب و جرائم الفساد من الجرائم التى تستحق محاكمة شاغلي المناصب الدستورية بسببها أثناء فترة ولايتهم”.
ونوه أن الجهة المختصة برفع حصانة رئيس و اعضاء مجلس السيادة يجب أن يكون البرلمان وليس مجلس السيادة نفسه، فإذا تعذر وجود البرلمان لاى سبب ينعقد اختصاص ذلك للمحكمة العليا .
إقتراحات للصياغة
واقترح عربي في تعليقه إعادة صياغة المادة المقترحة بحيث لا يجوز توجيه الاتهام و المحاكمة لرئيس و اعضاء مجلس السيادة أثناء فترة ولايتهم إلا فى جرائم الحرب ، الإبادة الجماعية، الجرائم ضد الإنسانية، الجرائم الموجهة ضد الدولة و الفساد وفق القوانين الوطنية بجانب أن يحاكم رئيس وأعضاء مجلس السيادة أمام المحكمة الدستورية وأن يختص المجلس التشريعى القومى برفع حصانة رئيس و اعضاء مجلس السيادة وفي حال غياب المجلس ينعقد اختصاص رفع الحصانة الي المحكمة العليا دائرة النقض ويتولي التحقيق و توجيه وتمثيل الاتهام النائب العام.