الدكتور حمدي عبدالرحمن
على الرغم من الإصرار الأمريكي بأن الولايات المتحدة لا تمتلك قواعد عسكرية على التراب الأفريقي إلا في موقع واحد فقط وهو قاعدة ليمونيه في جيبوتي فإن وثائق للأفريكوم تؤكد عكس ذلك تماما. فالوثائق السرية للأفريكوم التي رفع عنها غطاء السرية وفقا لقانون حرية المعلومات تقدم دليلا واضحا على وجود شبكة عنكبوتية للمواقع العسكرية الأمريكية في أرجاء مختلفة من القارة الأفريقية. تشير وثائق أفريكوم إلى وجود 36 موقعا أمريكيا موزعين على 24 بلدا أفريقيا. وتشمل هذه المواقع البارزة بلدانا كثيرة ابتداء من كينيا وجنوب السودان إلى مطار ليبي لم يسبق ذكره في التقارير المنشورة. وطبقا للمتحدث باسم أفريكوم، فإن عدد هذه المواقع قد ارتفع بالفعل ليصل إلى 46، بما في ذلك “15 موقعا ثابتا”.
على الرغم من أن أفريكوم لم تعط مزيدا من المعلومات من قبل حول القواعد ال 46، ومناطق التواجد العسكري الأمريكي في أنحاء القارة، فإن وثائق 2015 التي تم الكشف عنها حديثا تقدم معلومات مهمة حول شبكة واسعة من مراكز الوجود العسكري والقواعد العسكرية التي قدمت بالفعل للجيش الأمريكي في سابقة لا مثيل لها في التاريخ الأفريقي.
وتقسم هذه الوثائق القواعد الأمريكية إلى ثلاث فئات: الفئة الأولى: مواقع التشغيل الأمامية، الفئة الثانية تشمل مواقع الأمن التعاوني، أما مواقع الطوارئ فتمثل الفئة الثالثة .القواعد العسكرية التي تعتبر مواقع التشغيل الأمامية تشكل العمود الفقري للعمليات العسكرية الأمريكية في القارة، وهي تتسع وتنمو بشكل سريع، خاصة منذ هجوم سبتمبر2012 على البعثة الأمريكية في بنغازي ، والذي أودى بحياة السفير الأمريكي ج. كريستوفر ستيفنز وثلاثة أمريكيين آخرين.
وطبقا لأفريكوم في2017 قام الجيش الأمريكي بإغلاق خمسة مواقع للطوارئ وفتح سبعة مواقع طوارئ جديدة في القارة بسبب تغير الاحتياجات ووجود ثغرات في قدرته على مواجهة التهديدات ودعم العمليات الجارية. ووفقا لما ذكره المتحدث باسم أفريكوم تشاك بريتشارد، فقد قفز العدد الإجمالي للمواقع العسكرية من 36 موقعا في خطط عام 2015 إلى 46 – وهي شبكة تتألف الآن من موقعي تشغيل أماميين و 13 موقعا للأمن التعاوني و 31 موقعا للطوارئ.
وتعتبر شبكة قواعد أفريكوم حاسمة لتحقيق استراتيجيتها على نطاق القارة والتي تتمثل في تدريب الجيوش من الوكلاء والحلفاء الأفارقة، والقيام بحملة متعددة الأطراف في مواجهة الجماعات الإرهابية. وتشمل مجالات العمل الرئيسية للقيادة الأفريقية ما يلي:
1- حرب الظل ضد حركة الشباب المسلحة في الصومال (حملة طويلة الأمد، تتأرجح في عهد ترامب، دون نهاية في الأفق).
2- محاولة احتواء التداعيات التي لترتبت على الاطاحة بالرئيس الليبي معمر القذافي (وهو جهد طويل الأمد بلا نهاية في الأفق).
3- تحييد “المنظمات المتطرفة العنيفة” في شمال غرب أفريقيا، وأراضي منطقة الساحل والمغرب العربي (وهي جهود طويلة الأمد لا نهاية لها في الأفق).
4- محاصرة جماعة بوكو حرام الإسلامية المسلحة في دول حوض بحيرة تشاد -نيجيريا والنيجر والكاميرون وتشاد (جهد طويل الأجل – وصلت تكلفته إلى 156 مليون دولار في العام الماضي وحده لدعم الوكلاء الإقليميين هناك – دون نهاية تلوح في الأفق )؛
5- مكافحة القرصنة في خليج غينيا (جهد طويل الأجل دون نهاية في الأفق)؛
6- المساعدة في جهود محاربة جوزيف كونى وجيش الرب للمقاومة فى وسط افريقيا (وكلاهما يعيش على الرغم من الجهد الأمريكي الطويل الأمد).
ومن المرجح أن تمثل هذه المواقع العسكرية للجيش الأمريكي أهمية حيوية لحروب إدارة ترامب القادمة في الشرق الأوسط. فالقواعد الأفريقية كانت ضرورية منذ فترة طويلة، على سبيل المثال، لحرب الظل المستمرة في واشنطن في اليمن، والتي شهدت زيادة كبيرة في ضربات الطائرات بدون طيار تحت إدارة ترامب. كما أنها كانت جزءا لا يتجزأ من العمليات ضد تنظيم داعش في العراق وسوريا،
ووفقا للملفات التي تم الكشف عنها، فإن موقعي أفريكوم للتشغيل الأمامي هما معسكر ليمونييه في جيبوتي وقاعدة في جزيرة تابعة للمملكة المتحدة قبالة الساحل الغربي لأفريقيا. ووصفت بأنها “مواقع دائمة” مع وجود قوات وأصول مملوكة للولايات المتحدة “، إنها بمثابة مراكز انطلاق قوات ومهام في جميع أنحاء القارة ولتوفير شبكة متزايدة من المواقع العسكرية هناك.
وتعد ليمونيه، جوهرة التاج للقواعد الأفريقية، حيث توسعت من 88 فدانا إلى حوالي 600 فدان منذ عام 2002، وفي تلك السنوات زاد عدد الموظفين هناك زيادة هائلة أيضا. “قاعدة ليمونييه بمثابة مركز لعمليات متعددة وأنشطة التعاون الأمني”، وطبقا لتقدير موقف أفريكوم في 2017 فإن. “هذه القاعدة ضرورية للجهود التي تبذلها الولايات المتحدة في شرق أفريقيا وشبه الجزيرة العربية”. والواقع أن الوثائق السرية السابقة تشير إلى أن القاعدة تدعم “العمليات الأمريكية في الصومال [مكافحة الإرهاب] واليمن وخليج عدن (مكافحة القرصنة) ومجموعة واسعة من أنشطة وبرامج المساعدة الأمنية في جميع أنحاء المنطقة “.
في عام 2015، عندما أعلن عن زيادة في مواقع الأمن التعاوني، ذكر رئيس أفريكوم دافيد رودريغيز دولا مهمة مثل السنغال وغانا والغابون كمناطق لتجميع وتنظيم قوات الرد السريع للقيادة. وفى يونيو الماضي، وجه قائد الجيش الامريكى السابق في افريقيا الجنرال دارييل ويليامز الانتباه الى موقع أمني تعاوني فى اوغندا والثاني في بوتسوانا.
قاعدة عنتيبي في أوغندا، على سبيل المثال، كانت قاعدة جوية هامة للقوات الأمريكية في أفريقيا، حيث كانت بمثابة مركز لطائرات المراقبة. كما أنها أثبتت أنها جزء لا يتجزأ من عملية أوكين ستيل، عندما تم نشر سريع للقوات في السفارة الأمريكية في جوبا، جنوب السودان في يوليو 2016.أما ليبرفيل، الغابون، فإنها مدرجة في الوثائق على أنها ” قاعدة أمنية تعاونية”، ولكن تم استخدامها في الواقع في عامي 2014 و 2015 كقاعدة رئيسية لعملية صدى كاسيمات، لمساعدة القوات الفرنسية والأفريقية في مواجهة اضطرابات جمهورية أفريقيا الوسطى. وتدرج خطة أفريكوم لعام 2015 أيضا مواقع أمنية تعاونية في أكرا بغانا؛ غابورون، بوتسوانا؛ داكار، السنغال؛ دوالا، الكاميرون؛ واغادوغو، بوركينا فاسو؛ ومومباسا، كينيا.
وتشير ملفات أفريكوم إلى أنها قد حدد ت خمسة مواقع للطوارئ على أنها “شبه دائمة” و 13 “مؤقتة” وأربعة على أنها “أولية”. وتشمل هذه المواقع عددا من المواقع التي لم يتم الكشف عنها من قبل، بما في ذلك المواقع التي توجد في ا البلدان التي كانت في حالة حرب بالفعل. فعلى سبيل المثال، توجد في قائمة المراكز الأمنية، واحدة في جوبا، عاصمة جنوب السودان، وهي بالفعل تعاني من حرب أهلية مستمرة منذ عام 2014؛ وأخرى في بانغي، عاصمة جمهورية أفريقيا الوسطى غير المستقرة وأخرى في فزان، وهي مطار صحراوي في جنوب ليبيا تقع بالقرب من حدود ذلك البلد مع النيجر وتشاد والجزائر.
هل بعد ذلك كله نتحدث عن منظومة الأمن الجماعي الأفريقي؟ الله يرحم نكروما وسانكارا وأبناء أفريقيا العظام الذين حلموا بولايات متحدة أفريقية تستطيع الزود عن نفسها.