العامل الرئيس في اسقاط حكومة الدكتاتور هو تردي الاوضاع الاقتصادية والمعيشية، هذا مع احتفاظنا بالحق الكامل للعوامل الاخرى في انهاء فترة حكم الطاغية، مثل الحاجة الملحة للحرية والسلام والعدالة، لكن يظل الجوع الكافر هو المتسيد لاسباب انهيار الامبراطوريات، وما الشعار المرفوع (الجوع ولا الكيزان) الا تعبير عاطفي مؤقت يدل على نبل وصدق مشاعر الانسان السوداني الباحث عن الكرامة، وبرغم ذلك النداء الانساني الذي تشترك فيه جميع شعوب الارض، الا اننا نجد أن الاتحاد السوفيتي عندما انهار خرجت الحرة القوقازية الشقراء صاحبة العيون الزرق من احياء الجليد بسهول سيبريا ويممت وجهها شطر عواصم بلدان الشرق الاوسط، عارضة لشرفها حتى تطعم صغاراً تركتهم في عاصمة القيصر (موسكو)، فمهما تحدث المواطنون عن بغضهم وكرههم للنظام البائد الا ان هذا البغض سينتهي بمرور الوقت، وسيتحول الشعار الى (الكيزان ولا الجوع)، فللصبر حدود كما قال الرجل الثاني بالجهاز السيادي في خطابه يوم حفل تخريج قوات درع السلام، اذا لم تقم حكومة الانتقال بحسم ملف العيش والخبز والغاز والكهرباء على جناح السرعة ستنتصر الدعوة لاجراء الانتخابات المبكرة و(الحشاش يملا شبكته)، وصبر المواطن السوداني ان قل فالويل كل الويل للحاكم.
الشماعة التي علق عليها القحطانيون اخفاقاتهم – الدولة العميقة – قد ناءت بحمل هذه العوالق، اصبح من الطبيعي ان يقول الناس كلمتهم في اسباب استطالة المدة الزمنية التي ظل فيها الحكام الانتقاليون يزجون بعمق الدويلة البائدة في انتكاسات الدولة القائمة، فالوقت قد مضى والقوم قد ملّوا سماع هذه السيمفونية المثيرة للضجر، العامان الماضيان كفيلان بأن يتم فيهما استئصال كامل للجذر العميق الذي استوطن في جسد المؤسسات الحكومية، ما هو انجاز المفككين المعنيين بازالة هذا الداء اللعين من اعماقه البعيدة؟، أم ان اللجنة المفككة هي جسم سياسي كما يدعي انصار العمق العميق؟، لابد من اجابات شافية من قبل الجالسين على مقعد القيادة الانتقالية على هذه الاستفهامات المشروعة، حبال الصبر الممدودة من قبل الشعب المغلوب على امره على وشك ان تتقطع، والطاقات الايجابية التي تحلى بها المواطن السوداني في طريقها الى النفاد، فالمراقب للشعبية الكاسحة التي حصل عليها رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله آدم حمدوك، يرى التراجع الكبير لهذه الاصوات التي تغنت ولهجت باسم الموظف الاممي الكبير، الذي نال رضا شعبه وهو يقود مسيرة الانتقال، فلم تعد ديباجة (شكراً حمدوك) تزين صفحات حسابات الشباب الطموح في تطبيق فيس بوك.
البطون اذا جاعت اكلت الجيف ولنا في ذكرى المجاعات الكبرى لعبرة، عندما ضربت كارثة الجفاف والتصحر اقليم دارفور منتصف ثمانينيات القرن المنصرم، نزحت اعداد كثيرة من سكان اقصى شمال الاقليم الى جنوبه الغني بالموارد، و اكلت هذه المجموعات السكانية الجائعة مخزون النمل من الذرة المدفون تحت التراب، فلا يغرنك قول الساسة والمتسلقين وأولهم وزير التجارة الواجب عليه توفير الخبز للناس، انه منتهى الاستهزاء بالمواطن عندما يقول:(الصفوف والمعاناة لا تليق بالسودانيين)، طيّب، ما هو دورك في ابطال مفعول هذه الصفوف بوقف المعاناة؟، هل منحك الثوار هذا المنصب الوزاري لكي تاتي اليهم بعد اكثر من عام لتقول مثل هذا الحديث البارد، الذي لا يجب ان يصدر من موظف بوزارتك ايها الوزير الهمام، لقد نصحنا منذ الايام الاولى بتنحية هذا الوزير غير الكفوء من الوزارة المعنية باكثر القضايا اهمية وهي جعل (قفة الملاح) متاحة للجميع، وليعلم طاقم حكومة الانتقال أن التشكيل الوزاري القادم اذا لم يأتي بشخص جدير باداء هذه المهمة الجوهرية، ستكون المطالبة باجراء الانتخابات المبكرة من المطالب المسنودة بالحجج الدامغة والبراهين الصادقة.
المواطنون البسطاء لا يدركون تفاصيل الاحاديث التي يدلي بها الخبراء الاقتصاديون، هم يعرفون شيئاً واحداً هو ان الحكومة التي اتت بها ثورتهم التي بذلوا فيها الدماء، عليها ان توفر لهم الخبز والغاز والكهرباء دون اي اسهاب من الوزراء المختصين في الشروحات الطويلة، وبدون الاستطالة في التبريرات والتحويرات المستخدمة للمفردة الدبلومساية المصاحبة للتنوير الذي يقوم به مسؤولونا عبر منبر سونا، فحينما يتناول الخبير المالي الوزير السابق الدكتور ابراهيم البدوي مشكلات الاقتصاد السوداني، لا يدرك محمد احمد الغلبان في سنكات وزالنجي ماذا يريد ان يقول علماء المال والاقتصاد، فان غاية ما يستحقه محمد احمد هو ان يتوقف النمط التقليدي للوزير السوداني الذي ما ان يصل الى كرسي الوزراة يبدأ في الحديث الفوقي والمتعالي ولا ينزل من مقعد سيارته ليسمع شكاوى المكتوين بالجمر، على هذا النموذج البيروقراطي للوزير السوداني على مر العصور ان يزول من كابينة حكومة الثورة، لا نريد ان ياتينا وزير كي يحدثنا عن معاناتنا مع صفوف الخبز والبنزين، نريد وزيراً يقف معنا في صف العيش ويعبيء سيارته من محطات الوقود جنباً الى جنب معنا، الثورة لا يمكن أن يحميها ويحقق مكاسبها الذين التمعت وجوههم بعد ان كان الغبش يكسوها، فيا حمدوك نريد وزراء (غُبش) غير (ممسحين) يتعاركون مع معاناتنا ويتصارعون مع مشكلاتنا عياناً بياناً.
اسماعيل عبد الله
[email protected]
23 ينيار 2021