السياسة هي الكياسة وفن الممكن ولا تخضع قوانينها للاهواء الشخصية ولا النزعات الغيبية الميتافيزيقية، ولو كانت توجهها الشعوذات وقلائد التمائم على الصدور لما خسر الرئيس الامريكي انتخابات الرئاسة هذا العام، ولنجدته الطلاسم والدجليات التي اعتمد عليها لكي يحتفظ بمقعد الرئيس، في السودان حكم الناس على تجربة الاسلام السياسي بالفشل بعد ان عاشوا اصعب الايام واحلكها تحت ادارة منظومة جماعة الراحل حسن الترابي الحاكمة لثلاثة عقود، فلم تعد الاهازيج التي اشعلت حماس بعض الشباب المغرر بهم مطلع تسعينيات القرن الفائت، تؤثر على شباب اليوم لأن هذا الجيل حصل على مناعة ذاتية من سموم الاسلامويين المبثوثة على طول البلاد وعرضها، الذين ما تركوا شيئاً فعله الشيطان الا ومارسوه جرماً واقعاً على النساء والاطفال والشيوخ والرجال، ومن يرهن مشروعه السياسي لوعود بقايا النظام البائد لا يجني سوى الفشل والذهاب الى مزبلة التاريخ طائعاً مختاراً بقدميه، ويكون قد ارتكب حماقة الانتحار السياسي المبكر قبل ان يطلق لساقيه عنان التدلي من ظهر دابة السلطة، فالتقرب والتودد لمنسوبي الدولة العميقة مثله مثل عدم ترك المسافة الآمنة بينك وبين مريض جائحة الكورونا.
الدكتور جبريل ابراهيم محمد من القيادات الدارفورية التي عقدت عليها الآمال العراض على المستوى القومي قبل المحلي، لكن بعد مقدمه الى الخرطوم صدم الناس بعلاقاته الصريحة مع مكونات الجبهة الاسلامية (الاخوان)، ولم يبد اي تحفظ في مغازلتهم بتصريحاته المستفزة لمشاعر المواطن السوداني الذي تذوق الامرين على ايدي (الكيزان)، ولم يلقي بالاً للغضب المعتري جماهير الشعب السوداني تجاه هذه الجماعة الدكتاتورية الباطشة، اذ ماتزال الجراحات تؤلم قلوب اسر الشهداء والمفقودين والمقتولين ظلماً بتعليمات واوامر اجهزة الامن والمخابرات التابعة للمتطرفين البائدين، كيف فات عليه ان يستصحب معه مشاهد هذه الجراح القاسية التي احدثتها آلة الطاغية الذي كان لاعباً رئيساً في مؤامرة ازهاق روح شقيقه المؤسس للحركة التي يقودها هو الآن، أم ان المشكلة تكمن في طاقمه الاستشاري الذي لا يجروء على قول كلمة النصح أمامه، مثل ذلك الطاقم الاستشاري الفاشل لنائب رئيس المجلس السيادي الذي ورطه بتعيين شقيقه في مجلس الشركاء، ما اثار غضباً شعبياً عرمرماً في والوسائط وعلى ارصفة المدن، ماذا دهى النخبة الدارفورية حتى لا تتعلم فنون اللعبة المركزية التي تآخي بين البيضة والحجر؟.
الزعيم العدلي المطالب بالمساواة بين مواطني جمهورية السودان، يعد واحداً من رواد مشروع الكتاب الاسود الفاضح لهيمنة النخبة المركزية على الوظائف التنفيذية والسيادية والدبلومساية العليا في الدولة، وعليه واجب انزال تعاليم هذا السفر المبين لحقائق اختلال ميزان العدالة على ارض واقع بلادنا، وأول هذه المباديء العدلية ان يتقدم باعتذار مشفوع بتوقيعه وموجه لجماهير الشعب السوداني، يحتوي على كلمات تعبر عن بالغ اسفه وندمه على مشاركته للطاغية في ادارة دولاب الدولة في العشرية الاولى من حكم الانقاذ، وتمكينه لسرطان الدولة الدينية والعنصرية بالسودان، في العقد الاول من حقبة الانقاذ (قبل المفاصلة) و(الحساب ولد)، وواجب لجنة ازالة التمكين ان تنظر في ملفات الكادر الاسلاموي المصاحب لزعيم المساواة، ذلك الكادر الذي خدم في اجهزة أمن وشرطة نظام البشير، والزام هذا الكادر بتقديم شهادات ابراء للزمة وخلو طرف من الجرائم المرتكبة من قبل اجهزة النظام البائد في ذلك الوقت، فالانقاذ لم تبدأ في الرابع من رمضان من العام الخاتم للألفية الثانية، وجرائم سدنتها لا تسقط بالتقادم.
الولاءات القديمة لجماعة الاسلام السياسي لا تسعف من تبقى منهم في خوض غمار العملية السياسية القادمة، وشرعية السلاح سينتهي مفعولها بدمج القوات التابعة للفصائل المسلحة الداخلة في العملية السلمية، وفي الغالب الاعم ان يتحول السودان الى بلد يدار تحت رعاية وحماية وموجهات الوصاية الدولية، ذلك لأنه قد بدأت ملامح تآمر المسلحين والعسكر لوأد وليد الثورة الذي سوف يكمل عامه الثاني في بحر هذا الاسبوع، وعلى الجميع ان يتحسسوا ما يوجد تحت قبعاتهم وان يتخذوا من الحكمة طريقاً، باعلان حالة الطلاق البائن بينهم وبين العسكر ومكونات المنظومة الاسلاموية المندحرة، ويحمد للقائد مني اركو مناوي تداركه للخطأ الاستراتيجي الذي وقع فيه عندما اطلق مفردة (العقلاء) على من قتلوا اهله وشردوهم واسكنوهم كهوف النزوح واللجوء ورواكيب الذل، بأن استبدلها بكلمة (السيئين) التي وجدت استحساناً لدى جموع جماهير الشعوب المقهورة بواسطة الاسلامويين بكل مسمياتهم، لقد دفع الشيوعيون سنين عمرهم ثمناً في الدفاع عن ما ارتكبه ضباط حركة يوليو التصحيحية من جرم بحق الضباط العزل في بيت الضيافة، ولم يستطيعوا اصلاح الاعوجاج الذي احدثته حماقة السفهاء منهم، وكذلك سيقضي (الكيزان) بقية عمرهم في التبرير مرة والانكار مرات اخرى لكي يزيحوا عن كاهلهم عبء المساءلة والتحري حول الجرائم المرتكبة تحت مظلة اسمهم، ويا لها من مهمة شاقة وشبه مستحيلة حاول المرحوم حسن الترابي ابان حياته وباستمرار ابعاد شبح الادانة عن نفسه ولكن دون جدوى حتى توفاه الله سبحانه جلت قدرته.
اسماعيل عبد الله
[email protected]
12 ديسمبر 2020