محمـد داؤد سليمان
الثورة في ادبياتنا هي درجة عليا من الوعي بالوجود والمصير ( في مجتمع ما) الذي يؤدي الي فعل تاريخي يقوم به ذلك المجتمع لاعادة تاسيس اوضاعه وواقعه وفق معايير جديدة وشكل اخر. والثورة السودانية هي عملية تغيير المؤسس علي المنظومات التي تكرس الهيمنة والقهر الثقافي ومن ثم الفوارق الاجتماعية والاقتصادية والسياسية من خلال اليات التمركز والتهميش التاريخية، ولاستبدال هذه الوضعية لوضعية اخر يتاسس علي منظومات تكرس مبدأ التعايش السلمي الذي يقوم علي الحرية والعدل والمساواة، وهذا التعريف للثورة وفقا ما ورد في برنامج الثورة السودانية، التي تم
الثورة في الاطار المفاهيمي، درجة عليا من الوعي التي يقود الشعب الي تغيير النظام القائم الي نظام جديد قادر علي تاسيس واقع جديد يستوعب التنوع والتعدد في الدولة الواحدة، ومثل هذا الثورة لا يمكن يقوم الا اذا توفر الوعي الكافي في المجتمع، كثير من الشعوب عبر التاريخ قاموا بثورات غيرت الوضعية القائمة مثل الثورة الفرنسية التي له اثرت حتي خارج فرنسا.
مع العلم ان معظم الثورات التي قامت في العالم في بادئ الامر كانت ثورات ذات مطالب بسيطة، مثل توفير المتطلبات الاساسية للحياة ( الخبز، الماء، العلاج، الامن ……. الخ)، ولكن مع تطور الاحداث فان المطالب الثوار تزداد، كالمطالبة بحياة كريمة والحرية، المساوة، العدالة الي اخره من المطالب، وفي اخر المطاف المطالبة بذهاب النظام الحاكم من سدة الحكم، ومن المعروف فان الثورة من اجل التغيير عملية طويلة تاخذ فترات زمنية طويلة للوصول الي الهدف المنشود. فان التظاهرات التي بدات في السودان في يوم 13 ديسمبر الحالي في السودان هي استمرار طبيعي لعملية المقاومة التي بدات منذ مجئ النظام الاسلاموي الي سدة الحكم في السودان.
الشعب السوداني بمختلف مكوناته قد جرب كافة انواع المقاومة مع نظام الحكم الحالي ابتدءا من المقاومة المسلحة، مرورا بالمقاومة السلمية عبر الياته المتعددة، الا ان كل تلك المحاولات لم تؤدي الي تغيير النظام الاسلاموي، الا ان الجديد في المظاهرات الحالية هي مشاركة فئات كثيرة من الشعب السوداني التي لم تشارك من قبل في التظاهرات ضد النظام، مما يشكل تحديا للنظام في السيطرة عليها، بالرغم من استخدام المفرط للقوة في مواجهة المتظاهرين السلميين، وخلال فترة وجيزة وصل عدد القتلي في حدود 50 قتيلا، و مئات المعتقلين، بل ان معظم قادة المعارضة تم اعتقالهم، وقام النظام باصدار احكام قاسية ضد بعض المعتقلين، وبالرغم من الاجراءات التعسفسة ما زال التظاهرات جارية بل مرشحة للزيادة في مقبل الايام، وتشير معظم التوقعات ان التظاهرات الحالية قد يشكل الفصل الاخير من عمر النظام الاسلاموي ونهاية عمر الدكتاتور البشير التي ارتكب ابشع الجرائم في حق الشعب السوداني حتي اصبح مطلوبا لدي المحكمة الجنائية الدولية كاول رئيس مطلوب وهو علي سدة الحكم.
ان التظاهرات التي انطلقت بسبب نقص السلع التموينية والسيولة في البنوك سوف يتحول الي ثورة شاملة للتغيير، وان تكاتف الشعب ووعيهم باهمية تغيير نظام الحكم، لاستشراف سودان جديد يتاسيس علي نظام سياسي جديد قادرعلي استيعاب التعدد الاثني والثقافي والديني، نظام قائم علي العدل والمساوة والحرية، قادر علي تحقيق السلام في ربوع السودان التي مزقها الحروب المتواصلة منذ عقود، وما حدث في المظاهرات الاخيرة من هتاف ضد سياسة النظام، عندما حاول الي تصوير ان تلك المظاهرات تم التدبير لها من خارج السودان وان المسؤول علي تنفيذ تلك الخطة انسان دارفور ممثلة في عضوية حركة تحرير السودان/ عبدالواحد محمد احمد نور، ولكن رد المتظاهرين كان صارما حيث هتف المتظاهرين (يا عنصري يا مغرور كل الشعب دارفور)، وهذا يدلل علي ان الشعب وعي مسرحيات النظام، وان مدن مثل الدمازين، عطبرة، سنار، القضارف، ام روابة، الابيض، بورتسودان، الخرطوم، شكل ملحمة حقيقية علي توحد السودانيين ضد النظام، ويشكل بشارة علي وحدة السودانيين مستقبلا.
م31- 1-2019