مابين البحر الأحمر ونهر النيل ومابين جنوب مصر وتخوم الخياري ومشارف مروي هنا كانت ممالك البجا العظيمة التى كان ينحنى لها الجبابرة والملوك ويستعيذ منها الفراعنة والهكسوس ويقف لها أجلالاً … الرومان والبطالسة … وكان لايستطيع أحداً أن يمر بمرابعهم بلا استئذان … وقد كانوا سداً منيعاً وأبواباً موصدة أمام الامبراطوريات الجبارة ولهم الفضل الأكبر … في طرد المستعمر في منتصف القرن العشرين … والكل يعلم الفزي وزي هؤلاء الابطال الذين حطموا المربع الانجليزي مربع الامبراطواطورية التى لاتغيب عنها الشمس .
هذا هو تاريخنا الذي قراءناه في مكتبات المعارف البريطانية وبين تلالنا وبوادينا وهضابنا ولم نقرأه في كتب قحطاني الخرطوم … نعم لم نقرأه …لأنه جزء من الحقيقة المخفية في عمر الدولة السودانية … دولة النخبة التى لم تكتف … بالتهميش السياسي والاقتصادي … بل تجاوزت لصناعة تاريخ وهمي … مشترك … يهدف لإشتراك الجميع في مستوى واحد لأغراض السيطرة وأخفاء الجريمة.
وها هو الشعب البجاوي يواصل توغله في أعماق التاريخ … بينما يستعصى علي الزمن أن يلقى ببطولاته في زواية النسيان … أو يمحوها من ذاكرة الشعوب .
أن المآثر الكبرى التى حققها الشعب البجاوي في تاريخنا الحديث وبالتحديد في القرنين العشرين والحادي والعشرين … أنما هو أدلة جديدة لصلابته وإيمانه وشجاعته … ومقدرته علي … التغيير … تغيير الواقع … تغيير المفاهيم .
أكتساب الاستعداد الدائم للتضحية وتناسب وعيه مع إيمانه المطلق بحتمية النصر .
وكانت الثورة … ” ثورة البجا في شرق السودان” .
وفي سياق الدعوة الناشئة والمطالبة بتكثيف دراسة الثورة ( ثورة البجا في شرق السودان) ومراحلها التى مضت … واستشراق مستقبلها سوف احاول من خلال المقال تبيين مراحل الثورة الثلاثة وخصائص كل مرحلة .
ولان موضوع الدراسة متداخل سوف أثير بعض التساؤلات من قبيل ماهى الثورة والمنهج الثوري … ومن أين تستمد قوتها وما هى احتياجاتها … وما هي مواصفات العقل الثائر … الخ.
أن الثورة هى الخروج عن الوضع الراهن الى الأفضل وفي التاريخ السياسي للبشرية أصبحت ظاهرة مهمة جداً لأنها مجموعة من التغيرات الاقتصادية والثقافية تؤدي الى تغيير شامل في المجتمع.
أن الثورة تبدأ من العقول لأنها التحولات الجذرية والسريعة التى تعتري أفكارهم … وتنطلق الثورة … وتشمل هذه التحولات أربع عمليات هى المعارضة والالغاء والتنظيم والخلق.
أن ثورة العقول هى معارضة للآطر القديمة المقيدة للعقل ومن ثم لأشكال الفعل ثم هى الغاء لها ثم أنها أعادة تنظيم للعقل بشكل جديد خارج الأطر القديمة…
ثم هى خلق للأفكار والاطر الجديدة وتتسم هذه التحولات بالسرعة في التشكل والتأثير إذ تتجاوز الإطار الزمني الطبيعي لتطور الأفكار … فهي تأتي كأفكار صادمة ومفاجئة …
هكذا كانت ثورة البجا في العام (1958م) في أولى مراحلها … جاءت مصادمة ومفاجئة والدولة المركزية السودانية في عامها الثالث … ويمكن أن نطلق عليها مرحلة الاستكشاف … أكتشاف عجز الاطر الفكرية والسائدة في تلك اللحظة … وهو اكتشاف أتي عبر محاولات مستمرة وجاده لعمليات تباديل وتوافيق وتعديل المعادلات داخل الإطار الفكري القديم.
حيث المطالب المتواضعة التي خرج بها مؤتمر البجا . في مؤتمره التأسيسي.
ثم مرحلة إعلان الكفاح المسلح في العام 1994م بعد ستة وثلاثن عــامــاً من (( إعلان مطالب مؤتمر البجا)).
في هذه المرحلة أكتسبت الثورة كثير من القوة والتفت الجماهير حولها … معلنة رفضها القاطع للإطر الغير مرغوب فيها واتسمت ببعض العنف وكانت مرحلة الرفض … الرفض الذي عبر عنه في العمليات العسكرية في الجبهة الشرقية ونضالات جماهيرنا … في الداخل.
سرعان ما استغل اعدأنا الحقيقيون نقطة ضعف الثورة … والتى تمثلت في تدنى المستوى السياسي والثقافي لقيادة الثورة .
وكانت ( اتفاقية الشرق) التى تم توقيعها في (اكتوبر 2006م) (أسمرا) حيث تم دمج بعض من قوات مؤتمر البجا في المؤسسة العسكرية وسرح البعض الآخر.
وأصبحت القيادة السياسية جزء من التنظيم الحاكم بعد منحهم مناصب دستورية ديكورية بغرض تشويه مسيرة الثورة علي مبدأ ( تفكيك التنظيم وتنظيم التفكيك) ولكنهم تناسوا بإن الثورة تتطور بتطور أساليب محاربتها .
أن هذا التحليل الذي قدمته عن مرحلتيي الثورة قد يتفق معي البعض ويختلف معي البعض الآخر وربما يتحفظ آخرون علي بعض جزئياته أو علي المنهج الذي اتبعته علي كلٍ … يجب ان نقف علي ( بعد الآن ) وما ينبقي علينا عمله لتعجيل المرحلة الحتمية مرحلة الثورة التامة.
مرحلة النصر … وهي المرحلة التي سوف يتبين فيها (( كيفية الخروج من الإطار الغير مرغوب بعد المحاولات المستمرة والجادة لعمليات التباديل والتوافيق وتعديل المعادلات داخل الإطار الجديد الذي تبينت معالمه في هذه المرحلة وهذه المرحلة حتمية لكن يجب أن تنظم الفئة التي تقع على عاتقها المسئولية التاريخية نفسها جيداً وأن تستخدم وسائل من شأنها تأجيل هذه المرحلة وتحقيق أهداف الثورة المرحلية وهي من أصعب المراحل وتحتاج لعناصر صلبة يؤمنون بالثورة التامة .
يجب أن نستفيد من تجربة ثورة التاسع والعشرون من يناير التي بينت أن شعب البجا قد بلغ ذروة النضوج السياسي إذ أظهر قدرته على الوقوف بثبات وعزم في وجه أعداء الثورة ولكن إنتصار شعب وتحقيق الثورة التامة يقتضي تنظيماً هائلاً مفعماً بإدراك أن شعب البجا مدعو إلى أن يصبح حراً في بلده كامل الحرية .
إن شعب البجا تواجهه مهمات تفرضها هذه المرحلة وإن جميع أنصاف الحلول التافهة من إتفاقات وتحالفات مع أعداء الثورة في معركتنا لايمكن أن تجد مكاناً لها وكلما إذداد الإنقلاب عمقاً كلما إقتضى الأمر عدداً أكبر من المناضلين النشطاء الصلبين وليس في مستطاع مناضلون لايؤمنون بالثورة التامة أن يفوا بهذه المهمة وكما أن شعب البجا مدعو أن يصبح حاكماً لأرضه بمعنى حراً في التصرف في موارده وتنميتها وتطويرها وسوف يسعى أعداء الثورة وأذيالهم لعرقلة مهماتنا التاريخية علينا أن نخوض نضالاً لإنجاح وتحقيق الثورة التامة يجب علينا أن نعلم بأن ثورة التاسع والعشرون من يناير رغم جميع أخطاءها أعظم حركة ثورية في القرن الواحد والعشرون .. وعلينا أن نقدر شأنها التاريخي ومهما كانت تضحيات الثورة فادحة فإن هذه التضحيات تعودها أهمية ثورة التاسع والعشرون (بالنسبة للثورة التامة ) .
منذ الأيام الأولى .. من التحول من النضال المدني إلى الكفاح الثوري … وتبعاً لمقتضيات التطور الإجتماعي المشروعة ناضل مؤتمر البحا فقط لتعجيل الثورة التامة .
وقد تم إنجاز وبفضل الله كل مهمات ((الثورة )) … في مرحلة التكوين … ولأسباب فشل التنظيم في مرحلة الإنتقال من مرحلة التطبيق إلى مرحلة الثورة التامة وإن الظروف التي يعانيها مؤتمر البجا الآن صعبة إلى حد … أنه لم يكن بإمكان تحديد من أين يبدأ للقيام بالمهمة إذا واجه مشكلات معقدة تتمثل في قيادته الغير مؤمنة بالثورة التامة وليس بمقدورها أن تعي بذلك … نسبة لمستواها السياسي والثقافي المتواضع المحدود .. ورغم ذلك … أن جزء كبير من جماهير شعبنا يلومون حزبنا لوماً شديداً على خطه السياسي .. بعد إتفاق سلام الشرق .
علينا العمل بكل الوسائل على خلق .. أرضية مناسبة للإستفادة من الصحوة التي تحققت بفضل إنتقال شعبنا إلى الثورة في مراحل ( تقترب من مرحلة الثورة التامة ) ولم يكن لنا سبيل آخر غير الإعتماد على أعضاء حزبنا الحقيقيون … الحقيقيون فقط .
إن مصائب عديدة سوف تظهر لنا ونحن في هذه المرحلة الهامة في مسيرة الثورة .. فعلامه نعتمد، وكيف ؟
علينا بتوطيد قاعدة ثورتنا حتى تغدو كالصخر صلابة حتى يتم تحطيم سائر الهجمات المعادية تحطيماً تاماً سواء كانت آتية من أعداء الثورة الحقيقيون أو التقليديون .
إن شعبنا الآن في غمرة النضال البارع الذي خاضه إستجابة لنداء الثورة وقد أحدث تغيرات يمكن أن يستفاد منها لتحقيق الثورة التامة يجب أن نستفيد من .. المآثر والمعجزات التي صاحبت مرحلة التكوين الأولى والتي لم يكن بمقدورنا تصورها في الماضي حتى في الخيال وإن المحتوى الأساسي للثورة التامة هو إزالة أو طرد ( المستعمر) بحيث يكون شعب البجا حراً في التصرف في موارده والتي هي في ارضه دون رقابة … وليس بصورة شكلية كما هو الحال ، ومحتواها الأساسي ( حياة الشعب ) أي تحسين أحوال الشعب المادية والثقافية تحسيناً منهجياً ولايتم ذلك إلى من خلال تحقيق الثورة التامة .
وعلى شعوب شرق السودان .. دعم شعب البجا في نضاله الثوري المشروع .. وهو الضمان لتوحيد الوطن ، يجب أن نهتم بغرس القيم الثورية وفضح الإنتهازيون من ذات اليمين واليسار والذين يحاولون إخماد الثورة وإفشالها لأجل مكاسبهم الشخصية حتى ممن سميناهم مناضلون في السابق والذين هم الآن يخدمون أعداء الثورة ، إن المرحلة التي نحن فيها الآن ( مرحلة التطبيق) ليست المرحلة النهائية التي نجني فيها (أهدافنا العليا ) إنما هي مرحلة تمهيدية على طريق الثورة التامة .
هي المرحلة التي يجب أن نعي فيها ماينبغي علينا عمله لتعجيل الثورة التامة … ولايتم ذلك إلا بمعالجة الواقع الذي نحن فيه بعد التحليل المتعمق لمعطياته ومن ثم أعادة صياغتها بعد إختيار المؤشرات والركائز التي سوف تتم على أساسها هذه الصياغة
إن معالجة الواقع يحتاج لتحليل متعمق لمعطياته ومن ثم إعادة صياغتها واختيار المؤشرات التي سوف تتم علي أساسها هذه الصياغة .
أن الأيمان المطلق بحتمية الثورة التامة مؤشر بل في الواقع ركيزة لا تستطيع أعادة الصياغة أن تغفلها ولايستقيم الواقع إلا إذا آمن شعب البجا بحتمية ( الثورة التامة)… وهي مرحلة النصر … المرحلة التي سوف يكون فيها شعب البجا حرا في التصرف في موارده وحرا في تنميتها وتطويرها وكما لايمكن أن تستطع أعادة الصياغة أن تغفل موضوع آخر نعم مؤشر بل ركيزة أساسية وهي (الأيمان بالوحدة البجاوية وإيجاد مدخل لها) .
أن التشرزم والتشتت والذي اصبح سمة من سمات شعب البجا في واقعنا اليوم ،لايمكن أن يستقيم إلا إذا آمن هذا الشعب بأن الوحدة البجاوية ضرورة تاريخية لا يستقيم الواقع دون تحقيقها .
لقد كان الهدف الرئيسي من وراء تكوين جبهة الشرق (جبهة ألا فريب )بكياناتها الوهمية استهداف للوحدة البجاوية ومحاولة تفتيت شعب البجا وتشتيته لأن الجبهة غير متجانسة في حد ذاتها ومشتتة الهوية بين إرتريا والسودان وأمرار هذا الشعب في (أنابيبها) يعني أنة سوف يخرج مشابها لها وعلي شاكلتها وكما أن هذه الجبهة تحت إدارة الاستخبارات الإرترية مما يعني احتمالية أن يصبح هذا الشعب طاغية (أليس الطاغية يصنع شعبة علي شاكلته ؟…).
كما لابد من إيجاد مدخل لهذه الوحدة ولا يتحقق هذا إلا بعد دراسة مجتمعنا بل دراسة المظاهر الاجتماعية والاقتصادية والأنثروبولوجية الثقافية وأخذها في الاعتبار .
إذن يجب أن يؤمن شعب البجا بحتمية الثورة التامة وعلية ان يتوحد ….. وان يغدو كالصخر صلاباً.
علينا أن نضع في الاعتبار بعض النظريات والأفكار التي قد تساعد بدرجة ما لتحقيق تلكم الركائز لارتباطها بخصائص المؤشرات وسوف نوضح بعض منها في هذا المقال .
********
أن عوامل تكون العقيدة عند الإنسان كثيرة وفي أي مجتمع نجد ان عامل معين من هذه العوامل اكثر فاعلية من غيره …………
********
أن الثقافة لا تتيح للإنسان التكيف مع بيئته فحسب بل تتيح له إمكانية تكييف هذه البيئة لحاجاته ومشروعاته ………….
********
أن الثقافة تجعل إمكانية تغيير السلوك البشري … بل فكره …………
********
أن التغيير الذي تحدثة الثقافة اقل كلفة واقوي تأثيرا وابقي علي المدى الطويل *****
العرقية المركزية (مصطلح فني تقني للتعبير عن رؤى معينة للأشياء تقول أن الجماعة التي تنتمي إليها هي مركز الأشياء كلها وأن الجماعات الثانية تقاس وتقوم مقياسا إليها وان كل جماعة تغذي كبريائها وتزعم أنها الأفضل ********
( علاقات الهيمنة الثقافية ) أن المجموعات الخاضعة اجتماعيا ليست مجردة من الموارد الثقافية الخاصة بها لاسيما قدرتها علي أعادة تأويل الانتاجات الثقافية التي تعرض نفسها عليها إلى حد، ما لايعني العودة إلى تأكيد أن المجموعات كلها متساوية وان ثقافاتها متكافئة
********
أن الهيمنة الثقافية لاتكون أبدا شاملة ولا تتحقق بشكل نهائي وهي تترافق دائما بعمل تلقيني لاتكون اثارة دائما وحيدة الجانب
********
أن التعرض للهيمنة لايعني دائما القبول بها
يجب أن نأخذ كل هذه الأفكار في الاعتبار وعلي شعرائنا ومبدعيننا وفنانينا وفرقنا الموسيقية والمسرحية والأندية الثقافية والاجتماعية أن يعوا أن دورهم التاريخي أصبح اكثر أهمية لطبيعة المرحلة .
كما أن هنالك مؤشرات ثانوية لايمكن إعادة صياغة الواقع إن تغفلها كما سنبين ذلك في مقالاتنا اللاحقة