د. فيصل عوض حسن
وفقاً لسونا في 14 أكتوبر 2017، أكَّد (الأفعى) عوض الجاز مُساعد البشير، سعيهم لتطوير مشروع الرهد الزراعي، كـ(شراكة) زراعية (مع الصين) تنتهي إلى صناعية، مُوضِّحاً اتفاقهم على زراعة 50 ألف فدَّان بالفول و50 ألف بالقطن و50 ألف بزهرة الشمس، وأنَّ إنتاج الفدَّان من الفول سيصل إلى 40 جوالاً! وفي الوقت الذي أكَّد فيه وكيل وزارة الرَّي التزام وزارته، بحل مُشكلة الرَّي (خلال ثلاثة أيَّام)، أعرب مُدير المشروع عن سعيهم لشراكاتٍ مع القطاع الخاص، لـ(تجاوُز) صعوبات نُظُم الري و(تأهيل) بنياته!
المُتأمِّل في هذه التصريحات يجدها مُختلَّة ومُتناقضة/مُتقاطعة تماماً، وتُثير عدداً من الاستفاهامات المنطقية لعلَّ أبرزها، ما هي الأُسُس والمعايير التي تمَّ الاستناد عليها في تحديد هذه الإنتاجيَّة (40 جَوَّال/الفدان)، والمشروع شبه مُتوقِّف بعَثَرَات المُتأسلمين المُتعمَّدة، التي أوضحتها في مقالاتٍ عديدة، آخرها مقالتي (اَلْصِّيْنُ تَلْتَهِمُ اَلْسُّوْدَاْنْ)! وإذا كان مُمكناً مُعالجة مشاكل نُظُم الري في ثلاثة أيَّام، وفقاً لإقرار وكيل وزارة الرَّي أعلاه، فلماذا تُرِكَت المشاكل لتستفحل وتُعطِّل المشروع والمُزارعين طيلة هذه المُدَّة؟ وما الدَّاعي لإدخال القطاع الخاص، والمُشكلة أصلاً محلولة (وفي أقلَّ من أُسبوع كمان)؟! ثُمَّ كيف يُخَصْخِصُوْن مشروعاً (خِدَمياً/إعاشياً)، أُقِيْمَ أساساً لتحسين دخول ومعيشة صغار المُزارعين، ونجَحَ وحَقَّق أهدافه التي أُنشِئَ لأجلها؟
الرَّاجح أنَّ المُتأسلمين مضغوطين من الصين – دائنهم الأكبر – ويُناورون ويتلاعبون لاقتلاع المشروع وتسليمه للصينيين، بعدما صنعوا أزماته من العدم بما فيها مُشكلة الرَّي، وهو أمرٌ لن يتوقَّف على مشروع الرهد وحده، وسيشمل غيره مما تبقَّى من مُقدَّراتنا، استناداً لبعض المُعطيات/المُؤشِّرات الماثلة. فبالتزامن مع تضليلاتهم عن الانفراج الاقتصادي (قبل وعقب) إعلان رفع العقوبات، تَزَايَدَت تصريحات العصابة عن (القطاع الخاص/الخصخصة) بصورةٍ مُفاجئة ومُتناغمة، تَنُمُّ عن تنسيقٍ مُسبقٍ وأهدافٍ مُحدَّدة! كحديث مُسْتَوْزِرْ التجارة بورشة الصادرات السُّودانيَّة الحاضر والمُستقبل، عن اعتزامهم إيقاف جميع الشركات الحكوميَّة و(فَتْحَ) المجال للقطاع الخاص، وفقاً صحيفة الصحافة في 1 أكتوبر 2017، مع إفادات بعض خُبراء زمن الغَفْلَةِ والانحطاط، وقول أحدهم بأنَّ الشركات الحكومية لم تَدعم الاقتصاد الوطني، وتوصية آخر بتَرْكْ العمليات الإنتاجية للقطاع الخاص، وتَغَافَلهم (عمداً ورُبَّما جهلاً) عن ادِّعاء العصابة الحاكمة تطبيق التحرير الاقتصادي منذ التسعينات! وهناك حديث مُسْتَوْزِر الاستثمار، في ذات ورشة العمل، عن تَعَثُّرِ الزراعة بشقَّيها النَّباتي والحيواني، ومُناداته بتمكين/سيطرة القطاع الخاص، وإغفالِه (السَّافر) لصغار المُنتجين، وحقوقهم الأصيلة في الإنتاج والحياة وتحسين مُستوى المعيشة، ولقد أَفْرَدْتُ تسجيلاً صوتياً تفصيلياً لحديثه المُخل والمُربك، تجدونه في الرابط التالي (https://alrakoba.net/news-action-show-id-287718.htm)!
وهناك أيضاً ما أوْرَدَتْه سونا في 5 أكتوبر 2017، على لسان عبد الرحيم حمدي مُهندِّس تدمير الاقتصاد السُّوداني، الذي أبدى (تَحَسُّرَه) على تدهور زراعة وصناعة القطن، وأكَّد أنَّ أسباب انهياره ما تزال قائمة، (حَصَرَها) في ارتفاع أسعار الكهرباء والرسوم المفروضة على المُزارعين/المُنتجين، والمُنافسة الخارجية لدول (تدعم هذه الصناعة)! وتَنَاسَى هذا (الأفعى) أنَّه السبب الرئيسي لتدمير القطن وقطاعنا الزراعي بكامله، حينما (أصَرَّ) على فرض الجِبَايات/الإتاوات وأسماها (إيرادات)، مُتدثِّراً بـ(التحرير الاقتصادي) منذ بواكير عهدهم المشئوم، ونَالَ المُزارعون نصيباً وافراً من مُمارساته التخريبيَّة/التدميريَّة! وللتذكير، ووفقاً للأدبيات الاقتصاديَّة الرَّصينة، فإنَّ برامج التكيُّف الهيكلي والإصلاح الاقتصادي، اتفقت على أهداف عامَّة كرفع الأداء الاقتصادي الإنتاجي والخِدَمي، وتخفيف تكاليف المُؤسَّسات الحكوميَّة (غير المُجدية) بتحويلها للقطاع الخاص، وتحجيم (الدولة) في تقديم الخدمات العامَّة والإشراف والرقابة. ومن أهمَّ عناصر التعديلات الهيكلية، مع بعض الاستثناءات وفقاً لخصوصية كُلِّ دولة، تحرير أسعار الصرف والسلع/الخدمات وتَرْكِهَا للسُّوق أو قُوَّى العرض والطلب، وإزالة (الدعم والضرائب معاً)، وإيقاف التسعير والتسليم الإجباري للمحاصيل الاستراتيجية، وتطبيق الخصخصة عبر التأجير أو بإدارة المُؤسَّسات العامَّة بأسلوبٍ تجاري وتمويلها ذاتياً، و(إزالة/الحد) من الاحتكار وتوظيف الموارد المحلية وفقاً للميزة النسبية. علماً بأنَّ تحجيم دور الدولة لا يعني (انسحابها) الكامل، ويتحتَّم عليها إحداث الـ(مُواءمة) مع التعديلات الهيكلية، ووضع استراتيجيات/قواعد السوق، وتشجيع القطاع التعاوني وتطوير تشريعات (التسويق والرقابة).
تَعَمَّدتُ تقديم العرض العلمي المُختصر أعلاه، لأثبت (تقاطُع) ما نفَّذه حمدي وعصابته باسم التحرير الاقتصادي، مع مضامين برامج الإصلاح الاقتصادي والتكيُّف الهيكلي، المُقَرَّة/المُعتَمَدَة من صندوق النقد والبنك الدَوْلِيَيْنْ. حيث شرَّدَ المُتأسلمون الآلاف بحجة الخصخصة، وقاموا بالتخلُّص من مُؤسَّساتنا (الناجحة) فقط وبالبيع الكامل، دون الخيارات الأخرى كالمُشاركة أو الإيجار ودون (إشراك) العاملين بتلك المُؤسَّسات، لأنَّ المُتأسلمين اشتروها أو قبضوا عمولات بيعها من المُشتَرِيْنْ! ولم يهتمَّ المُتأسلمون بمبدأ الميزة النسبيَّة، حينما أوقفوا زراعة القطن بالجزيرة رغم تَمَيُّزِنَا بإنتاجه، وزرعوا بدلاً عنه القمح (غير المُوائم) لظروفنا المناخيَّة، فَفَقَدْنَا أسواق القطن وفشلنا في إنتاج القمح! ورَسَّخُوا (للاحتكار) كحالة الاتصالات، بدءاً بسوداتل وانتهاءً بزين، بجانب الاتفاقيَّة الحصريَّة للثروة الحيوانيَّة والغاز وغيرها من صور الاحتكار، دون أي (التزاماتٍ) أو (ضماناتٍ) لحماية المُستهلك، أو المُساهمة في تحسين الاقتصاد الوطني والدخل القومي! وفَرَضَ المُتأسلمون الضرائب الباهظة ورفعوا الدعم، و(تَدَخَّلوا) في تحديد أسعار محاصيل الصادر كـ(السمسم والذرة)، ومَنَعُوا المُنتجين من التصرُّف فيها إلا عبرهم، مما انعكس سلباً على الإنتاج والتصدير. وبالتالي، فإنَّ حديث المُتأسلمين المُتزايد عن القطاع الخاص هذه الأيَّام، يُؤكِّد أنَّهم اتَّخذوا (التحرير الاقتصادي) سِتاراً/مُبرِّراً لنهب وتدمير مُقدَّراتنا الوطنيَّة، ويجب مُسَاءَلَتِهِم ومُعاقبتهم على جرائمهم المُمتدَّة والمُوثَّقة في هذا الجانب!
المُحَصِّلة، أنَّ البشير وعصابته مَاضُوْنَ في (تَسْلِيْمْ) ما تبقَّى من مُقدَّراتنا، وسيكون تركيزهم كبيراً على الأراضي/المشروعات الزراعيَّة تحديداً. وبعبارةٍ أُخرى، لن يتوقَّف (التسليم) على مشروع الرهد، وسيمتد ليشمل الجزيرة والسُّوكي وكنانة والنيل الأبيض والمُكابراب، وأعالي نهر عطبرة وطوكر وكردُفان ودارفور، بالإضافة لميناء بورتسودان وغيره، لأنَّها مرهونة ومُبَاعَة للمُغامرين كالصين وأمريكا وأزلامها الموصوفين بأشقَّاء. حَتَّى ثروتنا الحيوانيَّة لن تنجو من التسليم (استمعوا لحديث مُسْتَوْزِر الاستثمار في الرابط أعلاه)، بخلاف الأراضي المُحتلَّة هنا وهناك (حالتي مصر وإثيوبيا). وأمَّا حديثهم عن القطاع الخاص، واستعانتهم ببعض الموصوفين برأسماليَّة وطنيَّة، فيفضحه (تجاهلهم) الكامل للمُنتِج الصغير/المُزارع البسيط أو الدولة، وتعتيمهم على جميع الاتفاقات وعدم إعلان تفاصيلها، وتوضيح ما يعود على البلد وأهلها، فضلاً عَمَّا أوردناه من عرضٍ علميٍ مُختصر لمضامين التحرير الاقتصادي أعلاه!
بالنسبة لقائمة الشركات/المُؤسَّسات التي هَلَّل الإعلام الإسْلَامَوِي بفك حظرها، فغالبيتها تَلاشَت/بِيْعَتْ وليس للسُّودان نصيبٌ فيها، بما يُؤكِّد أنَّ (الأشقَّاء) الذين طَالبوا برفع العقوبات، ووافقتهم أمريكا، سَعُوا لمصالحهم المُتمثِّلة في مُقدَّراتنا التي نَالُوها بالتواطؤ مع المُتأسلمين، وهو أمرٌ فَصَّلْتُه في تسجيلٍ صوتيٍ وافٍ قبل إعلان قرار رفع العقوبات (www.hurriyatsudan.com/?p=229478 )! علماً بأنَّ القرار الأمريكي الأخير، عبارة عن إلغاء أوامر (تنفيذية رئاسيَّة) لكلٍ من الرئيس كلينتون عام 1997 وخَلَفِه جورج بوش (الإبن) 2006، ويسمح هذا القرار فقط باستئناف التحويلات المصرفيَّة والتبادُل التجاري بين السُّودان وأمريكا، والمُستفيد الأكبر سيكون الآخرين خصماً علينا، لضعف صادراتنا إنْ لم تكن معدومة! كما أنَّ هذا القرار لا يُزيل السُّودان من لائحة الدول الرَّاعية للإرهاب، لأنَّها عقوبات الكونغرس ولا تُلغَى بأوامرٍ (رئاسيَّةٍ/تنفيذيَّة)، مع بقاء عقوبات مجلس الأمن المُتعلِّقة بدارفور، وهذه هي المُرتبطة/المُتَحَكِّمَة بالديون الميسَّرة والمِنَحْ التنمويَّة، بما يُؤكِّد حديثي السابق بأنَّ رفع العقوبات سيستفيد منه فقط المالكون الجُدُد للسُّودان!
ليتنا كشعب مُهدَّد بالتلاشي ننتبه لفِخَاخ المُتأسلمين ونَتَلَافَى إلهاءاتهم المُتزايدة، كالفضيحة الديبلوماسيَّة أو صائد العذارى، ومُؤخَّراً الإذاعة السُّودانيَّة ذات النمط الغربي، أو تغيير البطاقة القوميَّة (أم شريحتين)! وأتمنَّى من مُزارعي الرهد عدم تصديق أكاذيب المُتأسلمين واستحضار مُمارساتهم لتحطيم المشروع، وليتَّعظوا بما حدث لأهلنا المناصير وأهلنا بستيت وعطبرة، وليُدافعوا عن أراضيهم وحقوقهم (الأصيلة) في الإنتاج وتحسين مُستواهم المعيشي. وفي ذات السياق، أتمنَّى أن يتذكَّر أهلنا بالجزيرة أكذوبة النفرة، التي ادَّعى فيها (إيلا) جمع 210 مليار، والتزم البشير بدفع أربعة أضعافها ورقصا سَوِيَّةً بقاعة الصداقة، ثُمَّ في أقلَّ من أُسبوع مَنَحَ (إيلا) نفسه 800 فدَّان من أرض المشروع للصينيين، ارتفعت لـ(400) ألف ثُمَّ إلى مليون، بما يُؤكِّد اعتزامهم التهام المشروع كاملاً! لكما أُحذِّر أهلنا ببقية المناطق الزراعيَّة والرَعَوِيَّة خصوصاً، لعدم الوقوع في فِخَاخ الكيزان وتصديق أكاذيبهم، والانتباه لأي شبر من أراضيهم مهما كان، لأنَّ البشير وعصابته مضغوطين من سادتهم الخارجيين، ولا يتوانون عن تسليم أي شئ لينجون بذواتهم! وأقول لبعض رموز المال المُتحالفين مع المُتأسلمين، بأنَّ هؤلاء المأفونين سيهربون للبلاد التي يحملون جوازاتها، وسيتركونكم في مُواجهة السُّودان بأكمله، وحينها لن تنفعكم الأعذار ولا التبريرات! وهذا ينطبق على الذين يَدَّعون أنَّهم (أشقِّاؤنا)، خاصَّةً الإمارات والسُّعوديَّة، فالشقيق لا يصعد على جماجم شقيقه ولا يبني سعادته وأطماعه على حطامه، ونحن لن ننسى تحالفكم مع البشير وعصابته، وطعناتكم الغادرة ونهبكم لمُقدَّراتنا الوطنيَّة، وسنُحاسبكم ونُلاحقكم دولياً وإقليمياً وسنقتلع حقوقنا منكم عاجلاً أم آجلاً.
نحن كسُّودانيين، لا نحتاج إثبات (كَذِب) المُتأسلمين، لأنَّهم جُبِلُوا على الكَذِبِ والغَدرِ والخيانةِ منذ المهد، ولكننا نحتاج لأفعالٍ (حقيقية) تُعجِّل باقتلاعهم، فالأمر يفوق بكثير بيع مُؤسَّسة أو مشروع، ليطال استقلالنا وبقائنا كدولةٍ وشعب.