غلاسكو – صوت الهامش
اتهم الباحث في العلاقات الدولية وحقوق الإنسان، كيرت ميلز، مجلس الأمن الدولي بالتقاعس عن أداء مهامه وبازدواجية المعايير وبالصمت إزاء انتهاكات حقوق الإنسان حول العالم، على نحو يعزز ظاهرة الإفلات من العقاب ويشجع على انتشار انتهاكات تصل إلى حد جرائم الحرب والإبادات الجماعية.
وفي تقرير، نشرته مجلة (كيبول مغازين) الاسكتلندية، استند الباحث في اتهامه إلى اجتماع مجلس الأمن في الـ 12 من ديسمبر الماضي حيث رفعت المدعية العامة للمحكمة الجنائية الدولية فاتو بنسودا، تقريرها إلى المجلس حول الوضع في دارفور، وحول جهود المحكمة لإحضار المسؤولين عما شهده الإقليم من فظائع لساحة العدالة ومن ثمّ مساءلتهم عما اقترفوه من جرائم.
ونوه الباحث عن أن هذه كانت المرة الـ 26 التي يرفع فيها المدعي العام للمحكمة (بنسودا وسَلفها) مثل هذا التقرير في نفس الشأن إلى ذات المجلس.
ورصد التقرير ردود فعل الدول الأعضاء في المجلس على تقرير بنسودا، مشيرًا إلى أن رد الفعل الأبرز تمّثل في رفض هذه الدول إلقاء القبض على الرئيس عمر البشير لدى زيارته لأراضيها؛ رغم ما يمثله ذلك من خرْق لالتزاماتها بموجب نظام روما الأساسي وعدم تعاون مع قرارات الجنائية الدولية.
ورأى الباحث أن هذه الجلسة، التي استغرقت نحو 110 دقيقة في مجلس الأمن، تكشف جُبنًا وازدواجية وغياب للقيم الأخلاقية من جانب الدول المتصدرة للقوى العالمية التي من المفترض أنها اجتمعت في مؤسسة دولية تضطلع بأكثر الوظائف أهمية وهي تحقيق السلام والاستقرار الدولي، وما يترتب عليه من وقْف أخطر الانتهاكات التي تتعرض لها حقوق الإنسان.
ونبّه ميلز، إلى أن هذه الجلسة لم تشهد نقاشا بين ممثلي الدول المشاركة، وإنما كان تجميعا عشوائيا لعدد من البيانات.
ولفت صاحب التقرير إلى أن المدعية العامة بنسودا بدأت حديثها بتكرار طلب إلى مجلس الأمن بدعم الجنائية الدولية والعمل على إنفاذ قراراتها الخاصة بالمسائل التي أحالها إليها المجلس، مشيرة إلى أن المجلس قد فشل في اتخاذ خطوات في العديد من مواقف عدم الامتثال لقرارات المحكمة والتي تعّد انتهاكا لنظام روما الأساسي.
ورصد ميلز بيانات الأطراف المشاركة في الجلسة؛ ومنها: المملكة المتحدة، التي من المفترض أنها تقود النضال العالمي في مضمار حقوق الإنسان، وقد فشلت المملكة حتى في تأكيد أن المجلس كان ينبغي أن يعقد نقاشا حول كيفية معالجة إخفاقات جليّة فيما يتعلق بحماية حقوق الإنسان ودعم قرارات مجلس الأمن.
أما الولايات المتحدة، فقد بدأت بيانها بالإشارة إلى أن أكثر من 300 ألف إنسان لقوا مصرعهم وأن 7ر4 مليون آخرين تضرروا، وأن مليوني إنسان يعايشون الآن التشرد الداخلي؛ قائلة بضرورة الوقوف إلى جانب الضحايا وإحضار المشتبه بهم إلى العدالة .
غير أن كل ذلك كان بصوت سلبي دون تقديم مقترحات محددة؛ وفيما لا يمكن وصفه بغير “قمة الازدواجية”، شددت الولايات المتحدة على موقفها أنها مُستثناة من تحقيقات الجنائية الدولية بشأن أفغانستان؛ مع استخدام لغة غامضة في التعبير عن دعم تحقيقات الجنائية الدولية في دارفور.
وهذه روسيا، وقد وبخّت المدعية العامة بنسودا على عدم الإشارة بوضوح في تقريرها إلى ما تراه (روسيا) تطورات إيجابية في دارفور؛ مدعمة وجهة النظر التي تقول إن البشير يتمتع بحصانة كونه رئيس دولة.
أما الصين فقد أدلت ببيان موجز، دعت فيه المجتمع الدولي إلى الاحترام الكامل لقيادات الحكومات، وأن السيادة القضائية للسودان ينبغي احترامها، وأنه ينبغي احترام وجهة نظر الاتحاد الأفريقي وحكومة السودان بشأن ما يتمتع به البشير من حصانة كونه رئيس دولة؛ ولم تشر الصين إلى ما شهده إقليم دارفور من فظائع.
ومن جانبها، انتقدت إثيوبيا كلا من مجلس الأمن والجنائية الدولية على ملاحقتهما رئيس دولة؛ داعية المجلس إلى تعليق إجراءات محاكمة البشير وإلى سحْب الإحالة من الجنائية الدولية.
وكان السودان، الذي هو غير عضو بالمجلس، صاحب الكلمة الأخيرة في هذه الجلسة؛ وقد اتهم الجنائية الدولية بالتآمر لأبعد مدى من أجل تمديد نطاق الحرب في دارفور وتفتيت الدولة السودانية.
وعلّق صاحب التقرير قائلا إن الجلسة لم تشهد غضْبة للأخلاق على المنصة، ولم تشهد دعوات لعقاب الدول التي لم تفِ بالتزاماتها الدولية، ولم تشهد الجلسة مطالبة واحدة بخطاب قوي – لم تشهد أيا من ذلك.
واعتبر الباحث، أن الجلسة لم تكن سوى فرصة سنحتْ أمام المجلس للحديث عن الوضع في دارفور بحضور الـ 15 عضوا الأقوى في العالم والذين لم يتحدثوا عما يجب اتخاذه من خطوات إزاء تحدّي العديد من الدول لإرادة مجلس الأمن وعدم الوفاء بالتزاماتهم القانونية الدولية، تاركين قاتلا جماعيا (البشير) يغدو ويروح بحرّية تامة – والأدهى من ذلك أن يؤتى مَن يمثل هذا القاتل في المجلس فرصة الكلمة الختامية في الجلسة.
وشدد صاحب التقرير على أن أعظم القوانين في العالم تغدو بلا قيمة إذا هي لم تجد مؤسسات قادرة تدعمها وتساندها – وتشير هذه الجلسة بوضوح إلى أن مؤسساتنا الدولية لا تضطلع بهذا الدور المنوط بها من دعم ومساندة القوانين.