الخرطوم : صوت الهامش
نشر موقع (نوبة ريبورتس) الإخباري، تقريرا للكاتب توم رودز، عن معاناة أقلية المسيحيين، أشخاصا ومؤسسات، في السودان.
ورصد الكاتب تعرّض مجمّع كنيسة المسيح السودانية للهدم بالجرّافات في يوم الأحد 77 مايو المنصرم؛ وكانت الكنيسة هي الأخيرة المتبقية في منطقة سوبا الأراضي، إحدى الضواحي الفقيرة للعاصمة الخرطوم؛ وكانت تلك الضاحية قبل 6 أعوام تضم 13 كنيسة هدّمتها جميعا الحكومة السودانية.
يقول قسّ الكنيسة، إلياس عبد الرحيم، “الآن نحن نتجمع في فناء الكنيسة للصلاة، لأننا نخشى أن تسقط بقايا المبنى فوق رؤوسنا”.
ومن جانبها تنكر حكومة السودان أن تكون الكنيسة استُهدفت لأنها كيان مسيحي؛ وأوضحت في بيان لها أن الكنيسة أقيمت على أرض مخصصة لاستخدام سكنيّ، وأنها جاءت بين 25 مبنى آخر شملها قرارُ الهدم في يونيو 2016، بدعوى أنها جميعا مبانٍ أقيمت على أرض مخصصة لأغراض أخرى.
لكن القس عبد الرحيم يقول إن الكنيسة أقيمت في البداية على قطعة أرض فضاء عام 19866، وأن القائمين عليها يحاولون منذ ذلك الحين تقنين أوضاع الكنيسة.
وعلى الرغم من إقرار القانون السوداني بالتنوع الديني، إلا أن واقع الأقلية المسيحية في البلاد مختلف تماما؛ ويقول مهند نور، وهو محام عادة ما يترافع في قضايا تتعلق بمسيحيين، إن “المسيحية ليست محل ترحيب في السودان، إنني كل أسبوع أسمع عن قضية جديدة لاضطهاد مسيحيين، لا يمكن تخيل كيف تعمل هذه الحكومة أحيانا حيث يتعرض حقوقيون ومسيحيون وغيرهم للحبس دونما أي اعتبار للعواقب”.
وينبه نور، الذي يمثل الكنيسة المتهدمة، إلى أن عددا من المساجد في منطقة سوبا الأراضي حصلت على شهادات تسجيل عقاري بخلاف الكنيسة رغم طول فترة تشييدها.
وفي ذات الصدد، أكد أريستايد نونونسي، الخبير المستقل لدى الأمم المتحدة بشأن حقوق الإنسان في السودان، في بيان صحفي، أن السودان يحتاج إلى العمل بشكل أكثر جدية لحماية حرية العبادة، قائلا “أشير هنا إلى تدمير الكنائس وأماكن العبادة على أيدي (قوات الأمن) التي تُستخدم أيضا لتخويف واعتقال وتوقيف رجال الدين المسيحي”.
وزاد استهداف الكنائس والمسيحيين غداة حصول جنوب السودان على الاستقلال عام 2011؛ فمنذ انفصال جنوب السودان ذي الأغلبية المسيحية، شهد الدعم المؤسسي والحماية اللازمة للمسحيين الباقين في السودان نقصًا في مواجهة تغوّل سلطات الدولة.
وفي أبريل 2013، أعلن وزير الإرشاد والأوقاف أنه لن تصدر تراخيص لبناء كنائس جديدة في السودان، مشيرًا إلى نقصٍ في التعداد السكاني في جنوب السودان؛ وبعد عامين آخرين، شددت الحكومة العقوبات المفروضة على الردة والتجديف.
وليست المباني فقط هي التي تُستهدف، وإنما الأشخاص أيضا؛ فقد لقي يونان عبد الله، وهو قسّ في إحدى كنائس الخرطوم، مصرعه عندما هاجمت جماعة مسلحة المدرسة الإنجيلية في السودان؛ وبحسب مصادر محلية، فإن عبد الله اندفع لنجدة المدرسة في مواجهة تلك الجماعة المسلحة لكنه تلقى طعنة على يد أحد المهاجمين.
كما قضى القسّ حسن عبد الرحيم تاور، من جبال النوبة، 17 شهرا في سجن كوبر الشهير بالخرطوم بعد إدانته في اتهامات بمخالفة الدستور والتجسس ونشر أكاذيب؛ ومن بين الاتهامات التي واجهها القس عبد الرحيم، ارتباطه بأحد عمال الإغاثة والذي كان يُجري حوارات مع مسيحيين في جبال النوبة؛ عامل الإغاثة هذا هو “بيرت جاسيك” من جمهورية التشيك، وقد تم اعتقاله أيضا؛ المدهش في الأمر أن القس عبد الرحيم صدر بحقه عفوٌ من الرئيس عمر البشير،جنبا إلى جنب مع مسيحي آخر ناشط من إقليم دارفور في 11 مايو المنصرم، وقد صدر هذا العفو بعد أيام معدودة (4 أيام) من هدم كنيسة سوبا الأراضي؛ ومن المستبعد أن يكون تزامن توقيت الإفراج عنهما من قبيل الصدفة؛ ولربما كان ذلك محاولة للحيلولة دون مزيد من العناوين السلبية ضد معاملة الحكومة للأقلية المسيحية.
ويتعارض تزايد اضطهاد المسيحيين مع مبادرة الحكومة للحوار الوطني في أكتوبر الماضي والتي صممت ظاهريا لإنهاء صراعات السودان الداخلية، وقد اختتم المشاركون في المؤتمر-والذين ضموا ممثلين عن الحكومة وبعض أطياف المعارضة- أعمال المؤتمر بإصدار وثيقة وطنية أكدت على التنوع الديني وحرية العبادة وإنهاء التمييز على أساس الدين في السودان.
لكن القس عبد الرحيم ليس مقتنعا، حيث يقول: “هذا وقت عصيب بالنسبة لنا، حتى مع إطلاق سراحنا من السجن مؤخرا، إلا أننا لم نزل غير أحرار”.