بروكسل: صوت الهامش
انتقدت باربار لوخبيهلر، عضو مجلس الاتحاد الأوروبي، سياسة الاتحاد الخاصة بالهجرة، قائلة إن تلك السياسة تهدف بالأساس إلى الحيلولة دون الدخول غير القانوني إلى دول الاتحاد، غير أنه في الوقت ذاته لا توجد طرق قانونية متاحة لهذا الدخول.
ولفتت لوخبيهلر -في مقال نشرته مجلة (إيه بيه توداي)- إلى أن أوروبا في سبيل ضمان عدم دخول اللاجئين والمهاجرين إليها فإنها تبرم اتفاقيات و”صفقات” مع دول يأتي منها المهاجرون أو يمرون عبرها، كما تقدم تمويلات إلى مخيمات اللاجئين في تلك البلاد.
ورأت الكاتبة أن تقييم تلك السياسة يحتاج إلى الإجابة على سؤالين: هل تتماشى سياسات الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء مع التزاماتهم الدولية؟ وكيف يتفق ذلك مع الهدف المتمثل في مكافحة أسباب الهجرة؟
وركزت لوخبيهلر على السودان كشريك في سياسة أوروبا إزاء اللاجئين، قائلة إنه منذ قمة الاتحاد الأوروبي وأفريقيا في فاليتا (مالطا) في نوفمبر 2015 وحكومات الاتحاد الأوروبي تعتبر السودان شريكا هاما في هذا الصدد، لا سيما وأنه يضم 2ر3 مليون مشرّدا داخليا إضافة إلى استضافته الكثير من لاجئي ومهاجري الدول المجاورة كإثيوبيا وإريتريا، حيث يعتبر السودان مقصدا بالنسبة للكثير من هؤلاء المهاجرين فيما يمثل ممّرا لمهاجرين يقصدون الشمال أو دولة مُصّدرة لهؤلاء المهاجرين.
ونوهت الكاتبة عن أن السودان هي الدولة الوحيدة التي رئيسها مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية حيث صدر بحقه قرار توقيف في 2009 و2010 بتهمة ارتكاب جرائم حرب وإبادة وجرائم ضد الإنسانية أثناء النزاع المسلح في إقليم دارفور؛ وفي سياق هذا الصراع أصدرت الجنائية الدولية عددا من قرارات التوقيف بحق قيادات سودانية أخرى غير أن الحكومة رفضت التعاون مع المحكمة.
ونبهت لوخبيهلر إلى انعزال نظام البشير دوليا، وحتى اليوم لا يزال هنالك حظر قائم على التسلح، وبسبب الانتهاكات السافرة لحقوق الإنسان في السودان فقد علقت الحكومة الألمانية مساعدات إنمائية مطلع التسعينيات، وقد أعلنت برلين في 2014 أنه لا يوجد مبرر لاستئناف تقديم المساعدات الإنمائية للسودان.
ورصدت الكاتبة دخول الملايين من اليورو إلى السودان في الوقت الحالي، من ألمانيا ومن المفوضية الأوروبية؛ وعلى الرغم من أن الحكومة في الخرطوم لا تتلقى تلك الأموال بشكل مباشر، إلا أنه لا يزال من غير الواضح بشكل تام كيفية ضمان ألا يتحكم القائمون على السلطة في البلاد في مَن ينتفع من تلك الأموال.
ونوهت لوخبيهلر عن أنه بسبب تردّي أوضاع حقوق الإنسان، فقد عينت الأمم المتحدة مبعوثا خاصا بالسودان بين 14 دولة أخرى؛ وجدير بالذكر أن تلك الأوضاع قائمة في السودان منذ عام 1993، حيث يسقط المدنيون ضحايا للقتل والاغتصاب والاختطاف؛ ولا مجال لنجاح أية محاولات من جانب السلطات لتحسين الوضع الأمني طالما كانت أسباب الصراع قائمة.
ونبهت الكاتبة إلى أن ثمة 6ر2 مليون نسمة نازحين يعيشون في إقليم دارفور، فيما يعتمد نحو 3 ملايين على المعونات الإنسانية في الإقليم، ويصل العدد في إجمالي السودان إلى 6 ملايين نسمة؛ وتؤكد تقارير صادرة عن المفوضية الأوروبية للمساعدات الإنسانية والحماية المدنية (إيكو) صعوبة الوصول إلى هؤلاء المحتاجين في تلك المناطق لا سيما في مناطق الأزمة الثلاث: دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وأكدت لوخبيهلر أن حقوق الحرية تعاني تقييدا شديدا في السودان حيث جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني معروف بالانتهاكات، كما تشير تقارير منظمة العدل الدولية إلى عمليات توقيف تعسفية وحالات تعذيب، كما يتمتع أعضاء جهاز الأمن والمخابرات بحصانة من العقاب على جرائمهم؛ وفي سياق انتخابات عام 2015، صودرت العديد من الجرائد، وتم حظر العديد من المنظمات الأهلية وتم حلّ العديد من الاتحادات؛ ومع نهاية 2016 تم اعتقال العشرات من الناشطين على خلفية تظاهرات ضد تدابير تقشف فرضتها الحكومة.
ورصدت الكاتبة تخوف الكثير من الحقوقيين من أن يؤدي تركيز الاتحاد الأوروبي بقوة على التعاون حول السيطرة على الحدود والأمن – أن يؤدي هذا إلى إضعاف موقف الاتحاد بخصوص مراقبة حقوق الإنسان؛ ويبدو أن الحكومة السودانية لاحظت ما حدث في دول أخرى كـتركيا حيث كانت رسالة الاتحاد الأوروبي مفادها أن الدول التي ستتعاون على صعيد السيطرة على الهجرة يمكن أن تتوقع الكثير من الأموال والقليل من الانتقادات؛ سيكون الأمر خطيرا بالنسبة للسودان إذا ما أغمض الاتحاد الأوروبي عينيه عن الأوضاع المتردية لحقوق الإنسان في البلاد.
ونوهت صاحبة المقال عن سوء نظام اللجوء السوداني الذي لا يشهد تحسنا، فمن الصعب تخيل أن تدابير اللجوء التي تتفق مع المعايير الدولية سوف تُطبّق في المستقبل القريب؛ إن اللاجئين الإريتريين في السودان يضطرون إلى العيش داخل مخيمات تفتقر إلى الرؤية ولا يمكن حصولهم إلى دعم إلا وهم في المخيمات؛ وحتى في المدن ليس ثمة فرص للحصول على وظائف حيث الوضع الاقتصادي متردي للغاية في السودان؛ علاوة على ذلك ثمة عمليات توقيف متواترة وتقارير عن سوء المعاملة وعمليات ترحيل غير قانونية للاجئين والمهاجرين في أنحاء البلاد – وهذا هو السبب وراء رغبة الكثيرين في الهجرة.
وقد أقيمت بعض صناديق التمويل من جانب الاتحاد الأوروبي بهدف تحسين المساعدة الفورية وتقديم الحماية للاجئين والمهاجرين في كثير من المخيمات بالسودان لا سيما في الشرق منه؛ كما يرغب الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء في دعم السيطرة الأمنية السودانية على طول الحدود مع إريتريا وإثيوبيا.
وقالت الكاتبة إنه في سياق برنامج “إدارة أفضل للهجرة” الممول من جانب الاتحاد الأوروبي، سيتم تدريب قوات حرس حدود وتجهيزها بالعتاد تحت إشراف المؤسسة الألمانية للتعاون الدولي؛ وتساءلت صاحبة المقال لوخبيهلر عمّن يريد الاتحاد الأوروبي تدريبهم؟ وكيف سيضمن عدم استفادة جهاز المخابرات والأمن الوطني والميليشيات الإجرامية من هذا التدريب؟ وماذا عن آليات مراقبة حقوق الإنسان في البلاد؟ إن أحدا لا يعرف الإجابة على تلك الأسئلة حتى أولئك القائمين على تنفيذ البرنامج في السودان؛ غير أنه قد تم التأكيد مرارا على أنه لن يكون هنالك تعاون مباشر مع الحكومة السودانية وأن تلك التدابير سيتم تنفيذها بواسطة منظمات دولية، فضلا عن اتخاذ الضمانات اللازمة.
ورأت لوخبيهلر أن دعم الاتحاد الأوروبي ينبغي أن يستمر فيما يتعلق بتمويل مخيمات اللاجئين والمشردين داخليا بدلا من الإنفاق على السيطرة على الحدود، لا سيما وأن الوضع المتردي في السودان مرشح للتفاقم تزامنا مع حدوث المجاعة في جنوب السودان المجاور؛ وبحسب الأمم المتحدة فإن أكثر من مائة ألف نسمة باتوا عرضة للموت جوعا بفعل الحرب الأهلية الوحشية في البلاد.
ونبهت صاحبة المقال إلى أن الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ملتزمون قانونيا باتفاقيات دولية وبالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان والتي تُلزم باحترام وحماية والوفاء بحقوق الإنسان؛ وفي السودان لا يمكن رؤية تحسّن في أوضاع حقوق الإنسان على نحو يترك تعاون الاتحاد الأوروبي مع حكومة الخرطوم في موضع التساؤل؛ ومن غير الواضح كيف يمكن للنفوذ أن يُبذل في هذا الاتجاه؟ ولا كيف يمكن الحيلولة دون إساءة استخدام التمويلات الأوروبية المقدمة؟ لكن في نفس الوقت فإن الدافع وراء تدخل الاتحاد الأوروبي واضح وهو إنهاء استمرار تدفق اللاجئين والمهاجرين إلى أوروبا.
ورأت الكاتبة أن هذه السياسة حول الهجرة تجعل الاتحاد الأوروبي تابعا كما تقلص من نفوذه فيما يتعلق بمراقبة حقوق الإنسان وهي المشكلة التي يواجهها المدافعون عن حقوق الإنسان في السودان بالفعل؛ ولكن ماذا يعني ذلك بالنسبة للهدف المعلن حول مكافحة أسباب الهجرة؟ إن سياسة الاتحاد الأوروبي الراهنة في السودان لا تتصدى لأسباب الهجرة بل هي ربما تدعمها؛ ومن الواضح أن التركيز على السيطرة على الحدود إنما يهدف إلى منع المهاجرين واللاجئين من التحركات غير القانونية، لكنه لا يساعد في التصدي لأسباب الهجرة .