الخرطوم: صوت الهامش
حذرت (المجموعة السودانية للديمقراطية أولا) من مغبة الإقدام على خصخصة ميناء بورتسودان، راصدة ما يراه الخبراء من عدم جدوى تلك الخطوة اقتصاديًا، ومن أن الموضوع تفوح منه رائحة الفساد لأن الخصخصة عادة ما تستهدف المؤسسات الحكومية الفاشلة، فيما تعتبر موانئ بورتسودان مشروعاً ناجحاً.
ولفتت المجموعة –في تقرير لها تلقت (صوت الهامش) علي نسخه منه ، إلى أن نسبة (60) % من إيرادات الجمارك في السودان تأتي من جمارك البحر الأحمر حيث ميناء بورتسودان.
وشددت على أن الموانئ تعتبر في معظم أنحاء العالم، من المرافق السيادية وبأنها بوابات تُطل على العالم الخارجي مثلها مثل المنافذ الأخرى كالمطارات، لذلك لا يستقيم أن توكل إدارتها لجهة أجنبية.
وحذرت المجموعة من أن ميناء بورتسودان هو مصدر الدخل الرئيسي لعدد غير قليل من مواطني البحر الأحمر خاصة أولئك الذين يعملون في الشحن والتفريغ، لذلك فأن خصخصته ستؤدي إلى فقدان الكثير من الأُسر لمصدر دخلها الوحيد، مما قد يؤدي إلى تشريد حوالي (7000) عامل أساسي وعدد (30.000) عامل غير أساسي.
وقد تثير الخصخصة مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، حيث يؤدي فصل العمال إلى شروعهم في مظاهرات ووقفات احتجاجية بمدينة بورتسودان.
فضلا عن أن خصخصة ميناء بورتسودان كفيلة بإضعاف الرقابة الأمنية على حركة الصادر والوارد مما يقود إلى ازدهار النشاطات المشبوهة عبر الميناء، كتجارة السلاح وتهريب الذهب والمخدرات و تجارة البشر.
ويرى بعض المختصين الأمنيين والاقتصاديين أن فصل الميناء الجنوبي إدارياً عن بقية الموانئ، سوف يتركه عرضة للاستغلال في تهريب السلاح والذهب والمخدرات ، لاسيما بعد أن ضبطت مؤخراً العديد من الحاويات المحملة بالمخدرات، والتي يرجح أن وراءها نافذين في النظام الحاكم.
هذا فضلا عما تساهم به خصخصة الميناء في إضعافه لصالح موانئ أخرى في المنطقة.
وأشار التقرير إلى أن نشاط الخصخصة بميناء بورتسودان ليس بالأمر الجديد؛ حيث أجرت هيئة الموانئ البحرية منذ وقت مبكر بعض المواقع داخل الميناء لبعض الشركات الأجنبية.
إلا أن التحول الكبير حول ملكية وتشغيل موانئ بورتسودان ظهر إلى السطح عام 2013عندما عرضت الهيئة على الشركات العالمية عطاءات تشغيل ميناء الحاويات الجنوبي وفازت بها الشركة العالمية لخدمات محطات الحاويات الفلبينية لمدة ثلاثة أعوام يتم تجديدها لعامين إذا نجحت الشركة في إدارة وتطوير الميناء.
فيما تم تخصيص الميناء الأخضر لشركة سيفتال الجزائرية العالمية في ديسمبر من العام 2014.
وفي عام 2008، ظهرت شركة مواني دبي العالمية في الصورة محاولة الحصول على حقوق إدارة ميناء بورتسودان فأرسلت وفدا من كبار إدارييها ومستشاريها إلى مدينة بورتسودان، بغرض زيارة عدد من مرافق الميناء لدراسة أوضاعه تمهيداً للدخول في شراكة تشغيلية مع هيئة الموانئ البحرية ، وبدأ التفاوض فعلياً في العام 2009، ولكن لم تظهر له أية نتائج ملموسة
وفي العام 2013 قدمت هيئة الموانئ البحرية الدعوة لشركة موانئ دبي للدخول في مناقصة تشغيل ميناء الحاويات الجنوبي، إلا أن الأخيرة اعتذرت عن ذلك.
ثم عادت موانئ دبي مرة أُخرى إلى ساحة الاستثمار في الموانئ السودانية في العام 2016، عندما تقدمت إحدى شركاتها بعرضين لإدارة وتشغيل ميناء بورتسودان، وشّكلت وزارة النقل والطرق والجسور الاتحادية في أكتوبر من العام 2016، لجنة لدراسة هذين العرضين، على أن ترفع تقريرها خلال شهر من تاريخ تشكيلها.
لكن رغم انقضاء الفترة الزمنية الممنوحة لتك اللجنة لإنجاز مهامها، إلا أن الغموض مازال يكتنف توصياتها، بالإضافة إلى التكتم على تفاصيل العرض الذي تقدمت به موانئ دبي العالمية، إلا مما رشح من تفاصيل، والتي أخطرها عدم وجود أي التزامات من جانب موانئ دبي تجاه العاملين في الميناء أو المجتمع المحلي، بحسب ما ذكره عثمان طاهر رئيس النقابة البديلة للعاملين.
مؤخراً، تقدمت خمس شركات أجنبية، ليس من بينها موانئ دبي ، بعطاءات لإدارة ميناء الحاويات الجنوبي بعد أن تم فصله إدارياً عن بقية الموانئ, و تأتي هذه الشركات من السعودية وفرنسا وألمانيا بالإضافة إلى الشركة الفلبينية التي تعمل حالياً في الميناء.
ومن المتوقع، بحسب ما رشح من معلومات، أن يكون العقد الجديد لمدة (20) عاماً وأن يكون عقد امتياز لإدارة وتشغيل الميناء، مما يعني خروج السودان كلياً عن الإدارة والتشغيل.
وأوصت (المجموعة السودانية للديمقراطية أولا) في تقريرها بـ: الضغط على الحكومة للإفصاح عن وتمليك المواطنين المعلومات و تفاصيل العروض التي تقدمت بها الشركات الأجنبية لإدارة الموانئ السودانية، وقرارها حول هذه العروض، وإنهاء حالة التكتم والغموض والتكهنات التي تكتنف هذا الأمر.
والعدول عن التوجهات الاقتصادية التي تسمح بمنح الشركات الأجنبية حق إدارة أي من الموانئ السودانية.
وتطوير ميناء بورتسودان وتحديثه، وتزويده بأحدث الأجهزة والمعدات حتى يواكب حركة التطور في التجارة العالمية، و نظام عمل شركات النقل العالمية التي تعمل بنظام (الترانزيت) عبر الإعتماد على بواخر كبيرة تسمى البواخر الأم التي تقوم بالتفريغ والعودة، ويتم التوزيع عبر بواخر صغيرة أخرى.
والتوسع في إنشاء وتطوير الموانئ الجافة، لأنها تعتبر الوسيلة المثلى للتخفيف من التكدس في الموانئ و تحقيق سرعة التداول، وتوفير المزيد من الأموال.
والعمل على تطوير السكك الحديدية ، باعتبارها أسهل وسيلة نقل، ومّد خطوطها و ربطها بالدول الحبيسة عن البحر خاصة في غرب وشرق أفريقيا (تشاد – السنغال – إثيوبيا – جنوب السودان).
وإيجاد الحلول الناجعة للبيروقراطية الإدارية التي وقفت حجر عثرة في عمليات تطوير الميناء، بسبب أن القرارات الخاصة بالميناء تخضع لإشراف ثلاث جهات هي هيئة الموانئ البحرية و وزارة النقل والطرق والجسور بالإضافة إلى وزارة المالية.
وإشراك مواطني ولاية البحر الأحمر، والعاملين بالميناء ووكلاء التخليص وغرف التوكيلات الملاحية ومنظمات المجتمع المدني في القرارات المتعلقة بتحديث الميناء .
يجب أن لا يكون تحديث وتطوير العمل بالميناء على حساب العمال، خاصة عمال الشحن والتفريغ، كما هو مسلم به حين الحديث عن التطوير والتحديث.
ويعتبر ميناء بورتسودان الذي تم افتتاحه في العام 1909 أكبر مرفأ ببحري بالسودان والميناء الرئيسي للبلاد، وتبلغ سعة الموانئ التي يضمها الميناء (مليون وثلاثمائة الف حاوية في العام) في الوقت الذي تمثل فيه احتياجات السودان (خمسمائة الف حاوية)، الأمر الذي أهَله لأن يكون منفذاً بحرياً مهماً لبعض دول الجوار المغلقة عن البحر مثل إثيوبيا وتشاد ودولة جنوب السودان.