نيويورك : صوت الهامش
نشرت مجلة (فايس) الأمريكية تقريرا للكاتب أوستين بوديتي، حول استخدام الحكومة السودانية مجموعات (كتائب) قرصنة إلكترونية “مُريبة” لمراقبة المعارضة وقمع الحريات تحت مظلة اصطياد أنصار تنظيم “داعش” الإرهابي.
وقال بوديتي، إن ضباط الاستخبارات في الخرطوم يمتلكون مقدرة متميزة تساعدهم في التصدي للدواعش عبر اختراق محادثات “الواتس آب” والتوصل إلى المتعاطفين مع التنظيم الإرهابي عبر وسائل الإعلام الاجتماعي؛ ونتيجة لهذا النشاط ضد داعش، أعلنت وزارة الخزانة الأمريكية في يناير الماضي أنها تتوقع رفع العقوبات عن السودان الذي كان على قائمة الدول الراعية للإرهاب؛ لكن عددا من المسئولين الأمريكيين أقروا بأن الخرطوم، تحت مظلة مكافحة الإرهاب، تراقب المعارضين وتقمع حرية التعبير معتمدة في جانب من ذلك على مجموعة (كتيبة) قرصنة إلكترونية تسمى “الجهاد الإلكتروني”.
ونوه الكاتب عن أنه بينما كان السودان يصارع الفساد والفقر والكساد المتضخم، كانت حكومته في المقابل تصارع العُزلة على ساحة المجتمع الدولي عبر الاستثمار في بنيتها التحتية الخاصة بالاتصالات السلكية واللاسلكية؛ وتضمنت تلك الاستثمارات شراء تقنيات المراقبة، وقد ازدهرت شركات الهواتف أمثال “إم تي إن سودان” و”سوداني وان” و”زين سودان” على مدى السنوات العشر الماضية، وقد استضاف السودان نظام (اتصالات) قوي منذ عام 1996 لدى تقديم الحكومة السودانية خدمة الهاتف النقال عبر المدن الرئيسية، طبقا لـ”كتاب حقائق العالم”.
لكن التوسع في استخدام تقنية الاتصالات بالسودان خدم أيضا في تضييق خناق قبضة الحكومة السودانية على حرية التعبير؛ ذلك أن مجموعة “الجهاد الإلكتروني” -المدعومة من الحكومة والتي هي أيضا وحدة تابعة لجهاز الأمن والمخابرات الوطني- توظف الرقابة على الحواسيب وشبكات الإنترنت والهواتف النقالة لتضييق الخناق على المعارضة العسكرية والسياسية للرئيس السوداني عمر البشير الذي يحكم البلاد منذ عام 1989.
“ولابد أن يأتي استخدام طرق المراقبة الالكترونية الحديثة متماشيا مع طريقة حكومة البشير تاريخيا في مراقبة المعارضة المتصوَرة لديها والتي لا تقتصر على الأحزاب المعارضة ولكنها تضم أيضا مجموعات طلابية ومنظمات حقوقية ونسوية وأي قيادي صريح بالمجتمع المدني – جميع هؤلاء يتم تعقبهم واختراق حساباتهم وتسجيل أنشطتهم” – بحسب “ستيف ماكدونالد” المسئول السابق بالخارجية الأمريكية وزميل مركز ويلسون الدولي للأبحاث والمتخصص في النزاعات الأفريقية.
وعاد كاتب التقرير بالأذهان إلى حقبة الثمانينيات من القرن الماضي، حينما جنّد الإسلامويون السودانيون طلابًا متخصصين في العلوم التطبيقية والهندسة والطب بهدف الإطاحة بحكومة البلاد الديمقراطية، بحسب ما ورد في كتاب “شبكات المعرفة في السودان: الهوية، التنقلية والتقنية”.
وبحسب الكاتب، فقد عمد الطلاب الذين تعهدوا آنذاك بالانضمام للـ”جهاد الإلكتروني” ضد النظام العلماني المدني – عمدوا إلى تقديم المعلومات الاستخباراتية للضباط الإسلامويين في القوات المسلحة السودانية عندما قاموا بانقلاب عسكري عام 1989، وفي حقبة التسعينيات انضم هؤلاء الطلاب إلى جهاز الأمن والمخابرات الوطني كـوحدة “جهاد إلكترونية” تحت الديكتاتورية العسكرية الإسلاموية الجديدة.
ونقل الكاتب “بوديتي” عن معارضين سودانيين القول إن مجموعة القرصنة الإلكترونية استمرت في دعم القوات المسلحة السودانية في عمليات ضد أعداء عسكريين وساسيين متصوَرين من جانب الدولة، وفي مراقبة “حركة العدالة والمساواة السودانية” و”حركة/جيش تحرير السودان في دارفور” و”الحركة/الجيش الشعبي لتحرير السودان – شمال” في النيل الأزرق وجبال النوبة قرب حدود جنوب السودان؛ ويؤكد قادة من حركة العدالة والمساواة السودانية أن مجموعة “الجهاد الإلكتروني” تسجل مكالمات المعارضة وتتبع مواقعها وتمد القائمين على الطائرات الحربية بتلك المعلومات لكي تشن غاراتها. (وقد قامت المجلة في هذا ا لسياق بالعديد من المحاولات للاتصال بالحكومة في الخرطوم لكنها لم تتلق أي ردّ).
“إن مدراء كافة شركات الاتصالات العامة هم من جهاز الأمن والمخابرات الوطني، ومن ثمّ فهم يراقبون ويتجسسون على الناس نيابة عن الحكومة”- بحسب آدم عيسى أبكر، القيادي في حركة العدالة والمساواة؛ وفي عام 2015، أمرت الحكومة السودانية شركات الهواتف بالتنصت على الخطوط في دارفور.
ورأى الكاتب أنه بعد أن دشنت الحكومة الأمريكية نظامها الجديد للمراقبة الجماعية عبر أفريقيا، وبينما الأنظمة الديكتاتورية من إثيوبيا إلى غامبيا تدشن أنظمتها البوليسية الإلكترونية، فإن السودان قد يقدم نموذجا آخر للمعيار الجديد لخصوصية البيانات والثقافة الأمنية في القارة.
واختتم الكاتب قائلا “إذا أراد المعارضون في السودان الإفلات من مراقبة الحكومة لهم قبل أن تضع الحرب الأهلية السودانية الثالثة أوزارها، فهم مضطرون إلى الاعتماد على تكتيكات جديدة…. حتى الآن، (حكومة) الخرطوم هي صاحبة اليد العليا في المعركة بين الديمقراطية والديكتاتورية”.