الخرطوم _ صوت الهامش
نشر موقع أفريكا ريبورت تقريرا حول المعوقات التي تعترض طريق السودان صوب الديمقراطية.
واستهل التقرير -الذي اطلعت عليه صوت الهامش- بالقول إنه في الـ 26 من يناير 2023 عاقبت وزارة الخزانة الأمريكية كيانات على صلة بمجموعة فاغنر الروسية للمرتزقة.
وضمّت القائمة كيانات في جمهورية أفريقيا الوسطى والإمارات العربية المتحدة. على أن القائمة ذاتها تجاهلت حلفاء رئيسيين لمجموعة فاغنر في المنطقة: وتحديدا قوة الدعم السريع وقائدها محمد حمدان دقلو الشهير باسم حميدتي.
وقد رصدت تقارير أنشطة شراكة بين قوات الدعم السريع ومجموعة فاغنر وما أثمرته هذه الشراكة من تكديس احتياطي من الذهب السوداني في البنك المركزي الروسي، والذي كانت تحتاجه موسكو بشكل ماسّ في أعقاب اجتياحها أوكرانيا.
ومن ذلك ما نشرته شبكة سي إن إن، بتهريب الذهب عبر ما لا يقل عن 16 طائرة روسية من السودان إلى روسيا في غضون عام واحد.
وقد هيّأت مجموعة فاغنر زيارة رسمية قام بها حميدتي إلى موسكو عشية يوم اجتياح أوكرانيا، حينما أعلن حميدتي دعم العدوان الروسي قائلا إن “العالم كله يجب أن يقرّ بحق روسيا في الدفاع عن شعبها”.
فاغنر ليست غريبة على السودان
إن وجود مجموعة فاغنر في السودان سابق لحديث التقارير الإعلامية عنه.
وفي 21 مارس 2021 في الخرطوم، أدان القائم بالأعمال الأمريكية ومبعوثون من المملكة المتحدة والنرويج وجود مجموعة فاغنر وعملياتها في السودان، لا سيما الخاصة بالبحث عن الذهب.
وقد رأت الحكومة الأمريكية آنذاك أن تغض الطرف عن وجود مجموعة فاغنر في السودان لأسباب منها حداثة توقيع اتفاق إطاري لإنهاء انقلاب 2021 والذي وضع بدوره نهاية للانتقال الديمقراطي في السودان بعد سقوط نظام البشير في أبريل 2019.
وقد لعبت قوة الدعم السريع دورا أساسيا في تنفيذ هذا الانقلاب.
وكعضو في المجموعة الرباعية، التي تضم المملكة المتحدة والسعودية والإمارات والولايات المتحدة، لعبت الأخيرة دورا رئيسيا -إن لم يكن الدور الأبرز- في إبرام الاتفاق الإطاري.
على أن هذا الاتفاق أراح الجيش السوداني وقوات الدعم السريع من الإجابة عن أسئلة تتعلق بالسلطة المدنية المستقبلية. كما منح (الاتفاق) قوات الدعم السريع استقلالية عن الجيش .
وقد أدى هذا بدوره إلى مزيد من التفتت في جبهة القوى المؤيدة للديمقراطية وحركة الاحتجاجات الشعبية، والتي رفضت أصوات عديدة منها هذا الاتفاق.
تهديدات تكتنف طريق السودان صوب الديمقراطية
تهدد ثلاثة كيانات رئيسية مسار السودان إلى الديمقراطية. هذه الكيانات هي: قوة الدعم السريع؛ وفلول نظام البشير؛ والمجلس العسكري الحاكم حاليا في السودان.
وتجمع بين الكيانات الثلاثة مصالح مشتركة، تتمثل في حرص كل كيان على ما يحظى به من نفوذ، والإبقاء على قبضته على السلطة، وتجاوُز التغيرات السياسية التي أعقبت ثورة ديسمبر 2018.
وتمثل هذه المصالح الوجودية أهمية بالنسبة لتلك الكيانات الثلاثة تتجاوز ما عداها من مصالح ومخاطر.
وقد تواطأت قوة الدعم السريع مع فلول نظام البشير والمجلس العسكري الحاكم في التخطيط لانقلاب 2021 وتنفيذه.
وكانت هذه الكيانات الثلاثة هي نفسها الأحزاب الرئيسية التي قام عليها نظام البشير. ولا يمكن وصفها إلا بأنها “قوى نكوص” أو رجوع، لا سيما بعد دورها في انقلاب 2021.
ولم تدّخر هذه القوى جهدا في تخريب المسار الانتقالي للسودان صوب الديمقراطية؛ بدءا من مجزرة فضّ اعتصام القيادة العامة في الـ 3 من يونيو 2019، وختاما بالانقلاب في الـ 25 من أكتوبر 2021.
أكبر تهديد
يرى المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير أن الإسلامويين يمثلون التهديد الأكبر للسودان على طريق انتقاله للديمقراطية.
وتقوم تلك الرؤية على أحداث مستجَدة فضلا عن مواقف سياسية وأيديولوجية قديمة.
وتحظى جماعات الإسلام السياسي في السودان بنفوذ على المجلس العسكري الحاكم حاليا؛ ذلك بسبب التحالف بين الجيش والإسلاميين الذي ظل يحكم السودان منذ انقلاب 1989، قبل وقت طويل من ظهور قوة الدعم السريع في عام 2013.
وقد دفعت هذه الرؤية بدورها قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي إلى الدخول في تحالف سياسي غير متوقع مع المكون الثالث من معادلة القوة في السودان – وهو قوة الدعم السريع التي تعدّ خصما رئيسيا للإسلامويين.
هذا التحالف السياسي قام على تشكيله جماعة من الوسطاء السياسيين من داخل المجلس المركزي في قوى الحرية والتغيير، ممن لا يرون إشكالية في سيادة “نظام ميليشيوي سياسي” طالما أن ذلك يحافظ على مصالحهم السياسية.
وسرعان ما نما هذا التحالف بين قوى الحرية والتغيير وقوة الدعم السريع، حتى أصبح ظاهرا بجلاء في دعم حميدتي كل الخطوات التي يتخذها المجلس المركزي بقوى الحرية والتغيير.
وفي مقابل هذا الدعم السياسي من قوة الدعم السريع، قدّمت قوى الحرية والتغيير -المجلس المركزي دعما لحميدتي في حملة تستهدف تحسين صورته عبر وسائل الإعلام وفي الخطابات الجماهيرية.
شخصية حقوق الإنسان للعام 2022
وجاء اختيار مفوضية حقوق الإنسان في السودان لحميدتي كشخصية للعام 2022، بعد يوم واحد من توقيع الاتفاق الإطاري، تتويجا لجهود حملة تحسين صورة جنرال الدعم السريع وتقديمه كشريك مناصر للديمقراطية.
وتجدر الإشارة ها هنا إلى أن المفوّض الذي منح حميدتي لقب شخصية حقوق الإنسان للعام 2022 هو مرشّح قوى الحرية والتغيير للوزارة قبل الانقلاب.
هل يمكن التعويل على حميدتي؟
إن ما تفعله قوى الحرية والتغيير-المجلس المركزي الآن هو بمثابة تربية فهد بأحد المنازل من أجل القضاء على فأرة.
إن الاعتماد على حميدتي في التخلص من الإسلامويين، يشبه تربية وحش فتيّ وضارٍ وطموح من أجل القضاء على آخَر عجوز ومهزوم بالفعل.
إن تغذية المخاطر في المستقبل في سبيل التخلص من أشباح الماضي هي خطأ كبير سندفع ثمنه غاليا من استقرار السودان مستقبلا.
وقد عكف حميدتي بعد التوقيع على الاتفاق الإطاري، على تعزيز موقفه سياسيا واقتصاديا وإقليميا ودبلوماسيا – من تدخُّل في التشاد والنيجر ومالي وجمهورية أفريقيا الوسطى إلى تدشين علاقات تجارية وعسكرية معلنة وسرية مع مجموعة فاغنر الروسية.
قوة الجماهير
إن استخدام قوى الأمر الواقع كبديل لقوة الحشود الجماهيرية لن تسهّل عملية الانتقال الديمقراطي في السودان؛ بل إنها لن تؤدي إلا إلى خفْض سقف هذا الانتقال لمصلحة ما فرضه انقلاب 2021 بقوة السلاح.
إن فيما تقدّم لم نقُل إن أساليب التفاوض أو إن الحل السياسي غير صحيح، وإنما أردنا الإشارة إلى خطأ سياسي كارثي يتمثل في محاولة الاستعانة بأطراف في الانقلاب ضد أطرافه الأخرى.
وإذا كانت قوى الديمقراطية قد اختارت مسار التفاوض، فينبغي أن تفعل ذلك من موقف القوة، لا الضعف.
ومنبع القوة هو حشود الجماهير التي انتصرت في ثورة ديسمبر 2018 ومثابرة هذه الحشود على تحقيق أهدافها حتى الآن.
أما إقصاء قوة الجماهير من المعادلة فلن يثمر إلا عن إضفاء شرعية على مكاسب الانقلابيين من انقلابهم.