لندن : صوت الهامش
نشرت هيئة الإذاعة البريطانية (الـبي بي سي) تقريرا للكاتبة يسرا الباقر، حول الشعراء السودانيين الشباب وكيف يُحيون تراث أمتهم من أدب المقاومة في مواجهة الرقابة الحكومية وفي سبيل هوية السودان المتنازَعة.
ونوهت الباقر عن حرص نظام الرئيس عمر البشير على إحكام قبضته الخانقة على إعلام السودان ومؤسساته الثقافية، وكيف يحاول هذا النظام طمس آثار مشهد شعري كان مزدهرا واستبداله بمسابقات تنظمها الدولة ومطبوعات تنشرها؛ وكيف بات الوجود المكثف لقوات الشرطة في العاصمة الخرطوم حائلا دون تنظيم ندوات شعرية كانت شائعة الانعقاد في الماضي في شوارع وسط الخرطوم أو في الطرق الظليلة بمخيمات الجامعة.
ولفتت الكاتبة إلى جماعة “ناس ويز نوتباد” الشعرية التي استطاعت أن توجد لنفسها مكانا؛ وقد تأسست منصّة الشعر المنطوق هذه قبل خمس سنوات معتمدة على توجيه الدعوات عبر القوائم البريدية وبذلك قدمت مسرحا بعيدا عن أذرع الرقابة واقتحامات الشرطة؛ “ناس ويزن وتباد” منصة للتعبير الحر، يجد فيها الشعراء العرب والإنجليز فضاءً مفتوحا أو “ميكروفون مفتوح” على حد تعبير الشاعرة سارة الحسن.
وقد استطاعت منصة “ناس ويز نوتباد” النجاة من حملات وتهديدات من جانب جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني الذي يحظى بحق فضّ أية تجمعات عامة؛ بل ونجحت في تحقيق شهرة حول العالم عندما نشرت أحد الفيديوهات لأداء شعري لـسارة الحسن بالعربية والإنجليزية عام 2014.
ونبهت الباقر إلى أن الأداء الشعري الذي تقدمه تلك المنصة أحيا في الأذهان تاريخ السودان من الشعر المنطوق الذي كان يُغنى في ميادين القتال تأكيدا على الهوية، ومن ذلك مثال الفنانة الشاعرة عائشة الفلاتية التي ذهبت إلى الميدان لدعم الجنود السودانيين في قتال دول المحور تحت الحكم البريطاني مدفوعين بالأمل في الاستقلال.
وكما كان الشعر يُستخدم في الماضي في تنبيه الوجدان الوطني، فها هو الآن يُستخدم عبر شعراء سودانيون شباب للنضال في سبيل الهوية الوطنية المتنازعة في ظل حملة التعريب التي يقودها نظام الرئيس البشير والتي صبغت المشهد الاجتماعي وهيمنت على المشهد الثقافي في الأمة الشرق أفريقية.
وفي ظل صراع الهويات هذا بين الأفريقية والعربية والإسلامية، عمد العديد من الشعراء السودانيين إلى التدرّع بتراث أدب المقاومة – ومن هؤلاء “الصادق الرضي” الذي رمى به النظام السوداني إلى السجن قبل أن يهاجر إلى لندن حيث تم تتويجه كأحد أفضل الشعراء الأفارقة المعاصرين؛ ومن هؤلاء الشعراء أيضا “صفية الحلو” السودانية الأمريكية التي تطوف الولايات المتحدة بأشعارها للتعريف بالوطن (السودان)؛ ومنهم كذلك الشاعرة “امتثال محمود” الأمريكية المولودة في دارفور الفائزة عام 2015 بمسابقة الـ(صلام) للشعر العالمي الفردي بقصيدة “ماما” المُهداة إلى والدتها وفيها تصف الشاعرة كيف فروا جميعا من قريتهم المحترقة في السودان.
ورصدت الكاتبة إقدام منتجين سودانيين شباب على إعادة توزيع أغاني “الحقيبة” ، التي كانت سائدة في حقبة العشرينيات من القرن الماضي كأغان لمقاومة الاستعمار، وقد نشر هؤلاء المنتجون تلك الأغاني في ثوبها الجديد وقد لاقت رواجا جماهيريا كبيرا على الـساوند كلاود.
واختتمت الباقر قائلة “على غرار ما كان الجنود السودانيون يرددون أغاني المقاومة الشعبية ضد القوى الأجنبية في الماضي، فإن شباب السودان اليوم يعيدون إنتاج تك الأغاني في ثوب جديد لمقاومة الرقابة والهيمنة الحكومية مستخدمين من العالم مسرحا لهم”.