الخرطوم – صوت الهامش
نشرت شبكة الجزيرة باللغة الإنجليزية، تقريرا للباحث أحمد حسين آدم، حول الأوضاع في السودان، حذر فيه من انزلاق البلاد إلى مستنقع لا قرار له من الفوضى ما لم يحدث تغيير ديمقراطي سريع وشامل ومنظّم.
وأكد التقرير، الذي تلقته (صوت الهامش؛ ، أن الأزمة السياسية في السودان قد وصلت إلى أسوأ حالاتها منذ الانقلاب العسكري الذي قاده عمر البشير في يونيو 1989.
وأشار إلى أن انهيار الاقتصاد، واستمرار النزاعات المسلحة بين النظام من جهة والحركات المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق من جهة أخرى، والفساد المستوطن، والصراع على السلطة داخل النظام – كل تلك العوامل قد دفعت البلاد إلى نقطة حرجة.
ونبه إلى العوامل المشار إليها -إضافة إلى التظاهرات الشعبية الراهنة احتجاجا على ميزانية 2018 والتي تكتسب زخما عبر السودان- قد خلقت ظروفا ستتمخض عن أحد سيناريوهين اثنين في السودان: تغيير سريع ومنظم؛ أو الانزلاق للفوضى والتمزق.
وحذر من أنه بدون تضافر جهود محلية وإقليمية ودولية لتهيئة تدشين حوار ذي مصداقية يستوعب جميع الأطراف بحيث يقود إلى انتقال سياسي جديد – بدون ذلك سينزلق السودان إلى الفوضى والتمزق.
اقتصاد منهار وميزانية كارثية
رصد التقرير اندلاع تظاهرات شعبية احتجاجا على تدابير التقشف عندما أعلنت الحكومة عن ميزانية 2018 الشهر الماضي والتي وصفها خبراء الاقتصاد والمال بالكارثية حيث تخصص نسبة 75 بالمائة من أموال البلاد للتسليح وتأمين النظام.
هؤلاء الخبراء ليسوا مخطئين؛ لقد جعلت الميزانية الجديدة حياة المواطن العادي السوداني لا تطاق. إن أسعار الحاجات والسلع الأساسية بما فيها الخبز والدواء والوقود والكهرباء – قد وصلت إلى مستويات غير مسبوقة. أما العملة السودانية فتتناقص قيمتها يوما بعد يوم؛ وبينما السعر الرسمي للدولار لا يتجاوز 18 جنيها سودانيا فإنه في السوق السوداء يساوي 42 جنيها.
ما زاد الطين بلة، بحسب التقرير، هو أن البنك المركزي السوداني منهمك في إصدار لوائح جديدة بسرعة مذهلة؛ وبدلا من معالجة الانهيار الجمعي للأسواق التجارية السودانية والعملة القومية والنظام المصرفي – بدلا من ذلك ينحصر رد الحكومة في طبع أوراق مالية جديدة.
وقد علق وزير المالية السوداني الأسبق، عبد الرحيم حمدي، قائلا إن الحكومة تفقد السيطرة على الاقتصاد ويتعين عليها ترك السوق تتولى تحديد قيمة الجنيه، وهو الكفيل، بدوره، بتشجيع الاستثمار الأجنبي وإنعاش اقتصاد البلاد.
موجة جديدة من الاحتجاجات الشعبية تواجَه بحملة قمعية
في الـ 16 من يناير المنصرم، قاد الحزب الشيوعي السوداني تظاهرة سلمية في الخرطوم غداة رفض السلطات طلب الحزب التحرك وتقديم مذكرة تفاهم حول الميزانية الجديدة. وقد التحقت بالتظاهرة مجموعات المعارضة الرئيسية في البلاد إضافة إلى نشطاء الشباب ومواطنين عاديين.
منذ ذلك الحين، خرجت تظاهرات شعبية أخرى، ليس فقط في الخرطوم، بل أيضا في مدن ومناطق أخرى بالسودان، كالأبيّض ونيالا وود مدني وبورتسودان. وأولئك القادة المعارضون الذين واجهوا انتقادات عام 2013 لرفضهم المشاركة في الاحتجاجات يقولون الآن إنهم يخططون لاستمرار هذا الزخم حتى تصير الحشود الجماهيرية من الضخامة بحيث تستطيع إنزال الهزيمة بهذا النظام.
وبحسب التقرير، فإنه ليس مدهشًا، أن يقمع النظام وقوات الأمن المتظاهرين وقادة المعارضة. وحتى الآن، لقي خمسة مدنيين مقتلهم أثناء تظاهرات سلمية، فيما أصيب أكثر من 20 آخرين.
وقامت قوات الأمن السودانية في اليوم الأول من التظاهرات باعتقال عشرات المحتجين وقادة المعارضة والصحفيين بمن فيهم محمد مختار الخطيب، الأمين العام للحزب الشيوعي السوداني.
وقد استطالت قائمة المعتقلين لتضم الصحفية والناشطة أمل هباني ومراسل وكالة فرانس برس عبد المنعم أبو إدريس ونائب زعيم حزب الأمة سارة نجدالله وأمين عام رابطة محاميي دارفور محمد عبد الله الدومة.
وأثناء ثورة 2013، لقي أكثر من 200 متظاهر سلمي مصرعهم، وثمة مخاوف من أن ينزع النظام إلى تنفيذ حملة قمعية وحشية مشابهة لتأمين بقائه ومنع المواطنين من الاحتشاد.
انقسامات وصراعات على السلطة داخل النظام
رأى التقرير أن مظاهر التوترات السياسية لا تنحصر على التظاهرات الشعبية بالسودان؛ فثمة صدع معلوم بين البشير وصديق قديم هو نائبه الأول ورئيس وزرائه الجنرال بكري حسن صالح، وهذا الصدع مستمر في التعمق وسط شائعات بأن صالح هو بديل البشير الذي تزكيه أمريكا ودول الخليج.
وعلى مدار الشهر المنصرم، كتبت العديد من الصحف السودانية تقول إن وزير الخارجية إبراهيم الغندور تقدم باستقالته للبشير، شاكيا من تدخلات في حقيبته الوزارية؛ غير أنه سحب استقالته بعد أحاديث عن تدخلات من بعض القيادات بالحكومة.
وقد أدى استمرار الصراعات على السلطة داخل الحكومة إلى تشجيع عناصر من الحرس القديم للنظام على معاودة الدخول في اللعبة السياسية من جهات مختلفة؛ فهذا علي عثمان طه، النائب السابق للرئيس، ينتوي مساعدة البشير في الفوز بانتخابات 2020، وذلك نافع علي نافع، مؤسس جهاز الأمن والمخابرات ومساعد الرئيس سابقا، يشكل تحالفات مع بكري للحيلولة دون عودة البشير (وطه) إلى السلطة عام 2020.
وفي محاولته لتهيئة الأرضية لإعادة انتخابه عام 2020، قام البشير في الـ 11 من فبراير الجاري بإعادة تعيين شخصية طموحة مثيرة للجدل والاختلاف من حرسه القديم، هو الجنرال صلاح عبد الله (المعروف باسم قوش))، مديرا لجهاز الأمن والمخابرات. ويتحمس قوش لإعادة انتخاب البشير عام 2020.
وقد أزيح قوش من ذات المنصب عام 2009، وفي 2012 تم اعتقاله بين 13 آخرين على خلفية مزاعم بالضلوع في التخطيط لانقلاب ضد النظام؛ لكن تم إطلاق سراحه في 2013.
وفي عام 2006، وضعت هيئة من الخبراء تابعة للأمم المتحدة حول دارفور اسم قوش في قائمة تضم 17 شخصا متورطين في ارتكاب فظائع في دارفور. ويشتهر قوش بأنه مهندس التعاون بين جهاز المخابرات والأمن السوداني والمخابرات الأمريكية (السي آي أيه) لاسيما إبان إدارة بوش مطلع الألفية.
مَن بإمكانه أن ينقذ السودان؟
للأسف، وكالعادة، بحسب التقرير، تتسم الاستجابات الإقليمية والدولية للحملة القمعية الراهنة واعتقال جموع المتظاهرين السلميين – تتسم بالبطء والحذر.
لقد فشل نظام البشير في القيام بإصلاحات حتى تلك التي كان قد تعهد بها في حواره الوطني – ولا يزال الصحفيون السودانيون قيد الاستهداف، ولا تزال ميليشيات البشير، من أمثال “جيشه الشخصي”، أو قوات الدعم السريع – لا تزال طليقة الأيدي في إفلات من المساءلة.
وبحسب التقرير حتي الآن، تخلو جعبة النظام من أي حلّ للاقتصاد المنهار والميزانية الكارثية اللذين يضعان عبئا لا يمكن احتماله على كاهل الشعب السوداني. ومن الواضح أن أولى أولويات البشير تتمثل في البقاء في السلطة بأي ثمن.
أما الجيش السوداني، الذي كان ذات يوم بمثابة الموحِّد لأطياف الشعب، فلم يعد ممكنًا اليوم التعويلُ على هذا الجيش في إقرار السلام والاستقرار بالبلاد.
وأكد التقرير أن السودان لا يمكنه الاستمرار على تلك الحال حتى انتخابات 2020؛ إن نظام البشير سيستمر في استخدام الجيش والميليشيات لتأمين بقائه. وقد يستغل البشير مشاركة قوات الدعم السريع بحرب اليمن في مساومة السعودية والإمارات على إنقاذ اقتصاده.
ولكن أيا من تلك التكتيكات لا يقدم حلا دائما لمشكلات السودان.
ولفت التقرير إلى أن محادثات السلام بين الحكومة السودانية و”الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال” برعاية الاتحاد الأفريقي في أديس أبابا والتي انعقدت في وقت سابق من الشهر الجاري للتوصل لاتفاق على صعيد وقف الأعمال العدائية أو وصول المساعدات الإنسانية إلى جنوب كردفان والنيل الأزرق – هذه المحادثات قد فشلت في التوصل إلى أي شيء.
وعلى الرغم من أن البشير مطلوب من المحكمة الجنائية الدولية على خلفية ضلوعه في جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وعملية إبادة في دارفور، إلا أن الولايات المتحدة في ظل إدارة أوباما رحبت بتقارب مع السودان للتعاون على صعيد مكافحة الإرهاب والهجرة. وفي ظل إدارة ترامب، رفعت واشنطن عقوبات امتدت زهاء 20 عاما عن السودان بهدف استمرار سياسة التقارب التي بدأتها إدارة أوباما.
باختصار، رغم خطورة الوضع، يفتقر المجتمع الدولي إلى استراتيجية موحدة ومتناغمة وعملية لوضع السودان على مسار سياسي واقتصادي أكثر استقرارًا. ويحذر خبراءٌ اقتصاديون أمثال البروفيسور حامد التيجاني الأستاذ بالجامعة الأمريكية في القاهرة من أن الاقتصاد السوداني سينهار تماما في غضون أشهر قليلة ما لم توضع خطة عاجلة لإنقاذه.
ورجح التقرير أن تشهد الأشهر القليلة المقبلة استمرار التظاهرات الشعبية في السودان، لاسيما في ظل اكتساب المعارضة ونشطاء الشباب المزيد من الثقة في قدرتهم على الحشد.
لكن على الرغم من المطالب السودانية بالتغيير، إلا أن التغيير الفوضوي سيكون له تبعات خطيرة على المواطنين والاقتصاد فضلا عن تبعاته على الأمن والسلام الإقليمي والدولي.
وشدد التقرير على أن السيناريو الوحيد الناجع يتمثل في انتقال ديمقراطي ومنظم وشامل وسريع بمعايير واضحة.
وطالب التقرير، اللاعبين الإقليميين والدوليين بأن يدفعوا بسرعة صوب تعيين مبعوث دولي قادر وذي مصداقية بمهمة واضحة هي تيسير حوار وطني يستوعب كافة الأطراف – ولا يوجد طريق آخر أمام السودان لتفادي الانزلاق إلى مستنقع الفوضى والتمزق.
هذا وأكد التقرير يتعين على المجتمع الدولي أن يقلع عن تقاعسه عن الاضطلاع بمسؤولياته الأخلاقية والقانونية – عليه أن يمارس ضغوطا على الحكومة السودانية لكي تطلق سراح كافة المعتقلين السياسيين وتضمن الحريات الأساسية وتحترم القوانين الدولية الخاصة بحقوق الإنسان في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.