تورونتو : صوت الهامش
نشرت الشبكة الدولية لتبادل المعلومات حول حرية التعبير (ايفيكس) تقريرا للصحافي توم رودز “نوبة ريبورت “، أكد فيه أن الحصول على ترخيص رسمي لدخول مناطق الصراع في السودان هو بمثابة تحّد صعب يواجه الصحافيين الأجانب، فيما قرناؤهم من الصحافيين المحليين، ولا سيما القادمين من دارفور، يواجهون ظروفا أكثر صعوبة.
وعاد التقرير بالأذهان إلى سبتمبر الماضي، وإصدار منظمة العفو الدولية تقريرا يزعم أن قوات جوية سودانية نفذت نحو 30 هجمة كيماوية على الأقل في منطقة “جبل مرة” بـإقليم دارفور، حيث لقي نحو 250 شخصا مصرعهم فيما أصيب كثيرون بجروح؛ وقد استنتج اثنان من الخبراء المستقلين في الأسلحة الكيماوية أن الإصابات المبلغ عنها والأعراض تشير إلى هجوم كيماوي.
لكن، تلك المزاعم لا يمكن تأكيدها، أو حتى التحقق من صحتها بشكل مناسب مع استمرار السلطات في إنكار حق الوصول إلى مناطق الصراع داخل السودان على الصحافيين بين آخرين.
ورصد التقرير تصريحا أدلى به سفير السودان لدى الأمم المتحدة، عمر دهب، بأن تلك المزاعم “لا أساس لها وملفقة”، فيما قال أحمد الزبير، الباحث في شئون السودان بمنظمة العفو الدولية، إنه يمكن الكشف عن عناصر كيمائية مستخدمة حال السماح للإعلام المستقل وجهات مستقلة أخرى بدخول “منطقة جبل مرة”.
ونبّه التقرير إلى تصنيف منظمة “مراسلون بلا حدود” للسودان كأحد أسوأ البلاد عالميا في مضمار حرية التعبير، واضعة إياه في المرتبة الـ 174 من أصل 180 لأسباب وجيهة؛ ويظل السودان أحد أصعب الأماكن عالميا للعمل بها أمام الصحافيين المحليين والدوليين على حد سواء، وتلك الصعوبة متعمدة وليست عفوية؛ ويحرص جهاز الأمن والمخابرات الوطني في السودان على ضمان عدم وصول الصحافيين إلى مناطق النزاع بهدف الحفاظ على التعتيم الإعلامي؛ وبحسب الصحافي والمدافع عن حقوق التعبير، عبد القادر محمد، فإنه “ليس من السهل على المراسلين المحليين والأجانب الدخول إلى مناطق الصراع في السودان بدون الحصول على ترخيص من لدن جهاز الأمن والمخابرات الوطني، علاوة على أن المراسلين المحليين محظورون بالقانون من تغطية أحداث مناطق الصراع بدعوى أن ذلك يمثل تهديدا للأمن الوطني”.
وأشار التقرير إلى محاولة كل من الصحافيَين: السوداني داوود هاري، والبريطاني “فيل كوكس”- التحقق في ديسمبر الماضي من صحة مزاعم “العفو الدولية” المتعلقة باستخدام الكيماوي، لكنهما تعرضا للتعذيب عقابا على تلك المحاولة؛ وقصّ الصحافي البريطاني “كوكس” قصةً مروعة عن اعتقال السلطات السودانية لهما لنحو شهرين واستخدامها في استجوابهما أساليب تعذيب شملت الصعق الكهربائي والتعريض للاختناق والتهديد بالقتل؛ ومن جانبه صرّح الملحق الصحافي للسودان بسفارة البلاد في لندن، خالد مبارك، بأن “كوكس” هو “صحفي مستقل بائس ومأجور لتشويه صورة العلاقات المتحسنة بين الغرب والسودان وأنه لم يتقدم بطلب للحصول على تأشيرة لدخول البلاد وإنما فعل ذلك على نحو غير قانوني بمساعدة مهربين”.
لكن الحصول على ترخيص لدخول مناطق الصراع في السودان هو بمثابة تحدّ صعب يواجهه الصحافيون الأجانب؛ وتقول الأمريكية أدريان أوهانيسيان -إحدى الصحافيين القلائل الأجانب الذين تمكنوا من دخول جبل مرة عام 2015- “حكومة السودان تجعل الأمر مستحيلا تقريبا على الصحافيين للعمل من دارفور حيث يعتبر الحصول على أية معلومات من تلك المناطق بمثابة صراع لا ينتهي”.
ويؤكد “كوكس” أن السلطات السودانية نادرا ما تمنح ترخيصا بالدخول إلى دارفور، كما أنها تراقب تحركات الصحافيين عن كثب على نحو يجعل الأمر مستحيلا أن تتحدث إلى السكان المحليين بصراحة أو أن تصوّر أوضاعهم دونما تعريضهم للخطر؛ وفي الماضي، تمكن بعض الصحافيين الأجانب من الدخول عبر السفر مع جماعات معارضة مسلحة دونما تأشيرات حكومية، “أما الآن فإن الحكومة تسيطر على معظم تضاريس المنطقة، ولا يتم السماح لأي صحافي مستقل بدخل منطقة دارفور دونما سيطرة حكومية”.
وتابع التقرير، مؤكدا أن ظروف التغطية الصحافية على المراسلين المحليين ولا سيما القادمين من دارفور – هي أكثر صعوبة؛ ويقول أحمد سليمان، وهو صحافي من دارفور إن السلطات كثفت ضغوطها على صحافيي دارفور بعد إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرة توقيف بحق الرئيس عمر البشير في عام 2009 على خلفية تُهَمٍ موجهة إليه بارتكاب جرائم حرب وإبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية؛ ومنذ ذلك الحين والسلطات السودانية تفترض أن أي صحافي من دارفور أو أي ناشط مدني لابد قد ساهم في عملية التقصي التي استخدمتها المحكمة ضد الرئيس؛ وبحسب سليمان، فإن صحافيين سودانيين يغطون أخبار دارفور قد تعرضوا للتعذيب والتهديد بالإسكات بحيث ظلت العديد من التقارير الصحافية طيّ الكتمان.
ونوّه التقرير عن تعتيم إعلامي مشابه على صراع سوداني آخر في منطقتَي جبال النوبة وولاية النيل الأزرق؛ فعلى الرغم من إسقاط أكثر من 4 آلاف قنبلة على أهداف مدنية منذ عام 2012 في جبال النوبة، فإن عددا قليلا من وسائل الإعلام الدولية يستطيع تغطية الصراع الدائر هنالك بشكل مناسب فيما يشار إلى ذلك عادة باسم “الحرب المنسية”.
ويقول موسى جون، وهو أحد الصحافيين المحليين، إن كون المنطقة نائية وصعوبة دخولها، جنبا إلى جنب مع جهود الحكومة لمنع الصحافيين من تغطية أنباء جبال النوبة – كل ذلك أثر بالسلب على تلك التغطية.
ونبّه التقرير إلى أنه بينما ينص الدستور السوداني بوضوح على تمكين حرية الصحافة، إلا أن قوات الأمن في البلاد تطلق أيديها بلا عقال على الإعلام حيث تتردى أحوال الصحافة من سيء إلى أسوأ؛ وفي الفترة ما بين نوفمبر وديسمبر الماضيين صادر جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني 32 صحيفة مطبوعة مقارنة بإجمالي 33 في الشهور التسعة الأولى من العام.
و”يحظى جهاز الأمن والمخابرات الوطني السوداني بسلطات واسعة بموجب قانون الأمن الوطني 2010، والذي يمنح الجهاز صلاحيات لا محدودة لتقرير ما يشكل تهديدا سياسيا أو اقتصاديا أو اجتماعيا وكيفية التعامل معه” ، بحسب أحمد الزبير، الباحث في شئون السودان بمنظمة العفو الدولية.
واختتم التقرير مستبعدا إمكانية تحسين وصول وسائل الإعلام إلى مناطق الصراع في السودان طالما كانت سلطات جهاز الأمن والمخابرات الوطني مطلقة العنان.
تعليق واحد
إذا كان الهجوم بسلاح ميائى كما تقول، فإنه لن يستثنى أحد، وقد شاهدت ما حدث فى سوريا. فكيف قتل عدد 250 شخصاً يينما جُرِحَ آخرون؟!! أفيدنا أفادك الله. كا إن المصابين الذين زعمتهم، يمكن أيضاً أن يكون دليلاً على صحة أو خطأ ما ذهبت إليه حيث نوع الإصابة تختلف كُل الإختلاف عن أصابات السلاح التقليدى، وأيضاً يكفى الصوره الحى التى نقلت من سوريا عن المصابين والقتلى. أثار السلاح الكميائى لا يمكن تخبئتها مهما كان!!!!!