نيويورك – صوت الهامش
رصد تقرير نشره موقع (أفريقا إز أكانتري) خيبة الآمال التي كانت منعقدة على إلغاء العقوبات على السودان من انتعاشه اقتصاديا واجتماعيا، فلم يكد يمضي شهر على قرار الإلغاء في أكتوبر الماضي، حتى ضرب تضخم حاد الاقتصاد السوداني محدثا ما يشبه الانفجار.
ولفت التقرير، الذي اطلعت عليه (صوت الهامش)، إلى أن العديد من الأسر السودانية لم تعد تتناول غير وجبة غذائية واحدة في اليوم، كما أن الكثيرين يقولون إنهم لم يعد في مقدورهم شراء الأدوية، ما دفعهم إلى النزول إلى الشوارع احتجاجا على هذه الأوضاع.
ونبه التقرير إلى أن هذه الأحوال السياسية والاقتصادية في السودان ليست عَرَضا طارئا وإنما هي قديمة قِدَم وصول التيار الإسلاموي إلى السلطة وما صاحبه من “سياسة التمكين” التي أراد بها السيطرة على كافة موارد البلاد لخدمة أهدافه في الحكم.
وفي منتصف سبعينيات القرن الماضي، فرض الإسلامويون في حكم السودان سياسات صندوق النقد الدولي الخاصة برفع الدعم وتحرير السوق والخصخصة، كما عملوا على فرض الشريعة الإسلامية. وقد أسهمت سياسات صندوق النقد الدولي في إيجاد مناخ من التربّح والفساد أفاد منه الإسلامويون عبر تعزيز أعمالهم التجارية وتكديس أموالهم في البنوك.
وعلى الرغم من الانتفاضة الشعبية عام 1985 ضد سياسات صندوق النقد الدولي وآثاره الاجتماعية وضد تطبيق الشريعة والنظام الإسلاموي إلا أنه عاد بوجهه القبيح إلى السلطة عبر انقلاب عسكري بقيادة البشير عام 1989.
وأكد التقرير أن “سياسة التمكين” إنما هي استمرار لمشروع الإسلامويين الأول الذي بدأ في منتصف السبعينيات؛ حين باعت الحكومة الشركات العامة وصاحبت ذلك البيع والخصخصة عمليات فساد وتربّح استأثرت به أقلية حاكمة على حساب جماهير الشعب السوداني.
ومن العوامل التي أدت إلى تردي الأحوال الاقتصادية بالسودان، بحسب التقرير: “العقوبات الاقتصادية” المفروضة على السودان، والتي أثرت على التطور التكنولوجي والاجتماعي للبلاد؛ وقد حالت القيود المفروضة على السفر دون تبادل الخبرات والمهارات والتعليم والتدريب وأثرت بالسلب على النمو الاقتصادي في السودان.
ومن العوامل أيضا: “مشروع التقشف الخاص بصندوق النقد الدولي”، والذي أسفر عن تراكم الديون وأوقف النمو الاقتصادي وحال دون تحقق الاستقرار السياسي والاجتماعي.
وبحسب التقرير، فإنه إذا كانت سياسة التمكين قد أسست للفساد والمحسوبية في السودان الجديد، فإن سياسات صندوق النقد الدولي قد عززت هذا الواقع وأضفت عليه مشروعية دولية، أما أعباء تحرُّر السوق فقد ناءت بحملها جماهير الشعب السوداني.
وفي كل مرة تعلن حكومة الخرطوم عن تدابير تقشف، فإنها تناشد الشعب بترشيد النفقات وتطالبه بالصبر وتعزي الصعوبات الاقتصادية إلى العقوبات؛ في نفس ذلك الوقت تنفق الحكومة بسخاء على الأمن والسلاح.
كما تعتمد الحكومة على فرض ضرائب مرتفعة وغيرها من وسائل جمع المال من الشعب على نحو يعطل دولاب الإنتاج ويترك المواطن السوداني العادي ضحية.
وأكد التقرير أن إلغاء العقوبات دونما إصلاح سياسي لن يؤدي إلا إلى مزيد من التردي في الأزمة الاقتصادية الراهنة للبلاد. ولو أن قرار إلغاء العقوبات كان مصحوبا بتغيير سياسي صائب لكان ذلك بمثابة فرصة ذهبية لنمو اقتصادي واجتماعي في السودان، ولكان ذلك حريا بتحفيز الاقتصاد وتشجيع آلاف الكوادر السودانية في المنفى منذ عقود على العودة إلى بلدهم والمشاركة في تنميته.
وشدد التقرير على أن الحاجة باتت ماسة كما لم تكن أبدا من قبل إلى إصلاح سياسي رئيسي يعالج فسادا متوطنا ويشجع على المشاركة السياسية والاقتصادية في السودان.
هذا وأكد التقرير إنه في ظل معارضة ضعيفة ومنقسمة تعوزها خطة شاملة لانتقال سياسي، فإن الخيار الوحيد الباقي أمام النشطاء الشبان والحركات الشبابية هو الاستمرار في التظاهر احتجاجا على الأوضاع الكارثية الراهنة في السودان.