الخرطوم:صوت الهامش
ثمة ترّدٍ مريع يشهده الاقتصاد السوداني وتخبط وعشوائية باتت السمة البارزة لدى القطاع الاقتصادي للنظام السوداني لإدارة شئون الدولة.
ولقد صار الوضع الذي يعيشه السودان أشبه بالانهيار في ظل الفوضى التي ضربت قطاعات واسعة من البلاد منها القطاع الاقتصادي والمصرفي.
وعاش القطاع المصرفي غضون الأسابيع الماضية تقلبات واسعة: ووصل الدولار الأمريكي مقابل الجنيه السُوداني لأرقام فلكية لم تكن متوقعة، وتعرض الجنيه السوداني مقابل العُملات الأجنبية لما يشبه الانهيار.
إن الخطوات المتسارعة في سوق النقد الأجنبي وانفلاته انعكس بصورة سلبية على الأسواق التي هي الأخرى شهدت تسجيل السلع الرئيسية والكمالية منها أرقاما خرافية أدخلت الرعب في قلوب المواطنين خاصةً العمال وذوي الدخل المحدود الذين فشلوا في مجاراة تلك الأسعار التي تفوق طاقتهم.
ورغم الفوضى التي ضربت سوق النقد الأجنبي إلا أن الحكومة وجدت انتقادات واسعة لعدم تحركها لوقف المضاربات كما كثر الحديث عن غياب التعليق الحكومي.
الحلول الإسعافية
ربما لم تجد الحكومة مخرجاً من أزمتها الإقتصادية سوى اللجوء إلي بيع الأصول والمرافق الهامة لتغطية احتياجاتها وتمكنها من إدارة شئون البلاد وتوفير الموارد الاقتصادية وضخ كميات من النقد الأجنبي.
وفي سبيل تحقيق ذلك سرت أنباء واسعة عن بيع الحكومة لميناء بورتسودان، المرفق الاقتصادي الهام، عقب فشلها في توفير سيولة لازمة لإدارة مرافقها الهامة، فلم يكن أمام النظام سوى التخلص من الموانئ سواء كان ذلك عن طريق البيع أو الرهن لجهات أجنبية تستطيع أن توفر عملات صعبه تمكنها من أن تمضي نحو تنفيذ سياساتها.
ضبط سوق النقد
وخلافاً للجوء الحكومة لبيع الأصول والمرافق الاقتصادية الهامة لتوفير مبالغ مالية معتبرة وبالنقد الأجنبي، فقد أعلنت الحكومة منتصف الأسبوع الجاري عن اتخاذها إجراءات قانونية وتوجيه تهمة تخريب الاقتصاد الوطني وغسيل الأموال وتمويل الإرهاب للمتعاملين بالنقد الأجنبي وسماسرة العملة بمختلف مستوياتهم والمشتركين في تهريب الذهب والمتهربين من سداد عائدات الصادر.
جاءت تلك الخطوة عقب اجتماع طارئ بالقصر الجمهوري برئاسة الرئيس السوداني عمر البشير، وذلك لبحث إجراءات ضبط سعر الصرف، واتخاذ كافة الإجراءات القانونية فورا ضد المتعاملين بالعملة الأجنبية.
هذه القرارات مُلقى عليها مسؤولية وقف المضاربين في سوق النقد الأجنبي في خطوة أولى نحو استقرار الاقتصاد السُوداني.
وقد تباينت الآراء حول القرارات وما يمكن أن تحدثه من أثر يمكن أن يخرج الاقتصاد السوداني من نكبته وخروجه من نفق الانهيار.
كثيرون قللوا من قدرة تلك القرارات واعتبروها حبراً علي ورق لا ترقى لمستوى معالجة أزمات الاقتصاد المستفحلة.
التخلص من الموانئ
من بين تلك المرافق التي تردد على نطاق واسع رهنها لجهات أجنبية من قبل الحكومة لمواجهة واقع اقتصادها المزري هو ميناء بورتسودان الذي يقع شرقي السودان ، وقد نما إلى علم كثيرين تأجيره إلى جهة ما.
واللافت في الأمر أن القصد من الإيجار توفير سيولة لازمة ونقد أجنبي تفتقده الدولة السودانية. وقال الناشط في قضايا شرق السودان عبد الله موسى في حديثه لـ(صوت الهامش) إنه وفي الغالب هو إيجار طويل المدى تسيطر فيه الشركة على الميناء.
وأضاف موسي “وكما تعلمون فان الميناء المستهدف هو الجنوبي والمخصص للحاويات. وأوقفت الحكومة عبر السنوات القليلة الماضية العمالة المؤقتة وعددها كبير جدا. كما حولت الباقين إلى الميناء الشمالي والذي أصبح يشهد تكدسا في العمالة مما يهدد بموجات تشريد كبرى”.
الخطر الاقتصادي
يحذر مراقبون من أن التخلص من هذا الميناء سيكون له أثر سلبي على الاقتصاد السوداني، كما سيُدخل كثيرين في نفق مظلم يصعب الخروج منه.
هذه الفرضية أكدها عبد الله موسى الذي عاد وقال لـ(صوت الهامش) إن التخلص من هذا الميناء الهام يشكل مهددا اقتصاديا “إذ يضع أهم موانئنا في أيد أجنبية، مما يحرم المواطنين من الاستفادة من الميناء عبر العمل به مباشرة أو من خدماته بشكل غير مباشر، في الوقت الذي تعج فيه البلاد بخيرة الكوادر التي أدارت ويمكن أن تدير أي ميناء”.
وتابع قائلا “ولكنها سياسات الإسلاميين العرجاء التي عاثت فسادًا وأضاعت المقدرات والثروات الوطنية. كما أن وضع هذا الميناء في أيد أجنبية هو مهدد أمني واستراتيجي كبير يجعل كل صادرات وواردات البلاد تحت سيطرة الشركات المشبوهة”.
هذه الرؤية من عبد الله موسى بدت متطابقة مع ما يقوله الخبير الاقتصادي حافظ إبراهيم في حديثه لـ(صوت الهامش) الذي قال إن البيع سوف يؤثر علىً الاقتصاد المحلى لأنه غالبا ما يتم الاستغناء عن عدد كبير من العمالة المحلية.
نفي وتأكيد
ولفت حافظ إبراهيم في حديثه لـ(صوت الهامش) أن وزير النقل نفى تلك الأنباء. إلا أنه قد يكون لا يعلم بالحاصل لأن المؤسسات الكبرى والمرتبطة بالسيادة مثل المطارات والموانئ الأساسية في الدولة لا تباع بشكل كامل، لكن قد تسند إدارة بعض الإدارات فيها إلى شركة خاصة. و يجب أن يتم ذلك عبر عطاءات مفتوحة تُطرح للعامة على نحو ما تقتضيه المصلحة العامةً. أما أن تتم الصفقات بشكل سري في الخفاء، فتلك مشكلة.
كذب في كذب
بدوره قال الدكتور فيصل عوض حسن في حديثه لـ(صوت الهامش) تعليقاً علي رهن ميناء بورتسودان ونفي وزير النقل للأمر – قال فيصل إن نفي الوزير مفاجئ وبلا مقدمات.
وأوضح حسن أنه منذ فترة طويلة ظهر الحديث عن تخصيص ميناء بورتسودان للإمارات، وحديث آخر يقول إن الميناء يتاح أيضاً للإماراتيين، مشيراً إلي أن نفي الوزير لبيع الميناء يعتبر كذبا ونفاقا مثلما يقولون بأنهم وظفوا 700 فرد من جملة ألفين متقدمين لوظائف فيما يعتبر تضليلا واضحا … (واضح إن مكاوي كذاب).
وأضاف حسن أن الحديث عن الميناء ظهر منذ فترة تزيد عن العام وهناك قرار واضح وهو تشكيل لجنة لدراسة عرضين من ميناء دبي لجهة أن القرار يتحدث عن تصويب شروط العقد وصيغته واضحة للعيان.
ولفت حسن إلى أن التضليل والكذب هو الذي يتعامل به النظام كما حدث في زيارة وزير المالية القطري. هذا فضلا عن الحديث الذي أثير عن الوديعة وغيرها. أما الإعلام المنحاز فلم يذكر شيئاً عن الزيارة.
وأضاف قائلاً: (نحن علينا التمسك بالميناء الرئيسي) وزاد:(الكيزان ديل كذابين ما نصدقهم نهائي مثلما غشوا المغتربين المخططات السكنية وباعوا لهم الوهم وطلع الأمر كله كذب ونفاق).
وأشار إلى أن التصريحات التي يصدرها النظام كلها إلهائية لصرف الناس عن مواضيع مهمة مثل الزوبعة التي أثيرت عن سعر الصرف؛ كما أن العوامل التي تؤدي إلى استقرار سعر الصرف هي الإنتاج والتجارة واستقرار الحالة الأمنية والاستقرار الاقتصادي، وهذا الأمر غير موجود فضلاً عن الديون التي تثقل كاهل السودان بجانب رهن المؤسسات وبيعها.
وقال حسن إن (الحل الوحيد ما في زول يخش لا قطريين لاغيرو مبدأ تخصيص الميناء أي كان الميناء الوحيد مرفوض لو غلبك تديرو مفروض تخلي البلد اذا كان ميناء واحد غلبك تطورو قاعدين ليها علي شنو).
جدير بالذكر أن وزير النقل مكاوي عوض أعلن مؤخرا أن الخرطوم اتفقت مع الدوحة على إنشاء أكبر ميناء على ساحل البحر الأحمر، وسط تنامي التعاون بين البلدين في العديد من المجالات الاقتصادية.
وأوضح مكاوي أمام جلسة للبرلمان أن قطر تنوي أيضا تطوير ميناء “بورتسودان” ليكون أكبر ميناء للحاويات بما يخدم السودان وجيرانه.
ووصف مكاوي ما أشيع عن تأجير ميناء بورتسودان لشركة دبي للموانئ بأنه مجرد شائعة، مؤكدا عدم وجود أي رغبة أو مساع لدى الدولة السودانية لتسليم الميناء للشركة الإماراتية سواء بغرض تشغيله أو تأجيره.