الخرطوم : صوت الهامش
نشر مركز موشيه دايان لدراسات الشرق الأوسط وأفريقيا، تقريرا للباحثة إلين روزنهارت، رصدت فيه موقف كلا من السودان وتشاد من الأزمة القطرية وأثر ذلك على العلاقات بين الجارتين الأفريقيتين.
ونوه التقرير –الذي اطلعت عليه (صوت الهامش)- عن أنه ومنذ قرار السعودية والبحرين والإمارات ومصر، قرارًا في يونيو الماضي بقطع العلاقات مع قطر – منذ ذلك الحين ومزيدا من الدول الأخرى تتعرض لضغط لاتخاذ موقف إزاء قضية قطر. ولم تسلم دولٌ أفريقية من الانجذاب لتلك الأزمة، التي تواجه فيها قطر إدانة لعلاقاتها القريبة من إيران فضلا عن اتهامها بدعم الإرهاب.
أحدث الأمثلة في هذا الصدد كانت دولة تشاد، والتي أخذت موقفا قويا ضد قطر؛ ففي الـ 23 من أغسطس المنصرم أعلن وزير الخارجية التشادي حسين إبراهيم طه عن أن تشاد بصدد إغلاق السفارة القطرية في العاصمة نجامينا وأمهلت طاقمها الدبلوماسي مدة عشرة أيام لمغادرة البلاد.
إلى الجوار، اختارت دولة السودان موقف الحياد وحثت الأطراف المعنية بالمصالحة.
وأكد التقرير أن سر تباين قرارَي تشاد والسودان على هذا النحو يكمن في الصراع في إقليم دارفور والحرب الأهلية الحديثة العهد (2005-2010) في تشاد.
وأوضح التقرير أن الرئيسين السوداني، عمر البشير، والتشادي، إدريس ديبي، كلاهما عسكريان واستوليا على السلطة عبر الانقلاب العسكري؛ البشير في 1989 وديبي في ديسمبر 1990.
وقد خطط ديبي لانقلابه من منفاه آنذاك في إقليم دارفور في حصنٍ من أبناء قبيلته الزغاوة وبمساعدةٍ من حكومة البشير وجهازه الأمني. وبعد أن استولى ديبي على السلطة ووطد أركان حكمه، عاد نفر من أفراد قبيلته الزغاوة إلى دارفور وقد اكتسبوا مهارات عسكرية رأوا أن يستخدموها لدى عودتهم ضد حكومة الخرطوم.
وفي يوليو 2001 بدأ الصراع في دارفور عندما تحالف مسلحون مع آخرين وأقسموا على التصدي لسياسات السيادة العربية التي يرسّخ لها نظام الخرطوم، وتمخض الصراع عن مهاجمة قرى دارفورية.
وتميزت حركتان أساسيتان في هذا التحالف المسلح ضد الحكومة السودانية، هما “حركة تحرير السودان” و”حركة العدل والمساواة” .
وضربت حكومة الخرطوم بيد ثقيلة واستخدمت ميليشيا الجنجويد سيئة السمعة لقمع الثورة في 2003 فيما صنفته المحكمة الجنائية الدولية بعد ذلك بأنه عملية إبادة جماعية، ومن ثم أصدرت قرار توقيف بحق البشير عام 2009 حيث اتهم بارتكاب جرائم ضد الإنسانية.
ذلك الوضع في السودان، ترك الرئيس التشادي ديبي في مأزق استراتيجي؛ فهو من جانب لا يرغب في الانحياز لقبيلته، ، لأنه مدين لنظام البشير بمساعدته للوصول للسلطة؛ ومن جانب آخر، سيضعف نفوذه داخل قبيلته إن هو تخلى عنهم.
وكان قرار ديبي الأول أن اختار الانحياز لنظام البشير، مرسلا قواته للمحاربة في دارفور في شهرَي مارس وإبريل 2003 وهو ما دفع ثمنه غاليا على صعيد استقرار بلاده وبقاء نظامه.
ولما جاء موعد استفتاء لتغيير دستوري مقترح، أراد عبره ديبي أن يخوض انتخابات لفترة ثالثة وأن يمسك بزمام البرلمان في قبضته – حينها لم يكن الكثير من التشاديون مرحبين بتلك الخطوة؛ وقد اتخذ عددٌ من أفراد عائلة ديبي، وقطاع عريض من قبيلته – اتخذوا موقفا مضادا له وشكلوا جماعات مسلحة تسعى إلى الإطاحة بحكومته.
وفي عام 2005، لجأ ديبي إلى انتهاج سياسة مغايرة تماما؛ إذ قرر توجيه دعمه لمسلحي دارفور للإبقاء على نظامه في نجامينا؛ فما كان من نظام البشير إلا أن فقد الثقة في ديبي وقام بدوره بدعم الجماعات المسلحة الساعية لعمل انقلاب في تشاد. وبهذا، اتسعت رقعة صراع دارفور وامتدت داخل حدود تشاد، ما أسهم في قدْح شرارات حرب أهلية شرسة هنالك بدأت في 2005.
كانت العديد من الجماعات المقاتلة ضد نظام ديبي تتمركز في السودان وفي عام 2006 تمكنت إحدى تلك الجماعات من الوصول للعاصمة التشادية نجامينا، وبعد يوم من القتال الضاري، انسحبت تلك المجموعة. وقتها اتهم الرئيس ديبي، نظام البشير بالعمل على قلب نظام حكمه، مستبعدا أن تكون المؤامرة داخلية؛ وعلى الفور، أعلن ديبي عن قطع العلاقات مع السودان وإغلاق الحدود المشتركة.
غداة هذا الانهيار الدبلوماسي في العلاقات بين البلدين، تحولت الحرب الأهلية التشادية والصراع في دارفور- تحولا إلى حرب بالوكالة بين نظام ديبي، والبشير؛ حيث استمر ديبي في دعم مسلحي دارفور، فيما دعم البشير حركات مسلحة مختلفة في تشاد بينها “اتحاد قوى المقاومة” بقيادة تيمان إرديمي ابن أخي الرئيس ديبي.
هنا، دخلت على الخط دولة قطر بين عدد من الدول الخارجية التي تحاول عقد مصالحة بين السودان وتشاد والترويج لعملية سلام في إقليم دارفور.
وتمكنت قطر، التي تسعى لتعزيز دورها كلاعب إقليمي مؤثر، في عام 2009 من الوساطة بين حكومة الخرطوم وحركة العدل والمساواة بحيث وقع الطرفان على اتفاق “حُسن نوايا” في الدوحة. وبعد أشهر قليلة، دخلت نجامينا في اتفاقية مصالحة مع السودان بوساطة قطرية.
وشهد العام التالي لذلك جهودا حثيثة من جانب تشاد والسودان لاستعادة العلاقات بينهما.
واستفادت حكومة البشير كثيرا من الدعم القطري في عملية السلام هذه وحصلت على دعم هائل من قطر ودول خليجية أخرى.
ومنذ ذلك الحين، شهدت العلاقات بين تشاد والسودان تطبيعا وتحسنا بالغا؛ وتوقفت كل من الدولتين عن دعم الحركات المسلحة المعارضة في نظيرتها؛ ليس هذا فحسب، وإنما شكلت الدولتان قوة حفظ سلام مشتركة للحيلولة دون عبور المسلحين لحدودهما.
كذلك، ورفضت كل من الدولتين تقديم ملاذ لقادة معارضة إحداهما الأخرى.
ظل ذلك، حتى اشتعلت الأزمة القطرية، الأمر الذي جاء بمثابة نذير بتقويض حالة التقارب بين تشاد والسودان.
واتهمت تشاد، قطر بدعم حركات مسلحة تهدد النظام في نجامينا بعد هجوم شنه مسلحون ضد دورية على الحدود مع ليبيا في الـ 18 من أغسطس 2017. كما اتهمت تشاد، قطر أيضا بتوفير ملاذ لـ تيمان إرديمي، أحد أبرز قادة المعارضة المسلحة المطلوبين من جانب النظام في نجامينا.
وعلى الرغم من نفي وزير الخارجية التشادي، حسين إبراهيم طه، ارتباط التوتر في العلاقات بين بلاده وقطر، بأزمة الأخيرة إقليميا – رغم ذلك إلا أن تشاد استدعت سفيرها من قطر عندما اندلعت عملية “مقاطعة قطر” في يونيو على سبيل التضامن مع السعوية؛ كما اتسمت علاقات تشاد مع مصر مؤخرا بالتحسن البالغ.
حكومة الخرطوم، من جانبها،فضّلت الوقوف في موقف الحياد إزاء الأزمة القطرية؛ فهي من جانب، بصدد إصلاح علاقاتها مع الولايات المتحدة بعد رفع (مؤقت) في يناير الماضي لعقوبات امتدت زهاء عشرين عاما، في انتظار قرار تنظره إدارة الرئيس دونالد ترامب.
كما تحاول حكومة الخرطوم البقاء على علاقة جيدة مع السعودية ودول خليجية أخرى عبر دعم عسكري للتدخل السعودي في الحرب الأهلية باليمن مقابل دعم مالي. هذا من جانب.
ومن جانب آخر، فإن حكومة الخرطوم تلقت مليارات الدولارات دعمًا من قطر على مدى السنوات القليلة الماضية كما استفادت من وساطة قطر في صراع دارفور.
لقد ساعد الدعم القطري، نظام البشير على البقاء في مواجهة المعارضة المسلحة في دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق.
وسنرى عما إذا استمرت حكومة الخرطوم في موقفها المحايد إزاء تلك الأزمة؛ وقد شهدت العلاقات بين السودان ومصر تدهورا بلغ مداه في مايو 2017 عندما اتهمت الخرطوم، القاهرة بدعم مسلحين دارفوريين ضد نظام البشير وتزويدهم بالأسلحة؛ كما أن البشير يواجه ضغطا داخليا متزايدا لدعم قطر.
وبينما تشهد المنطقة حالة من الاستقطاب المتزايد حول أزمة قطر، فإن هذه الأزمة قد تؤثر بالسلب على العلاقات بين تشاد والسودان؛ ذلك أن كلا من ديبي والبشير يخشى على استقرار نظامه من الدعم الخارجي للجماعات المعارضة المسلحة في بلاده؛ وفي ذات الوقت يعتمد كلا النظامين على الدعم الخارجي للبقاء في السلطة.
وإذا ما قررت حكومة الخرطوم دعم قطر في هذه الأزمة، فإن ذلك كفيل بتبعات كبرى على علاقاتها مع حكومة نجامينا.
إذا دخلت الأزمة القطرية بين السودان وتشاد، فإن ذلك كفيل بنسف التوازن الهشّ بالأساس في هذه المنطقة الموبوءة بالصراع.