نيالا : أحمد داوود
في نيالا _ لا أحد بالتحديد يعلم متي كانت آخر مرة سجل فيها زعيم حزب الأمة القومي الإمام الصادق المهدي سجل فيها زياره الي المدينة في غضون السنوات الأخيرة . و لكن هنالك من يتذكر جيداً التصريحات التي أدلى بها في أعقاب إندلاع الحرب بالاقليم عندما شخص الأزمة بأنها : ” مواجهة بين قوي مسلحة غير نظامية تتألف من عناصر عربية بعضها غير سوداني تقف وراءها الحكومة ، و قوي احتجاج مسلح من قبائل غير عربية تضم عناصر غير سودانية يعتقد أن عوامل خارجية تقف ورائها ” .
تصريحات المهدي حينها وجدت رفضا واسعا من قبل مواطني المدينة ، الذين قالوا إنه يتبني وجهة نظر السلطات التي كانت توصم قوي الكفاح المسلح بالعمالة ، وان معظم جنودها ينحدرون من دول الجوار ، و بالتحديد دولة تشاد .
و لكن في صبيحة السبت تفاجأ سكان المدينة علي غير العادة بانتشار أمني كثيف . كانت المركبات العسكرية تمشط المدينة الصغيرة جيئة و ذهابا ، فيما انتشر نظاميين علي طول الطريق الواقع بين تقاطعي “الكونغو” ونيالا الثانوية . و كان وجوه الجنود المغبرة المرابطين بالقرب من مباني المحكمة تعطيان الانطباع بأن ثمة أمر ما علي وشك الحدوث .
علي مر السنوات الماضية _ارتبط إنتشار الأمن عند قاطن المدينة الذي اكتوي بنيران الحرب أما بزيارة الرئيس المخلوع ، أو باندلاع التظاهرات والاحتجاجات المطلبية . و لكن لا أحد فكر أن يربطها بزيارة الإمام التي كان قد أعلن عنها قبل ذلك بكثير .
و لكن فيما كان سائقو الحافلات العامة يدوسون علي مكابح سياراتهم و ينتظرون بفارغ الصبر إشارة المرور بتقاطع “الكنغو” لكيما يتسني لهم مواصلة الطريق ، تفاجئوا بسيارة من نوع “ثري ال” علي متنها أكثر من عشرين شخصاً يحملون راية عليها رمح مرعب ، و هي تعبر الطريق حتي دون أن يتقيد سائقها بقوانين السلامة المرورية .
و قبل أن تمر عشرة دقائق علي ذلك ، كانت صافرات الانذار الخاصة بسيارات الشرطة تدوي بصوت مرعب وكأنها تحذر سائقي “الركشات” المتهورين بالابتعاد عن الطريق . عندها فقط بدأ الناس يتيقنون أن ثمة علاقة بين إنتشار الأمن و زيارة الإمام .
في ساحة ” السحيني” التي كانت تعرف في السابق بساحة “المولد” نظم الأنصار المتحمسين للزيارة استعراضا بدأ و كأنه إعادة لامجاد المهدية في الايام الغابرة . فيما صدح كورال الحزب باغاني ثورية .
كان الانصار الذين وفدوا من القري و المحليات ينتظرون بفارغ الصبر حديث الإمام ، وقد بدأ الأخير و كأنه متفهما لما يدور في أذهانهم لهذا ركز في حديثه علي قضيتي السلام و المحكمة الجنائية . حيث طالب بضرورة تسليم البشير الي محكمة الجنايات الدولية . كما دعا حركات الكفاح المسلح الي الانحياز لخيار السلام . وقال : ” نقول لاخوتنا أرضا سلاح ، و أن حوار البندقية إنتهي و تبقي حوار العقل “.
لكن بدأ واضحاً أن هنالك من سئم خطاب المهدي ، حيث ردد بعض الحضور هتافات ناقدة ضده ، فيما حمل آخرون ملصقات علي شاكلة “إمام الخذلان “. في وقت ردد فيه البعض الآخر هتافات توصم المهدي بالكذب الي حد أنه اضطر لأن يلغي خطابه و يذهب مغاضبا . ربما كانت هي المرة الأولى التي يواجه فيها المهدي موقفا مثل هذا .
تاريخيا _ ظلت دارفور علي مدار الأعوام الماضية معقلا لحزب الأمة . و في الشهر الماضي تباهي المهدي أمام أنصاره : ” أنه يمتلك الأغلبية في مناطق الصراعات ” ، وحدد دارفور بالاسم . و لكن ما حدث بالأمس قدد يقلل ولو قليلاً من مصداقية الرجل .
في العام ٨٦ نال الإمام معظم اصوات مواطنو الإقليم ، و قد ظل أنصاره أيضاً يرجحون إمكانية حدوث ذلك مرة أخرى . ولكن في ضوء الوقائع الماثلة ، و في ظل بروز أجيال جديدة تراهن على سقوط صنم الطائفية قد يصبح ذلك في حكم المستحيل ، و هو ما يطرح السؤال حول ما إذا كان حزب الأمة يمتلك القدرة على استعادة أمجاده في الإقليم الذي انهكته الحرب و المواجهات العسكرية ام لا ؟.
قبيل زيارة الإمام بأيام فعل ناشطون بالاقليم هاشتاج علي وسائل التواصل الاجتماعي يؤكدون فيه رفضهم القاطع للزيارة . و اعاب الناشطون علي المهدي مواقفه المخزية تجاه قضايا الإقليم بشكل خاص والبلاد بشكل عام . بجانب ما قالوا عنه ضلوع المهدي في تسليح بعض المكونات الاجتماعية ضد الأخري .
و لو أن أنصار الحزب ينظرون إلي ذلك في سياق الصراعات السياسية التي تحدث بين الأحزاب إلا أن الناشط السياسي أحمد المهدي يقرأ ذلك من زاوية أخري . و يقول : ” ان الامام بمواقفه السلبية استطاع أن يخلق فجوة واسعة بينه وبين الأجيال الجديدة التي تراهن على التغيير “. و بحسب ما يعتقد افراد الجيل السابق فإن الرجل يعد عائقا أمام أية عملية تغيير يمكن أن تحدث بالبلاد . و يبرهن احمد علي ذلك بتصريحات المهدي السابقة التي كان يؤيد فيها الرئيس المخلوع عمر البشير .
و حول ما إذا كان بامكان حزب الأمة أن يحافظ على أصوات ناخبيه بالاقليم في حال أن أجريت الانتخابات يستبعد احمد المهدي ذلك . و يقول :” أن الحزب قائم على أساس طائفي ، و الطائفية في حقيقة الأمر يستحيل أن تجد لها موطئ قدم في عالم يتحدث فيه الناس عن الانسنة و مقولات ما بعد الحداثة ” و دلل بذلك علي ما تواجهه الطائفية في العالم . و يضيف : ” كما أن معظم جماهير الحزب هم من الأجيال القديمة ، و هم لا يمثلون ٣٠% من المجتمع ، و هذا لوحده كفيل بتقليل نسبة أصوات ناخبي الحزب “.
ما حدث للمهدي بساحة السحيني وجد استنكارا من قبل بعض الأصوات التي اعتبرته مخالفا للقيم الأخلاقية والديمقراطية ، ولكن الناشط السياسي الصادق إدريس يري أن الذين يعتقدون أن مقاطعة الندوة تتعارض مع الديمقراطية عليهم أن يثبتوا ما إذا كان المهدي بحد ذاته ديمقراطيا . ويضيف : لا يمكن أن تكون رئيسا لحزب لستون عاماً و من ثم تزعم أنك ديمقراطيا، هذا هو التناقض بعينه.