خُبراء يخشون من تأثيرات سالبة على المواطنين من قرار تحرير سعر الصرف
الخُرطوم- صوت الهامش
فاجأت الحكومة الإنتقالية في السُودان صباح “الأحد” الشعب السوداني بإجراءات إقتصادية قاسية،تضمنت هذه المرة تحرير سعر الصرف المعروف لدى أوساط الإقتصاديين بـ”التعويم”،ليتساوي سعر الدولار مقابل الجنيه السُوداني،في البنك المركزي والسوق السُوداء .
هذه الخطوة وفقاً لبيان صادر عن البنك المركزي فإنها تهدف للإنتهاء من السوق الأسود،والإستفادة من تحويلات المغتربين،والإستفادة منها في إعفاء ديون السُودان المتراكمة والتي تصل لنحو “60” مليار دولار .
غير أن خٌبراء إقتصاديين أبدو خشيتهم من أن يؤثر قرار تحرير سعر الصرف على الأوضاع الإقتصادية وأن تلغي بظلالها السالبة على الأوضاع المعيشية المعقدة وبالتالي زيادة الضعط والأعباء على الشعب السُوداني الذي ظل يُعاني من تقلبات الأوضاع الإقتصادية قبل وبعد سقوط نظام الرئيس المخلوع.
ربط الخبراء تخوفهم من أن ينعكس هذا القرار سلباً على الوضع الإقتصادي المتأزم،في ظل الفراغ الذي تشهده خزينة البنك المركزي،وعدم وجود إحتياطي نقدي أجنبي كافية لإمتصاص الصدمة المتوقعة، وقدر الخُبراء نحو “5” مليار دولار كحد أقصى كإحتياطي نقد أجنبي يجب توفرها الحكومة في خزينة بنك السُودان قبل الذهاب إلى إتخاذ هكذا قرار.
مٌعاناة الإقتصاد
وظل الإقتصاد السُوداني يُعاني من إختلالات هيكلية تمثلت في الإختلال الداخلي “على سبيل المثال إرتفاع عجز الموازنة العامة للدولة” والإختلال الخارجي ممثل في “إرتفاع عجز ميزان المدفوعات” وقد تبدت ملامح وأعراض هذه الإختلالات في إرتفاع معدلات التضخم وتعدد أسعار الصرف والتدهور المستمر في سعر الصرف للعملة المحلية مقابل العملات الأجنبية.
ووفقاً لبيان صادر عن بنك السُودان المركزي طالعته “صوت الهامش” أن هذه الإختلالات تعمقت بعد إنفصال الجنوب وذهاب معظم الإحتياطي النفطي لدولة جنوب السُودان،وإستمرار عدم الإستقرار الأمني والسياسي فالاقتصادي،مع إستمرار إجراءات الحظر الاقتصادي الأمريكي،ووجود إسم السُودان في القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب وما نتج عنها من صعوبات وتعقيدات في علاقات المراسلة الخارجية للمصارف السُودانية،وانحسار تدفقات النقد الأجنبي وتعذر إستفادة السودان من المبادرات الدولية الخاصة بإعفاء الديون .
فوائد “التعويم”
وحدد منشور بنك السُودان المركزي فوائد عدة لتعويم الجنيه السُوداني،من بينها أنه يساهم في توحيد وإستقرار سعر الصرف،وتحويل الموارد من السوق الموازي إلى السوق الرسمي،فضلاً عن إستقطاب تحويلات السودانيين العامليين بالخارج عبر القنوات الرسمية،وإستقطاب تدفقات الإستثمار الأجنبي،بجانب تطبيع العلاقات مع مؤسسات التمويل الإقليمية والدولية والدول الصديقة .
“اثار التعويم”
رغم تعدد البنك المركزي لفوائد تحرير سعر الصرف،وربطها بأنها ستسهم في معالجة الاختلالات الهيكلية التي يُعاني منها الإقتصاد السُوداني،على مدى سنوات غير أن خُبراء إقتصاديين لديهم رأي اخر ويرون أن “التعويم” الرسمي سيسحق ماتبقى من الشعب السُوداني .
وقال الخبير الإقتصادي فيصل عوض حسن في تعليق لـ”صوت الهامش” أن الدولة لا تتوفر فيها مقومات وإشتراطات التعويم الرسمي،وأكد أن الإختلالات الهيكلية يصعب على وزارة المالية معالجتها لوحدها لجهة أن ذلك واجب رئاسة الحكومة التي يتوجب عليها إتخاذ جُملة من الإجراءات لعل أبرزها تقليل الإنفاق العام الذي لايتوقف على الصرف الأمني فقط بل هيكل الدولة الإداري المٌترهل .
وضرب فيصل مثالاً بالتشكيل الوزاري الأخير الذي يشمل 26 وزيراً بخلاف الولاة ووزراء الدولة.
وطالب فيصل الدولة أولاً بمٌحاربة الفساد ومن صوره التهريب الذي يٌشارك فيه متنفدون كبار والأخطر من ذلك إيقاف طباعة العملة الوطنية وتوفير إحتياطي ضخم من العُملات الأجنبية لمجاراة السوق الموازي وغيره مع ضمان زيادة الإنتاج المحلي “القابل للتصدير والقادر على مُنافسة السوق الدولية” .
وتابع بقوله”هذه بعض الإجراءات الرئيسية دون الدخول في بعض التفاصيل والدولة لم تفعل أي منها مما يجعلني أقولها وبملء الفم أن قرار التعويم يعني سحق ما تبقى من شعب السُودان،فهو قرار كارثي بكل معاني الكلمة”.
غياب الشافية
بدوره حذر الخبير الإقتصادي محمد الناير من تبعات تحرير سعر الصرف في ظل عدم توفر إحتياطي كافي من النقد الأجنبي،وقال في تعليق لـ”صوت الهامش” أنه إذا الدولة لاتمتلك إحتياطي يُقدر بـ”5″ مليار دولار يجب عليها أن لا تقبل على هذه الخطوة .
وأضاف حتى إذا وعدت بذلك من قبل دول وعدتها بأن تدفع لها لاحقاً أن الفرق لحظة إعلان تحرير سعر الصرف وحينما تأتي المبالغ يمكن أن يحدث تدهور في سعر صرف العُملة الوطنية .
وتابع بقوله “إما إذا إمتلك الإحتياطي يجب أن يدار بطريقة يمكن أن تحدث إستقرار في سعر الصرف ويمكن أن تقودنا الي المرحلة التي يمكن أن يتم من خلالها جذب التدفقات من النقد الأجنبي بصورة ميسرة ولكن إذا لم نمتلك الإحتياطي الكافي فإن السوق الموازي سيظل في حالة ترقب ويبدأ في مرحلة الصعوط ما يعني ذلك تدهور سعر العملة الوطنية و يساهم في إرتفاع أسعار السلع وزيادة الضعط على الشعب”.
وأشار الناير أن على الدولة إذا وجدت إحتياطي من النقد الأجنبي يجب عليها الإعلان عنه لجهة أن عدم الإعلان سيٌضر بالإقتصاد السُوداني بصورة كبيرة .
وحول الاثار المتوقعة على قرار التعويم أكد الناير ان الناتج المحلي في الموازنة الحالية يقدر ب5.9 ترليون جنيه سوداني وعندما كان يحسب سعر الدولار بـ”55″ جنيه ما يعني 107 مليار دولار،وبالتالي دخل مستوى الفرد حسب التقارير الدولية يصل لنحو2675 دولار،والان عندما يتم حساب الناتج المحلي بموجب 375 جنيه سيصبح الناتج المحلي فقط 15.7 مليار دولار وبالتالي ينخفض دخل الفرد إلي 392.5 دولار للفرد وهذا يمثل إنخفاض كبير في الناتج المحلي الإجمالي،ويضاعف الديون الخارجية التي تبلع نحو 60 مليار دولار لأكثر من 300%.
وأوضح الناير في حديثه أنه إذا وجد الإحتياطي الكافي من النقد الأجنبي لايوجد خوف على المواطن،وأبدى خشيته من عدم إنسياب تحويلات المغتربين عبر المنافذ الرسمية ما لم تعلن حوافز المغتربين .
ولفت أن الأخطر في منشورات بنك السُودان المركزي أنها لم تشير لقضية التوحيد،المعني بها توحيد سعر الصرف والدولار الجمركي،وحذر من تحريك سعر الدولار الجمركي ليتماشي مع سعر الصرف الرسمي مؤكداً أن ذلك سيكون له اثار كارثية على المواطن لإرتباط الدولار الجمركي بالإستيراد.
دفاع وتخوفات
وفي الأثناء أشار الخبير الإقتصادي نجم الدين داؤود أن تحرير سعر الصرف واحد من أهم المطلوبات الرئيسية للإستقرار الإقتصادي في السُودان،مبيناً أن جدوى تلك الإجراءات يجب أن لاتتم بمعزل عن السياسات الكُلية للحكومة الإنتقالية .
وأضاف بأن هُناك تجارب لتحرير سعر الصرف الا أنها فقدت قيمتها كما تمت في عهد رئيس الوزراء في العهد البائد معتز موسى،الذي قال بأنه حرر سعر الصرف عبر عملية محددة الا انها فقدت فعاليتها في الخطوات الأولى للتنفيذ،ولم يستبعد داؤود لجؤء الحكومة لقرار تحرير سعر الصرف مجبورة،لجهة أن سعر الصرف الحالي أصبح يمثل عائق أمام إستقطاب موارد أجنبية من بينها تعهدات المانحين في مؤتمر أصدقاء السُودان،التي فشلت الحكومة في إستلامها بسبب تعارض سعر الصرف.