فلوريدا – صوت الهامش
تناول الباحث السياسي ريتشارد جاون في تقرير له الأوضاع في دارفور في ضوء تحركات الأمم المتحدة لتخفيض قوة بعثة حفظ السلام المشتركة (يوناميد) محذرا من مردود ذلك على المنطقة ولاسيما على البعثات الأممية الأخرى بالدول المضطربة.
واستهل التقرير، الذي نشره موقع (وورلد بوليتيكس ريفيو)، بالقول إن الأعوام العشرة الأخيرة شهدت احتلال الصراع في دارفور وما يشهده من فظائع عناوين الصحف الغربية، ولكن الحال تغيرت الآن بالنسبة للصحف الغربية فقط وليس على الأرض؛ فلم تعد تلك الصحف تحفل بالأوضاع في دارفور رغم استمرار الصراع بها ولو على شكل متقطع.
ورصد التقرير الذي اطلعت عليه (صوت الهامش) موافقة مجلس الأمن الدولي مؤخرا على خفض أعداد قوات اليوناميد إلى نحو النصف في إطار خطة لتصفية البعثة تماما بحلول عام 2020.
وحذر من أن هذه الخطوة ستكون بمثابة نقطة تحول على صعيد عمليات حفظ السلام للأمم المتحدة؛ ذلك أن اليوناميد هي إحدى خمس بعثات لحفظ السلام في البلدان الأفريقية المضطربة في جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي وجنوب السودان والكونغو الديمقراطية – وجميعها دول تشهد استمرارا في أعمال العنف.
وأوضح التقرير غياب استراتيجية أممية واضحة لتصفية تلك البعثات؛ لكن دولا أعضاء بمجلس الأمن، وتحديدا الولايات المتحدة، تصّر على أن هذه البعثات لا يمكن أن تستمر هكذا بلا نهاية. ولكن كيف ستكون تلك التصفية؟
ونوه التقرير عن أن اليوناميد طالما كانت بمثابة صداع خاص للأمم المتحدة منذ أن حلت محل قوة أفريقية أصغر حجما عام 2008. ومنذ انتشار اليوناميد على مساحة شاسعة وهي تعالج صدّ مواجهة هجمات تشنها قوات محلية وعصابات.
ونبه إلى أن وجود اليوناميد لم يردع الحكومة السودانية عن شن حملات ضد المعارضة المحلية، وعن تشريد مئات الآلاف من المدنيين.
وقالت اليوناميد الشهر الماضي إن قوات الحكومة السودانية قد منعت عناصر البعثة من التحقيق في وقائع عنف خطيرة بالمنطقة.
ولفت التقرير إلى أن الخرطوم تمارس ضغوطا على الأمم المتحدة لتقليص حجم البعثة منذ سنوات.
وقال إنه وعلى الرغم من نجاح جزئي أحرزته حرب الاستنزاف الحكومية السودانية ضد قوات المعارضة في دارفور على نحو جعل الأوضاع في الإقليم تبدو أكثر هدوءا وقلّص أعداد النازحين من 2.4 مليون عام 2008 إلى 2 مليون الآن – على الرغم من ذلك فإن “الحياة في دارفور لم تعد إلى طبيعتها” بخلاف رواية مسؤول سوداني أدلى بها خلال الشهر الجاري.
وأكد التقرير أن هذه الرواية الرسمية من جانب الحكومة السودانية هي أبعد ما تكون عن الواقع؛ ذلك أن النازحين لا يزالون يمثلون أكثر من خُمس تعداد السكان؛ وبحسب تقارير فإنه إذا كان عنف المعارضة المسلحة قد تراجع في دارفور إلا أن الصراعات القبلية (بين القبائل) وبين الميليشيات السياسية قد تزايدت وتيرتها على نحو ينذر بمخاطر عنف جديدة.
وبحسب إحصائيات الأمم المتحدة، فإن بعثة اليوناميد تقوم بنحو 500ر2-000ر3 دورية كل شهر لحماية المدنيين.
وحذر التقرير من أنه وعلى أسوأ السيناريوهات، فإن رحيل اليوناميد سيحفّز موجة من الهجمات على النازحين ممن لن تكون القوات المحلية قادرة على أو راغبة في صدّها.
ونبه التقرير إلى أن هذا الموضوع يثير قلق مجلس الأمن؛ ومن ثم فقد ضغط على الأمم المتحدة من أجل توضيح مؤشرات ومعايير بشأن الأوضاع الأمنية للاسترشاد بها في فترة تخفيض أعداد البعثة.
وبينما وافق المجلس على خفض عدد قوات اليوناميد من نحو 9,000 إلى أكثر من 4,000 بقليل، فإن دبلوماسيين غربيين أصروا على أن 2,500 شرطي تابع للأمم المتحدة ينبغي عليهم البقاء في أماكنهم. كما أكد هؤلاء الدبلوماسيون على أن التصفية النهائية للبعثة عام 2020 لن يكون قرارًا صائبا في حال احتداد وتيرة العنف مرة أخرى.
لكن، أغلب الظن، بحسب التقرير، أن اليوناميد ستنهي وجودها في غضون سنوات قليلة حتى حال استمرار العنف والتشريد – فيما يبدو استعدادا نهائيا من جانب مجلس الأمن لقبول ما هو أقل من “سلام دائم” في مواقع مضطربة مثل دارفور.
وحذر التقرير من أن مغادرة اليوناميد للبلاد، سيشجع أطرافا خارجية أخرى على تقليص اهتمامها بـدارفور؛ وقد حدث بالفعل أن تخفيضا كبيرا قد حدث في تمويل العمليات الإنسانية بالمنطقة، حيث يشيع وقوع الهجمات على عمال الإغاثة – هذه التخفيضات في التمويل ستسوء بعد انسحاب اليوناميد.
ونبه التقرير إلى أن خروج اليوناميد من دارفور سيبعث رسالة قاتمة إلى دول أخرى مضطربة بالمنطقة تضم على أرضها بعثات حفظ سلام تابعة للأمم المتحدة. وستجد هذه الرسالة أصداء قوية في بلدان أمثال الكونغو الديمقراطية حيث توجد بعثة الأمم المتحدة لحفظ السلام (مونسكو).
واختتم التقرير قائلا إن الأمم المتحدة قد تلجأ -لتشجيع نفسها أحيانا- إلى قرارات معيبة في صراعات واجهت فشلا في حلها؛ لكن قرارات بشأن تصفية بعثات كاليوناميد ومونسكو هي بمثابة أصعب التحديات السياسية والأخلاقية التي يمكن أن يواجهها مجلس الأمن في السنوات المقبلة.