الخرطوم – صوت الهامش
لا يزال الجدل المحلي والدولي، بشأن تسليم الرئيس المعزول عمر البشير، وعدد من قيادات حزبه وميليشياته المسلحة، للمحكمة الجنائية الدولية، لاتهامهم بارتكاب جرائم جنائية بدارفور، محتدما، غير أن التأخير في تبني موقف واضح من قبل الحكومة الانتقالية لتسليمهم خلق تساؤلات عن مبررات تأخير تسليم هؤلاء المتهمين .
وطالب سودانيين خلال ثورة ديسمبر، بتسليمهم للجنائية ، وبعد أن سقط نظام الجبهة الإسلامية، طالبت منظمات وهيئات دولية بذلك ، بيد أن رئيس اللجنة السياسية للمجلس العسكري آنذاك، الفريق اول عمر زين العابدين، رفض، وقال “نحن عساكر ونحاكمه بحسب قيمنا لكن لا نسلمه”.
وبعد تكوين الحكومة الانتقالية، صرح عضو مجلس السيادة، صديق تاور، أنه ستتم محاكمة رموز النظام السابق عبر القضاء السوداني على الجرائم التي اقترفوها، قبل أن يتم تسليمهم للمحكمة الجنائية الدولية.
أما النازحين واللاجئين فيرون ان محاكمة المتهمين في لاهاي من أولوياتهم، وطالبوا رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أبان زيارته لشمال دارفور بإنصافهم، من خلال محاكمة البشير في الجنائية، غير ان حمدوك تجنب الإشارة بوضوح بتسليمه.
وكانت رئيسة القضاء، نعمات عبد الله محمد خير، أشارت إلى أن إحالة البشير إلى المحكمة الجنائية من اختصاص سلطات أخرى، وإن السلطة القضائية ليست معنية بالمسألة، رغم هذا الجدل تبقي عملية تسليم البشير، الذي يخضع لمحاكمة في الداخل في عدة قضايا، للجنائية مسألة مهمة لكثيرين، غير ان ثمة شكوك حول نية وجدية الحكومة الانتقالية في القيام بذلك.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية، مذكرتي توقيف بحق البشير عامي 2009م-2010م، لمحاكمته بتهم جنائية عن جرائم حرب والجرائم ضد الإنسانية فضلا عن جريمة الإبادة الجماعية، ارتكبت في إقليم دارفور غربي السودان.
والتقي النائب العام في السودان، تاج السر على الحبر، بمكتبه (الاثنين) بوفد الكونغرس الامريكي الزائر للسودان، وقال الحبر ان النيابة العامة ستقوم بالتحري في كافة الانتهاكات وجرائم القتل التي وقعت منذ العام 1989 بجانب جرائم الفساد والمال العام والجرائم ذات الصلة، ولفت الي تشكيل عدة لجان للتحري والتحقيق في كافة الجرائم التي وقعت خلال الفترة السابقة.
مشيرا الي وجود صعوبات تعترض سير عمل اللجان، خاصة فيما يتعلق برفع الحصانات، وبيد ان النيابة العامة، تعمل بجهد وتنسيق لأجل رفع تلك الحصانات عن مرتكبي الجرائم.
وفي تعليقه بإمكانية تسليم البشير للمحكمة الجنائية الدولية، قال الحبر ان الأمر مرهون بنتائج المفاوضات الجارية ومتعلق بأطراف عدة بما فيهم الضحايا وأسرهم فضلا عن مسائل قانونية تستلزم النظر فيها، وفيما يتعلق بالتحري في قضايا الجرائم التي وقعت بولايات دارفور خلال فترة النظام البائد، قال الحبر انه يتم التحري فيها من جديد بصورة مرضية.
ومن جهته قال عضو هيئة محامي دارفور، عبد الحميد عبد الله فضل، إن تسليم الجناة للمحكمة الجنائية الدولية، ملفا قانونيا غير مرتبط بالتفاوض باعتبار ان مفاوضات السلام هو ملف سياسي، وأضاف ان اي تقاعس من الجهات المختصة بتسليم البشير للجنائية، يعتبر عرقلة للعدالة، الأمر الذي يستدعي ان تفتح الجنائية محضر ضدهم.
وأضاف ينبغي ألا يكون “السودان الجديد” مجرد شعارات، إنما يجب ان تترجم أفعال في أرض الواقع، بتسليم الجناة للجنائية والإسراع في التحقيقات المتعلقة بجرائم فض الاعتصام وغيرها من الانتهاكات التي تقع كل يوم في دارفور.
وقال فضل لدى حديثه لـ “صوت الهامش” يجب أن يكون التركيز حول كيفية التسليم بدلا من الاعتماد على ملف المفاوضات، وتسليم الجناة للجنائية يمكن أن يسهم في عملية السلام وايقاف الحرب والقتل خارج القانون، وأردف ان الجناة لا يزالون طلقاء ويقتلون الناس، ليلا ونهارا، وفي حال تقديمهم للعدالة، سيخيف الآخرين من مواصلة ارتكاب الجرائم.
وقال رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، في مقابلة مع قناة “بي بي سي” أوائل الشهر الجاري إن تسليم المخلوع عمر البشير إلى المحكمة الجنائية الدولية، لن يكون سياسياً .
وشدد أن القضاء السوداني هو من سيحسم تسليم البشير إلى الجنائية الدولية من عدمه .
اما المحامي عبد العزيز عثمان سام، فقال ان موضوع تسليم عمر البشير، وأحمد هارون وكوشيب وعبد الرحيم محمد حسين، غيرهم للمحكمة الجنائية الدولية، أمر غير مرهون بأي شرط أو صفقة، أو مفاوضات في آي مكان، وان ذلك أمر قضائي واجب التنفيذ الفوري.
وشدد على ان أي تأخير تنفيذ الامر القضائي الصادر من الجنائية أو وضع أي شروط في تنفيذه، هو تصرف مخل بالعدالة، وزراية لقضاء المحكمة الدولية، واحتقار لمجلس الأمن الدولي الذي أحال الوضع في دارفور منذ يوليو 2002 إلى المدعى بالمحكمة الجنائية الدولية، فضلا عن استفزاز وتحقير أسر الضحايا الذي ابادهم نظام الإنقاذ.
واعتبر سام ان عدم تسليم حكومة السودان الانتقالية المطلوبين للجنائية بمثابة خروج وانحراف كبير عن أهداف ثورة ديسمبر 2018 ، وان التلكؤ في تسليم البشير وزمرته، يؤكد قول الجميع إن الحكومة الانتقالية هي امتداد وخليفة لحكومة عمر البشير.
وقال سام ان حديث النائب العام، لا علاقة له بالقانون، ناهيك عن خبير قانوني يشغل منصب النائب العام، وتساءل بالقول متى كانت مسائل القانون والعدالة، مربطة ومرهونة بقضايا سياسية مثل مفاوضات السلام في جوبا؟
وأضاف ان تصريح الحبر سبب ضررا كبيرا بقضية العدالة محليا واقليميا ودوليا، وتجنى على السودان وثورته وشعبه، وان مبدأ الحرية والسلام والعدالة ثار لأجلها الشعب.
واسترد سام بالقول (ما كان يتجرأ وزير العدل في عهد البشير التصريح، ما قاله النائب العام الحبر) متهما إياه برغبته للقيام بالتحري في جرائم الإبادة والتطهير العرقي التي وقعت في دارفور من جديد.
وتساءل بالقول هل يعي النائب العام ما يقوله؟ ام انه يريد إضاعة حقوق الضحايا بهذا الالتفاف الساذج؟ وتابع قائلا ان جرائم الإبادة الجماعية بدارفور تم التحري في حينها من جهة ذات اختصاص وأنهت عملها في 2006 أمام المدعى بالمحكمة الجنائية الدولية، وتم تحرير وتحريز البينة والشهود وان القضية مكتملة الأركان والمتبقي تسليم البشير واخرين للمحكمة للسير في الإجراءات.
وقال سام عندما وقعت “جرائم الإبادة والجماعية في السودان لا توجد نصوص قانونية في القانون الجنائي السوداني لسنة 1991 ، لتتم محاكمة المتهمين بارتكاب تلك الجرائم داخل السودان.
وتابع بالقول: لو كان النائب العام، يعلم كل هذا، ورغب في التحري في جرائم دارفور، تلك كارثة ومحاولة لإضاعة وتذويب الجرائم التي وقعت في دارفور، التي تعد من أفظع الجرائم الدموية في التاريخ الحديث وقتها، وطالب سام باستقالة النائب العام أو اقالته بأعجل ما يكون على خلفية تصريحات عن الجنائية الدولية.