بعد مرور أكثر من ثلاثة أشهر من صدور قرار مجلس الأمن الدولي، بالرقم 2265، تحت البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي صدر في منتصف فبراير/2016، أقر وزير الدولة بوزارة الخارجية كمال إسماعيل بأن قرار مجلس الأمن رقم 2265، المتعلق بدارفور، والذي اعتمدته الدول الأعضاء بالإجماع تحت الفصل السابع، التدخل العسكري، “مُرر بطريقة ماكرة”، وأكد بروز رغبة واضحة من عدد من الدول الأوروبية في إدارة حوار استراتيجي مع السودان. وأشار وزير الدولة في بيان أداء الوزارة بالبرلمان أمس، إلى إستئناف الحوار مع الولايات المتحدة الامريكية بعد 3 سنوات من الإنقطاع. إنتهى تصريح وزير الدولة بالخارجية. المصدر صحيفة الجريدة، نقلا عن الراكوبة.
كعادة حكومة المؤتمر الوطني، في التعامل الغوغائي مع القرارات الدولية الملزمة، التي تصدر عن مجلس الأمن الدولي، تحت الفصل السابع نتيجة لما تنتهجه، وتمارسه من سياسات غير محسوبة العواقب، تنتهك بموجبها عن تعمد وسابق تصميم قواعد القانون الجنائي الدولي والإنساني، في تحد سافر لا يأبه بالنتائج الوخيمة ومآلاتها الكارثية.
ومع إفتراض علمها التام أو كان ينبغي لها أن تعلم بخطورة القرار الأممي رقم 2265، إلا أنها تجاهلته تماما، ولم يصدر تصريح رسمي عن أي مسئول سياسي أو إعلامي أو دبلوماسي حوله، سوى ذلك التصريح اليتيم الوارد نصه أعلاه الذي جاء على لسان وزير الدولة بالخارجية، بعد مضي أكثر من ثلاثة أشهر من صدور ذلك القرار الكارثي، والذي أشار فيه إلى الطريقة التي تم بها إصدار القرار، في إشارة إلى الإجراء شكلا، وليس تعامل حكومته مع القرار ومجابهته موضوعا ومضمونا، مستبطنا كما هو معتاد ومتوقع نظرية المؤامرة، في وصفه لصدور القرار بـ “الطريقة الماكرة”، ولم يزد حرفا على ذلك التصريح الذي لا يخلو في حد ذاته من مُكر وصلف كاذبين، مما يؤكد إستمرار حكومته المُراوغة والمخُاتلة في ممارسة سياسة دفن الرؤوس في الرمال، ومواصلة ترحيل الأزمات، وتخزينها عميقا في “مطامير” الفهلوة و “جخانين” الإستهبال التي بدأت في التصدع والتفكك.
بالرغم من خطورة هذا القرار على النظام الحاكم في السودان، بل على وجود كيان وسلامة وحدة أراضي الدولة السودانية نفسها في حال تطبيقه، وهذا هو الإحتمال الراجح بحسب كل المؤشرات والمعطيات التي تمثلت في إجماع الدول الأعضاء المكونة لمجلس الأمن الدولي، بما فيها بطبيعة الحال، دولا يراهن عليها ويعتبرها حليفته، والمدافعة عن سياساته في أروقة المحافل الدولية، كدولتي الصين وروسيا، إلا أن ذلك الرهان الخاسر لم يمنع نظام الخرطوم الحاكم من التمادي في التحدي للإرادة الدولية، والإنتهاك الصارخ لقواعدها وقوانينها الملزمة. وبالرغم من هشاشة وسيولة موقفه السياسي وعجزه البائن في التصدي لهذا القرار الدولي والتعامل مع تبعاته، إلا أنه ما زال مصرا على المضي قدما في إرتكاب ذات الجرائم والاستمرار في الإنتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في السودان التي دعت مجلس الأمن إبتداءً إلى إصدار تلك القرارات الدولية الملزمة بحق قادته.
ويأتي مكمن الخطورة بأن ذلك القرار يُعتبر خاتمة بكل المقاييس والمؤشرات لما سبقه من قرارات أممية ملزمة، لأنه منح جدولا زمنيا محددا للجنة العقوبات التابعة للأمم المتحدة بتقديم تقريرها الأولي لمجلس الأمن في شهر أغسطس من العام الجاري، وحدد لها أن ترفع تقريرها النهائي في شهر مارس من العام القادم، ليرى مجلس الأمن، فيما إذا قامت الحكومة السودانية بالإلتزام، وتنفيذ تلك القرارات الأممية المتتالية منذ عام 2004، أم لا. بالتأكيد الإجابة البديهية كما يؤكد ذلك واقع الحال البئيس، ستكون بالنفي القاطع، لأن حكومة المؤتمر الوطني في الواقع لم تقم بتفيذ موجهات أي قرار صدر عن مجلس الأمن الدولي حتى الآن، بل تعاملت معها بلا مبالاه حيرت أكثر المراقبين تفاؤلا. كما أجمع بعض الكتاب القانونيين والمحللين السياسيين ان هذا القرار يتشابه لحد بعيد مع القرار الدولي رقم 687، لسنة 1991، إذا لم يتطابق معه حذو النعل بالنعل، والذي قضى بنشر وحدة مراقبة تابعة للأمم المتحدة، بين العراق والكويت، تم بموجبه إصدار قرارات لاحقة أدت إلى غزو دولة العراق بواسطة التحالف الغربي دون موافقة مجلس الأمن الدولي، عام 2003، وتم تشتيت شمل نظام صدام حسين وقادته، معلنة بذلك نهاية حقبة حكم نظام حزب البعث العربي الصَدامي.
والقرارات الملزمة التي وردت في صلب القرار 2265 على سبيل المثال، وليس الحصر هي ثلاثة عشر قرارا دوليا، ويتعلق معظم تلك القرارات بقضية دارفور وتداعياتها، والذي يجدر ذكره أن القرارات الأممية التي صدرت بحق سلطة حكومة المؤتمر الوطني، وقادتها قد تجاوزت العشرين قرارا أمميا تحت الفصل السابع. وركز القرار 2265، والذي يحتوي بدوره على 27 بندا وردت بمتنه، على القرار 1556، الذي فرض العقوبات الخاصة بحظر توريد وتصدير الأسلحة والمعدات العسكرية، إلى الكيانات غير الحكومية مثل الجنجويد، وميليشيات السلطة المختلفة المسميات والمشارب. والقرار 1591، الذي فرض حظر سفر بعض القادة وتجميد أرصدتهم المالية، كما حظر التحركات العسكرية، وحركة الأسلحة الثقيلة، مع ضرورة أخذ الحكومة السودانية للإذن المسبق من لجنة العقوبات في حالة القيام بأي نقل وتحريك لهذه الأسلحة والمعدات العسكرية، بما في ذلك إساءة إستخدام الأسلحة الخفيفة في إقليم دارفور. من المؤكد أن حكومة المؤتمر الوطني قد ضربت بذلك القرار عرض الحائط، والدليل على ذلك إستمرارها في إبادة المدنيين في جبل مرة المنكوب، ومواصلة إنتهاكاتها الصارخة لحقوق الإنسان في جبال النوبة، وآخرها مأساة أطفال مدينة هيبان وصور أشلائهم المتناثرة التي أدمت قلب كل حر، وأرقت الضمائر الإنسانية الحية، ووحدت السودانيين أمام وحشية ودموية السلطة الحاكمة في الخرطوم.
وللتذكير الذي لا يضر، فإن القرارات الدولية تحت البند السابع التي أصدرها مجلس الأمن قد بلغت أكثر من عشرين قرارا دوليا، ومن أهم هذه القرارات التي شكلت مفاصل أساسية في الصراع الدائر بإقليم دارفور، على سبيل المثال لا الحصر هي: القرار الدولي 1556، الذي صدر في أواخر يونيو عام 2004، القاضي بفرض عقوبات على المعدات العسكرية. والقرار 1590، لسنة 2005، الذي قضى بإنشاء بعثة المراقبة الدولية في دارفور. وفي نفس العام صدر القرار 1591، الخاص بتوسيع نطاق العقوبات. وتبعه في مايو القرار 1593، الخاص بإحالة القضية الدارفورية إلى المحكمة الجنائية الدولية. وفي عام 2006، تم إصدار القرار 1706، الذي منح التفويض لبعثة الأمم المتحدة في السودان، لتعزيز بعثة الإتحاد الأفريقي في دارفور. وفي عام 2007، أصدر المجلس القرار 1769، الذي تم بموجبه نشر القوات المشتركة التي بلغ تعدادها أكثر من عشرين ألف جندي، بالإضافة إلى نشر ستة آلآف عنصر من الشرطة المدنية. كل تلك القرارات سيتم جرد حسابها في مارس القادم، ولسوف يتكشف للعالم فقر رصيد الحكومة السودانية، وخلو سجلها من تنفيذ أي بند من بنود تلك القرارات الدولية أو حتى مجرد التظاهر باحترامها.
وبالرغم من أن القرار 2265، لم يشر صراحة إلى القرار 1593، الصادر عن مجلس الأمن في 31/مايو/2005، القاضي بتحويل الحالة في دارفور إلى المحكمة الجنائية الدولية، بموجب المادة 13 (ب) من نظامها الأساسي، والذي ألزم فيه حكومة السودان بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية في تنفيذه، وذلك في المساعدة بالقبض على رعاياها الذين تم إتهامهم بجرائم تنتهك نظامها الأساسي، باعتبار أن السودان عضوا بمنظمة الأمم المتحدة، وهو ُملزم بميثاقها الذي تنازل بموجبه عن سيادته مثلة مثل جميع الدول التي صادقت على ميثاق هذه المنظمة الدولية، استنادا على المادة الثانية الفقرة السابعة من هذا الميثاق. وهذا مثال آخر لعدم تعاون الحكومة السودانية وجديتها في تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي الملزمة. بل تمادت في ترتيب وتسهيل سفر رأس النظام العابث إلى الخارج، تحديا للقرارات الدولية، وحماية المتهمين الآخرين من الملاحقة الجنائية الدولية، وذلك بتعيينهم في مناصب دستورية هامة.
تعلم الحكومة السودانية جيدا ان القرار 2265، الذي تجاهلته طويلا بحسابات السياسة اليوم، حتى لم يبق لشهر أغسطس سوى أسابيع قليلة، ليبدأ ساسة علوق الشدة بالبحث اليائس داخل جرابهم الذي أصبح خاويا من كل الحيل والأساليب الملتوية التي كانت تمنحهم هامش المناورة، وتكسبهم هامش عامل الزمن، ليتمكنوا من تدارك ما يمكن تداركه من الزلزال القادم وتوابعه التي سوف تودي بالسايس العابث والفرس المنهك إلى موارد الهلاك، قبل صافرة البداية التي لم يسمع صوتها الصاخب من يعتقدون وهمًا بأنهم في مضمار واحد مع الخمسة الكبار، الذين أكدت شواهد التاريخ السياسي الطويل بأنهم دائما على إستعداد بالتضحية بأي حليف مهما كانت أهميته المرحلية، حماية لمصالحهم، كما فعلت دولتا الصين وروسيا، ومررتا ذلك القرار المذكور في سلاسة أربكت حسابات قادة حكومة المؤتمر الوطنى، وألجمتهم الصدمة من إتخاذ أي خطوات تصعيدية إستعراضية، ولو على سبيل نفخة الهر الذي يحاكي صولة الأسد، لمجابهة تداعيات هذا القرار الخطير، الذي أكد على أن الحالة في دارفور ما زالت تشكل تهديدا للأمن والسلم الدوليين، وهنا مربط الفرس، ومكمن الخطورة لما هو آت.
وعلى حكومة نظام المؤتمر الوطني أن تحصد اليوم ما زرعته بالأمس من عنتريات جوفاء، حان الآن موعد تسديد فواتيرها. وعليهم وحدهم على المستوى الشخصي كأفراد تحمل تبعات كلفة السداد الباهظة، التي ستمثل شئنا أم أبينا نقطة تحول فارقة في مسار وتاريخ تطورات الواقع السياسي السوداني من جهة، وعلى المستقبل بكل ما يحيط به من مجهول مظلم، وضبابية مُعتمة من جهة أخرى، وهذا ما لا نريده ولا نتمناه أن يحدث، فليحفظ الله هذا الشعب العظيم.
الصادق حمدين
umniaissa@hotmail.com