تحرير طاقات أفندية الأمم الزنجية؛ ضمن رسالة إبراهيم يحي إلى محمد عبد الله الدومة بحضور صفوة الزنوج النبلاء: دريج؛ خليل؛ حرير؛ وبولاد.
منعم سليمان عطرون
بكونهم لم ينتخبوا من قبل مجتمعات حرة الإرادة؛ لا يملك الحاكم الفلقناي؛ برنامج؛ مشروع؛ خطة تخدم مجتمعاتهم؛ هو يحمل كلمات؛ وعود الجلابي؛ وآمال وأحلام؛ فهو قد تم تنصيبه من سُلطة الإستعمار الداخلي ( كترميز تضليلي (أبكر آدم إسماعيل).
حين يتم تعين، تنصيب، إختيار؛ ترسيم حاكم ديكوري (والي او معتمد) من قبل المركزية التجارية للأبرتهايد الجلابي في الخرطوم على إحدى المستعمرات (أقاليم)، فان تلك المركزية تملكه؛ تتحكم فيه وعليه بصفتها السلطة العليا؛ وعبره تتحكم سلطة الأبرتهايد علي المُستعمرة؛ وإرادة سكان تلك المجتمعات؛ بل تتحكم حتى على ما يدخل عقول سكان المجتمع. تملك سلطة الأبرتهايد فلقنايته؛ مثل ملكية الرجل ملابسه و جواربه؛ وتتصرف فيه وكما يتصرف الرجل في جيوبه. سلطة الابرتهايد الجلابي في قصر غردون هي التي تفكر له؛ تخطط؛ تلقنه ما يفهل وما يقول؛ وتسيره بريموت كنترول؛ وترسم له هامش سلطة يمكنه ان يتبختر فيها؛ وهي التي ستعزله في الوقت التي تراه مناسبا؛ ثم تحمله وزر الأخطاء التي ما يكون له قدرة من تجافيها؛ وتجعل منه نموذج حالة استبداله بغيره.
كفلقناي زنجي؛ حاكم ديكوري معين من قبل الجلابي في منصب والي؛ معتمد؛ وزير؛ فانت تلقائيا ستوافق علي تجريد شعبك؛ مجتمعاتك السكان الاصليين؛ من حقوقه الطبيعية في ارضه؛ ترابه الذي سُلب وإستوطن؛ على موارده؛ تاريخه؛ دمه المسفوح؛ كرامته وممتلكاته المصادر. ستوقع بيدك على وثيقة تثبت استرخاص دماء اهلك؛ الذي سفك ،والذي سيسفك امام اعينك ومسمعك؛ وتجرده من حقه؛ وستقر بإستحقاقهم الأبدي للعذابات و الآلام التي يعيشونها وهم في زرائب الموت البطيئ. ستراهم أمام أعينك يقاسون ويتقاسمون الالم والماسي صباحا ومساء؛ ويمكنك ان تتخيل ذلك وهم بعد بقية أناس ناجون؛ هربوا من حملة الإبادة المسعورة؛ التي استهدفت تطهيرهم عرقيا من قبل سلطة نفس الدولة التي تخدمها.
كفلقناي زنجي انت شاهد علي موتهم المعنوي نفسيا ؛ عقب التجريد من حقوقهم ماديا؛ وموثق لموتهم المعنوي كل يوم وهم يشاهدون قاتل آبائهم؛ واشقائهم؛ مغتصب أمهاتهم وشقيقاتهم امام اعينهم؛ ويشاهدونك وانت تقف معه؛ محاط بسلاح قتلهم وأبهة تم شرائها نهبا من مواردهم.
الفلقناي؛ هو أحد أهم طاقات الأمم الزنجية التي توظف في مكان غير مكانه؛ وتستهلك في إتجاه التدمير؛سلاح يستخدم في معركة غير حقيقية؛؛ والأجدر تنبيهه؛ تحرره أملا كي يعاد توظيفها في مكانها الصحيح ؛ في خدمة حقوق الإنسان.
بثورة الزنجي النبيل داؤود يحي بولاد عام 1992ف نؤرخ بداية فاصل تاريخي في الثورة التحرر والتحرير في مجتمعات الامم الزنجية ضد الأبرتهايد الجلابي؛ في دارفور. وثورة وعي يحد ويوقف عملية توظيف طاقات مجتمعات الأمم الزنجية لتدوير دولة الإستعمار الداخلي. لكن رغم قدم الطرح التحرري فإن ماكينة انتاج فلاقنة وإعادة إستخدامهم مستمرة في حياة دولة الأبرتهايد الجلابي ويفرز ذلك الفقر؛ الصراعات؛ الحروبات؛ التخلف والإنحطاط.
يعتبر المعلم بولاد (1952-1992) وثورته أول طرح مسلح رسمي في دارفور ضد الأبرتهايد الجلابي. واذا أخذنا في الإعتبار ان طرح بولاد ( تحرير دارفور) هو إمتداد لطرح أم (تحرير السودان) التي قدمتها الحركة الشعبية لتحرير السودان و التي كان يقودها نهاية تسعنيات القرن الماضي نخبة من مثقفي مجتمعات الأمم الزنجية بجنوب السودان؛ ومنطقتي النوبة والفونج ( أي تحرير الجنوب؛ تحرير جبال النوبة؛ تحرير الفونج؛ تحرير دارفور يساوي تحرير السودان) . بجانب ذلك فإنه وقتها قد ظهر إلى الفضاء السياسي طرح التحالف الديمقراطي الفدرالي (أن تشكل المجتمعات السودانية فدراليات متحالفة) ؛ والذي تفضل به إثنين من نخب الزنوج النبلاء من مجتمعات دارفور وهما أحمد إبراهيم دريج؛ وشريف عبدالله حرير تقرو.
ثلاث أبعاد تحول في طرحي التحالف الفدرالي وتحرير السودان هي:
1. نموذج جديد لنمط الدولة paradigme of state
2.منظور جديد لإدارة الدولة والمجتمع perspective of governance,and administration
3. يطرحون من أنفسهم نمط جديد للقائد؛ الحقيقي True leader
وهو ما يعني نقد ومصادمة النمط القائم للدولة الإستعمارية القائمة؛ والطريقة العنصرية (الأبرتهايد) التي تدار بها والمجتمع؛ ورفض نموذج الفلقنة Phalgone المطروح.
يجدر التنبيه الى ان الطرحان؛ وحتى الان؛ تجاهلت أو أهملت (بشكل غير مقصود) دراسة المجتمعات الزنجية موضوع التحرر والتحرير؛ من الناحيتين الإنثربيلوجية والتاريخيه بالقدر التي تقدم تبريرات علمية مقنعة لثورة ابنائها وتحريرها. وركزت في طرح الدولة إدارتها. دراسة الخصائص الذاتية للمجتمعات الزنجية موضوع عملية التحررو التحرير من نمط الهوية العرقية والثقافية العنصرية؛ (الإسلاموعروبية: أبكر إدم اسماعيل) المفروضة عليها هي مهمة النخبة الزنجية المتحررة وليس مهمة نخبة الأبرتهايد ( لا يكتب تاريخنا غيرنا: ابراهيم جراب الراي). وهي (مهمة أخلاقية وريادية تاريخية. وتبدأ العملية بتحرير طاقات نخب؛ مثقفي؛ الزنوج ؛ وعقولهم و(من القابلية للتهميش واعادة الإستخدام: إدريس أزرق تاستي).
تكمن أهمية تحرير الطاقات الزنجية ووضع حد لعملية إعادة ستخدامهم كعبيد؛ فلاقنة؛ خدم؛ مهرجين؛ في عالم السياسية من قبل دولة الأبرتهايد والأجسام الرديفة لها (الأحزاب؛ المنظمات؛ النقابات) ؛ضد مجتمعاتهم نظير إمتيازات شخصية للفلقناي. والأبرتهايد لا ينسى أن تجعل من فلاقنته حمالات أوزار وعجز دولته؛ وعدم رغبتها معا في قيام بدورها المعلن في الخطاب.
مجتمعات السودان عموما؛ وحتى مجتمعات المجموعات الزنجية التي تعتبر نفسها عربية (عرب دارفور) ؛ تعيش حالة استعمار وإحتلال من قبل سلطة الدولة الاجنبية للابرتهايد الجلابي. وانتجوا هم فلاقنة جدد لهم الان. لا شك تبقى هي موضوع تحرير وتحرر.
اقصى غايات سلطة المستعمر الجواني (الأبرتهايد الجلابي) هو المحافظة على هذه المجتمعات البشرية خارج نطاق الحضارة الانسانية دون الاستفادة من قدراتها وامكانياتها الذاتية في تنمية ذاتها بذاتها. لتحقيق هذه الغاية يقوم بتنصب (حكام فعليون) من الجلابة بالشماليين؛ ضباط بازنقر وافندية؛ بالمستوى الاقليمي والمحلي (الولائي والمعتمديات)؛ مستعمرات الجلابي. مهمة الحكّام الفعليون؛ ينهبون موارد المجتمعات ؛ ويقهرونها؛ ويجبرونها؛ للبقاء حيث هي خارج نطاق الحضارة الانسانية بسلطة الدولة والسلاح؛ واستخدام سلطات معنوية مثل الغش؛ الخداع؛ التخدير بالدين.
ويقوم الأبرتهاي أيضا بتعيين (حكّام ديكوريون)؛ الفلاقنة من ابناء تلك المجتمعات؛ الطاقات المعادة إستخدامها؛ يتم تعينهم ( ولاة؛ معتمدين؛ أو وزراء ولائيين). الفلاقنة يؤدون دورا ظاهريا كحكام بلا سلطة يخدعون أهلهم داخل سجونهم. إنهم يساعدون في توطيد سلطة الاستعمار الفعلي على أهلهم وبرنامج المهانة. إنهم يؤدون دور سيئ يتشكل في طمأنة أهلهم الضحايا للعيش في وضعيتهم المأسوية تلك عن رضى وقناعة. إنهم يبررون ويعزون أهلهم في إنسانيتهم المذبوحة ؛ دماءهم المسفوحة؛ كرامتهم المنتهكة؛ مواردهم المنهوبة من قبل سلطة الجلابي. إنهم يقنعون أهلم بالوعود الكاذبة؛ والآمال السراب بالتغيير. إنهم يقومون بتقديم شئ من المواساة لأهلهم من الذلة؛ القمع في مجتمعاتهم التي تحولت تدريجيا الى زرائب يملأها الفقر ؛ المقابر؛ الامراض؛ الخوف؛ ومستقبل مجهول.
الفلاقنة شركاء في الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الأبادة التي حدثت لأهلهم؛ وهم شهود زور ومشاركون في الجرائم التي تستمر ويعرفون انهم عاجزون في منعها.
ولا شك أن تجربة داؤود بولاد وشريف حرير تقرو العضوان السابقان في الجبهة الإسلامية العربية؛ وتجربة أحمد دريج العضو السابق في حزب الأمة العربية الإسلامية كانت لها دور ذو قيمة في الاتجاه الجديد الذي سلكه الرجال في خدمة مجتمعاتهم. قيمة ان يكون الانسان ذو تجربة عمل ومشاركة في تنظيم رديف جلابي او عامل في دولة اعلن ثورته عليها انه حصل بالصدفة على فرصة نادرة لفهم طبيعة ازمة بلاده بقربه من صناع الازمة. تكون لديه دليل يبرر ثورته؛ له وعي بطبيعة المشكلة وطبيعة العدو؛ ويسهل له تشكيل رؤية الحل. وهكذا كان موقف اؤلاءك الرجال عقب تحررهم وتحرير طاقاتهم من سلطة الاستخدام. وهو نقسه الحالة التي جعلت من ثورة الزنجي النبيل خليل إبراهيم محمد؛ وبعض من قادة تنظيمه مثل الزنجي النبيل إبراهيم يحي؛ جراب الراي اكثر صلابة.
هل يمكن للفلقناي ان يتحول الى قائد؟ ( أنظر جهدنا في كتاب الفلقناي؛) نعم؛ فإمتلاك الانسان للمعرفة العميقة و المسبقة بطبيعة اسباب ثورته ؛ وبعدوه؛ وأساليب العدو سينير ذلك عقله ويبني قدراته؛ يؤهله ذلك للنجاح أولا بتحرر نفسه وطاقاته من زريبة إعادة الإستخدام الى فضاء الإستنارة والواجب الأخلاقي لصالح مجتمعاته. لكن دائما وأبدا تبديل الأفكار والأدوار مرتبطة إرتباطا عضويا وأبدي بتغيير المواقف بشكل مبدئ وجذري للعب دور جديد مغاير.