مما لا شك فيه أن نضال المراة السودانية، هو فعل أصيل ومتجذر في تاريخ الفعل الثوري السوداني، هذا اذا ما اخذنا في الاعتبار الحدود الحالية المكونة لحقل كليتنا الحالي، وما حوته من حضارات قديمة، فتاريخيا كانت المراة في هذه الرقعة تحظي بمكانة عظيمة، قبل تسلل النمط البطرياركي للسودان وبنية نظامه الابوي المتشدد، فتاريخ الكنداكات من لدن اماني شاكيتو(شاخيتو) واماني ريناس في الحكم والزعامة مبذول في كتب التأريخ، مرورا بالميارم في ممالك دارفور ، ونضال المراة ضد المستعمر كالعظيمة الاميرة مندي بت السلطان عجبنا ودورها البطولي في الثورة المسلحة الأطول ضد المستعمر الانجليزي ، وكذلك الميرم تاجا في دارفور .وكذلك الدور التنويري كفعل العظيمة الراهبة بخيتة كوشي في التعليم، واكد هذا الفعل الممتد تاريخبا، النضالات الحديثة، استصحابا لنضالات الرعيل الأول، خالدة زاهر، وفاطمة احمد ابراهيم، وسعاد ابراهيم احمد وغيرهن الكثير.
كانت المراة السودانية هدفا للمشروع الاسلاموي، فتم ممارسة قمع ممنهج لها امعانا في اذلالها وتدجينها، ارتكازا علي وهم الأسلمة والاستعراب والتراتيبية الجندرية لهذا المشروع ، فكان التمييز ضدها كبيرا وقاسيا، سوا كان ذلك علي أساس النوع، بسن قوانين النظام العام المهينة، هذا في الوسط، اما في مناطق الحرب فقد تم ممارسة أسوأ انواع التميز والتنكيل المركب بها، سوا دينيا أو عرقيا أو نوعيا، فعانت نساء الهامش من القتل والاغتصاب الممنهج والتشريد والقمع.لكل ذلك حملت المراة السلاح في جنوب كردفان والنيل الازرق ودارفور وقاتلت قتالا باسلا ونبيلا، في مقاومة آلة النظام العسكرية في تلك المناطق.
و عند قيام الثورة كانت المراة السودانية في طليعة الفعل المقاوم والثوري، وأسهمت بدور مفصلي وحاسم وكبير في نجاح الثورة وقيادتها كتف بكتف مع الرجال حتي انتصارها.
كغيري من الناس استبشرنا خيرا لقيام جسم يعبر ويمثل نساء السودان، تنضوي تحته تنظيمات وتشكيلات من منظومات نسوية مختلفة ومتنوعة، ولكن للاسف مع مرور الوقت اتضح ان هذا الجسم يحمل في ثناياه ذات اشكالات الدولة السودانية التاريخية، فحازت صفوة معينة من تشكيلات نساء يتمتعن بامتيازات اعطتها لهن ذات الوضعية التاريخية المختلة لبنية الدولة، فلم يكن هناك تمثيل حقيقي وفاعل لنساء مناطق الحرب سوا في جبال النوبة او النيل الأزرق او دارفور او حتي شرق السودان ، بل سار التنظيم في نفس نهج الاحزاب حاملا ذات أمراضها واخفاقاتها، من افعال تعود عليها الناس، سوا كان ذلك وفق الية التمثيل الخداعي(الترميز التضليلي) ، بوضع قلة قليلة من نساء الهامش في كابين القيادة، دون أن يكون لهن اي فعل مؤثر في إتخاذ القرار، او من خلال جلب بعض النساء المنتميات للهامش إسما، اللائي تم إعادة انتاجهن واصبحن يمثلن المركز، تمثيلا متماهيا وأصيل ولا دور لهن او فعل او حتي احساس بقضايا مناطقهن الأصلية.
وكانت الطامة أن منح تنظيم منسم لنفسه الحق بدعوة رئيس مجلس السيادة البرهان، وقبول اعتذاره، بالرغم من أن جل او معظم الحاضرات لا يمثلن الضحايا الحقيقيات من عانين البطش والقتل والاغتصاب والتشريد، وهن بفعلهن هذا منحن لأنفسهن حقا غير مشروع وغير مخولات للقيام به. هذا الفعل جعل الكثيرين يعتبروا أن هذا التنظيم ماهو الا امتداد لذات السلوك الاقصائي والأناني الذي ظلت تمارسه النخب تجاه اهل المناطق المهمشة، وهو تكريس لديمومة بقاء الامتيازات سوا امتيازات سلطة او ثروة او امتيازات معنوية، بيد فئة ما فتئت تعيد في انتاج ذاتها بذات الاخطاء والاشكالات، مما يعقد المشهد ككل ويزيد النار اشتعالا.
كنا نأمل ان تكون منسم تنظيم نسوي فاعل ومختلف، يمثل كل السودان ويتجاوز أخطاء وكوارث النادي السوداني القديم ويكون مثلا ونموذج يحتذى به، في تلافي كل اخفاقات الساسة ، وان يكون نواة فاعلة وحقيقية لاعادة بناء، الهيكل ذي التصدعات العميقة الضاربة في بنية الدولة والمجتمع معا، ولكن
تاتي الرياح بما لاتشتهي السفن.
فاروق عثمان