تنفست شعوب الهامش السوداني الصعداء ، حينما أختار شعب الشطر الجنوبي الإنشطار عن الشمال كحل لا بد منه ﻹيقاف نزيف جرحه الغائر لعقود ، وتكوين دولة تحرر شعبها من العنف العرقي وهيمنة (الجلاب) ، ومن ثم تصبح نبراسا لإضاءة طريق بقية الشعوب المقهورة هي الأخري من قبل ذات الوحش المهيمن .
إلا أن ما تشهده الدولة الرضيعة الآن ، تكشف بجلاء مدي عدم قدرتها التخلي عن هواية ممارسة ما توارثتها عن أمها (السودان القديم ) ، حيث دأبت حكومات السودان القديم لحسم خلافاتها غالباً ب(البونية) ، دون التنبه إلي خطورة ما تخلفه من دمار وتشريد ، ودونما اﻹفتطان الي حلول سلمية تجنبها تبعات وإفرازات تلكم البونيات ، ما أدت بدورها إلي تبعثر تطلعات الشعب الجنوبي الذي تملكه اليأس والإنكسار .
ما نحن بصدده هنا هو ذلك اﻹستهداف المنظم ضد التجار المقيمين بدولة جنوب السودان ، علماً بأن ثلاث أرباع تجار الجنوب من الأجانب (صوماليين ، سودانيين ، يوغنديين ، اثيوبيين …الخ
أي لا ناقة لهم في ما يجري ولا جمل ، إلا ان تلك الصفة ( تاجر أجنبي) لم تكن كافياً لحمايتهم ، حيث ظل التاجر بالجنوب عرضة للنهب والقتل والإختطاف من قبل الأطراف المتنازعة هناك ، فمنذ إندلاع الحرب في منتصف ديسمبر 2013 لقي أكثر من 1371 تاجرا حتفهم – حسب ما أفادت به احدي المنظمات العاملة في المجال الإنساني- .
كما تعرضت متاجرهم لعمليات حرق بالكامل بعد النهب والتخريب في كل من أسواق بور بولاية شرق الاستوائية ، وأسواق ملكال ، وملوت بولاية أعالي النيل ، وأسواق مرمر ، وسرجاس، وميوم ، ومانكنيج ، وفاريانق ، وربكونا ، وسوق ستة، وسوق سبعة ، والشعبي ، وخلي بالك بولاية الوحدة التي شهدت افزع وأبشع مجزرة بحق التجار العزل بمسجد بانتيو في 15 أبريل نيسان 2014 ، حيث لقي 619 تاجراً مصرعهم داخل مطاعم ومسجد وكنائس كانوا قد احتموا بها من وابل الرصاص ، -403 منهم من غرب السودان – ولم يخرج منهم إلا ذو حظ عظيم ، ليعقبها نهب وحرق متاجرهم التي تحوي المليارات الجنيهات ،
كما تعرض سوق جو ، وسوق حجر بواو عاصمة ولاية شمال بحر الغزال لعملية نهب وحرق مطلع الشهر المنصرم ، وما أحداث أسواق كاستم والجبل بالعاصمة جوبا ببعيد .
كل تلك ، تمت علي مرائ ومسمع من مسوؤلي جنوب السودان حكومة ومعارضة ، إلا ان ما يثير الدهشة حقاً أن الجميع ظل في صمت مطبق عن ما جري بحق ضحايا تلكم المذابح هناك .
احمد محمود عثمان -القاهرة .