هزت حادثة إنتحار اللاجئة الأثيوبية حرقا أمام مقر المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين بالقاهرة جدران الضمير الإنساني حينما أشعلت النار على جسدها ضمن سيدتين أخريتين وشاب علي مرئي من كاميرات مكتب المفوضية أمس الأول ، في منظر ينفطر له الفؤاد حسرة ، أدت إلي وفاتها متأثرة بإصابتها البالغة بعد أن تم نقلها الى المشفى لتلقي العلاج ، لتخلف وراءها طفلتين بلا مأوي ولا آوي .
تأتي هذه الحادثة بعد أن أعيت المفوضية انتظارهم بمنحهم مواعيد مقابلات تحديد الوضع والتي تزيد مدتها في الغالب عن السنتين ، قاسوا خلالها كل أنواع البؤس والشقاء ، بدولة لا يموت اللاجئ فيها ولا يحيا ، دون معونة تلبي حاجتهم ، ليجدوا أنفسهم أمام خيارات ثلاثة :
إما ركوب أمواج البحر المتوسط لتغدوا سفينتهم متأرجحة بين كفي الحظ حتي الوصول الى الضفة الأخرى ، ليختصر بذلك انتظار السنين – إذ لم تتوفر هذه الفرصة للجميع – .
وإما التسول في الأسواق والكورنيش لجلب لقمة العيش ، وهنا حتماً سيواجهون خطر مداهمة وملاحقة تجار أعضاء الآدميين الذين يتواجدون بكثافة هناك ﻷخذ بعض (الاسبيرات) من اجسامهم النحيلة وإلقاء ما تبقي منها على المجاري ومجمع النفايات .
وإما التوجه نحو المصانع و الشركات للبحث عن أعمال يوميه بأجور ضئيلة تكاد تفي أجرة المواصلات ، فضلاً عن أن تكفي لتغطية إيجارات الشقة ومتطلبات أفراد الأسرة اليومية .
أكملوا سنين الإنتظار (او بالأحرى سنين الاعتقال ) وكلهم أمل بأن يحظوا ب(البطاقة الزرقاء ) التي تؤكد أحقيتهم لوضع اللاجئ ، والتمتع بحق الحماية الدولية ، وإعادة التوطين إلي دولة أخرى يحترم إنسانها الإنسان والإنسانية ، ليفاجئوا بعده بخبر مفاده رفض المفوضية منحهم أحقية وضع اللاجئ ، كما قررت بموجبه سحب البطاقة الصفراء (بطاقة الحماية المؤقتة) التي بحوزتهم بعد هذا الإنتظار الطويل .
الأمر الذي دفع البعض منهم مرغمين للسعي لوضع حد لحياتهم عبر الانتحار ، ما حدت بالإدارة العامة لمكتب المفوضية بالقاهرة الإعلان الفوري عن إغلاق المكتب الرئيسي ب6 أكتوبر وتجميد أنشطتها لحين إشعار آخر ، حسبما أوردتها المفوضية عبر صفحتها على الفيس بوك . علماً بأن هذه الواقعة لم تكن الأولى من نوعها ، إذ شرعت سيدة سودانية أيضاً في الانتحار شنقاً علي شجرة بالقرب من مكتب المفوضية مطلع شهر يونيو الماضي حسبما أفادت بها شهود عيان كانوا قد هرعوا لنجدتها حيث تمكنوا من إنقاذها بعد جهد.
الي جانب وفاة لاجئ سوداني آخر ويدعي (عوض) ، نتيجة إهمال الجهات المختصة هناك ، حيث ظل يصارع المرض زهاء الأربعة أشهر قبل ان تصعد روحه الي بارئها علي مرمي حجر من مكتب المفوضية .
وكأن الأخيرة تتلذذ بمشاهدة معاناة اللاجئين القابعين هناك .
فهل يا تري ستسدعي هذه الواقعة الأخيرة تدخل رئاسة المفوضية السامية للأمم المتحدة للاجئين -بجنيف – لإعادة النظر تجاه مئات الآلاف من اللاجئين وملتمسي اللجوء من مختلف دول الحرب والاضطهاد قبل أن يحذو الآخرون حذوهم ؟!
وما المانع من أن يمنح ملتمسوا اللجوء مواعيد قصيرة أقصاها شهرين لتحديد أوضاعهم قبولاً كان أو رفضا ، بدل السنتين ؟!
وما هي الإجراءات الاحترازية التي ستنتهجها المفوضية للحيلولة دون تكرار وقوع مثل هذه الكوارث البشعة ؟!
بل أين تذهب كل هذه الأموال المخصصة دفعها شهريا لكل لاجئ او ملتمس لجوء بكل فروع المفوضية بالعالم … أين ؟!
أسئلة ستظل تطارد ذوي الضمائر الحية ممن يهمهم سلامة وكرامة أولئك المستضعفين .
ودمتم .