أثار نشر نص مذكرة المبادرة القومية للسلام والإصلاح كثير من الجدل والنقاش في أوساط كثيرة مهتمة بالشأن العام في بلادنا، وانتقل ذلك لوسائط التواصل الإجتماعي
وباعتباري من الموقعين على تلك المذكرة رأيت أن اتقدم بالتوضيحات التالية للرأي العام ولزملاء وأصدقاء ومؤسسات وجهات كثيرة يربطني بها العمل العام كما يربطني ببعضها علاقات شخصية تحتم علي تقديم التوضيحات.
علمت بفكرة هذه المذكرة قبل حوالي خمسة أشهر، عندما فاتحني بعض ممن أثق في وطنيتهم وصدق نواياهم من الذين أعرفهم في مجال العمل العام بأنهم يتدارسون فكرة التقدم بمبادرة اسهاما منهم في محاولة إخراج البلاد من أزمتها الخانقة، وقتح باب أو منفذ للحل السياسي الذي يعتبر بكل المقاييس الأقل كلفة من السيناريوهات الأخرى التي يمكن أن تدخل البلاد ووحدتها وأمنها وسلامتها في مخاطر أكبر.
كان في ذهني، ولا يزال، أن معظم القوى السياسية السودانية أكدت تفضيلها للحل السياسي إن توفرت له شروطه وظروفه المناسبة. كان هذا هو موقف قوى الإجماع الوطني من دعوة الرئيس للحوار الوطني، إذ أعلنت أنها تؤمن بالحوار كسبيل أفضل لحل مشاكل البلاد ، لكن مع ضرورة توفر شروط نجاح الحوار، ومنها إجراءات تهيئة المناخ وتكوين حكومة انتقالية. وتنخرط فصائل الجبهة الثورية، كلها باستثناء حركة عبد الواحد، في جولات تفاوض مع الحكومة، بما يعني أنها لا ترفض الحوار، لكنها لم توافق على خارطة الطريق لأنها لا تلبي بعض المتطلبات الأساسية. وسبق لقوى الإجماع الوطني أن قامت بتسليم مذكرة لرئاسة الجمهورية تتضمن تقريبا نفس المطالب الواردة في المذكرة الحالية. (راجع حوار صحيفة الجريدة مع القيادي الشيوعي يوسف حسين عدد السبت 7مايو 2016).
عقدت عدة اجتماعات لم تمكنني الظروف من حضورها إلا مرة واحدة، وتم التوصل لصياغة المذكرة التي حضرت أحد اجتماعات صياغتها ووافقت عليها بعد بعض التعديلات.
ثم بدأت حملة التوقيعات، وقد وقعت على المذكرة في حينها، مع كثير من الشخصيات العامة التي أثق في مواقفها وحسن تقديرها. عند نشر المذكرة وجدت توقيعات لشخصيات كثيرة لم أكن أعلم بوجودها في المذكرة. لكن ، وللأمانة، لم أكن لاعترض على وجودها، لو علمت، طالما أنها اقتنعت بفحوى المذكرة ومضمونها، ولا أظن أني امتلك هذا الحق.
وقد تم اخطاري في الأسبوع الاخير من مارس الماضي بتسليم المذكرة لرئاسة الجمهورية، ثم لم أتابع ما سيلي ذلك من خطوات.، حتى تم إعلانها في نهاية الاسبوع الماضي.
الذين اعترضوا على المذكرة وعاتبوني على ورود اسمي فيها، كان لهم أكثر من موقف:
– قال البعض أن اعتراضهم الأساسي على وجود بعض الشخصيات المرتبطة بخلفيات إسلامية، أو أنهم كانوا في فترات مختلفة جزءا من النظام. واعتبر آخرون أننا تم خداعنا أو توريطنا. وكما شرحت فقد قاد المبادرة شخصيات ذوي خلفيات مختلفة، بعضهم من أصحاب الخلفيات الإسلامية، ولم يكن لدي اعتراض على ذلك، طالما التقوا معنا في هدف التغيير السياسي وفق المبادئ الواردة في المذكرة. أعرف أن هناك من سيقول أنه لا يثق في أي شخص له علاقة، أو كانت له علاقة بالحركة الإسلامية، واحترم وجهة نظره، لكني لا أشاركه فيها. ولدي أدلة على مواقف الدكتور الطيب زين العابدين، والدكتور خالد التجاني، والدكتور عصمت محمود أستاذ الفلسفة بكلية الآداب بجامعة الخرطوم، أكثر أساتذة الجامعة مصادمة للإدارة دفاعا عن حقوق الطلاب ومناصرة لقضيتهم العادلة، وهو أيضا عضو سابق في الحركة الإسلامية.
تحدث بعض آخر عن مضمون المذكرة، ومع الأسف من الواضح أنه لم يقرأها، لأنه تحدث عن غياب نقاط وردت في المذكرة، أو حملها نقاط لم ترد فيها. قدمت المذكرة تحليلا للأزمة الراهنة ورأت أن المخرج الوحيد منها يتمثل في إحداث تغيير يتجاوز “مجرد تعديلات محدودة في تشكيل الحكومة المركزية وحكومات الولايات” ، وتحدثت في فقرة أخرى عن ضرورة إحداث تغيير هيكلي في إدارة الحكم. كما تحدثت عن ضرورة تعزيز فرص إنجاح المرحلة الانتقالية “بالعمل على بناء بيئة مواتية من الحريات الأساسية والعامة، بما في ذلك حرية التعبير، وتعزيز القبول المتبادل…الخ”عن ض
تلخص مقترح المذكرة في الدعوة لقيام مرحلة انتقالية تقودها حكومة مهام وطنية من ذوي الخبرة والكفاءة لتنفيذ برنامج أولويات محددة :
– إيقاف الحرب وتحقيق السلام ومعالجة الأوضاع الإنسانية،
– العمل عبر آليات وطنية لتحقيق العدالة والمصالحة،
– ترسيخ مبدأ التداول السلمي للسلطة وتأسيس حكم راشد يقوم على مبادئ الديمقراطية والتعددية وتأكيد احترام الدستور وسيادة حكم القانون وبسط الحريات العامة وحماية حقوق الإنسان
– الشروع في عملية جادة لإصلاح شامل للاقتصاد الوطني ومعالجة جذور الأزمة الاقتصادية
– إصلاح علاقات السودان الخارجية
– تحقيق توافق وطني واسع حول الدستور وإجازته من قبل برلمان منتخب
– تهيئة البلاد لانتخابات حرة وعادلة ونزيهة في خاتمة المرحلة الانتقالية
– إصلاح الخدمة المدنية ومحاربة الفساد واسترداد ما تم الاعتداء عليه من المال العام.
من المؤكد أن الاوضاع السياسية قد تغيرت خلال الفترة الماضية، وطرأت أحداث كثيرة سممت الجو السياسي، من أحداث جامعة الخرطوم، وقتل الطلاب، والاعتقالات المتتالية لبعضهم، جعلت الحديث عن الحل السياسي غير مقبول لدى الكثيرين، وبالتالي قرأوا المذكرة القديمة نسبيا، على ضوء الأحداث الجديدة وصاغوا موقفا منها. ورغم اتفاقي على صعوبة الحديث عن حل سياسي في مثل هذه الظروف، إلا انني لن اتنكر لتوقيعي على المذكرة في وقتها.
كاتب هذه السطور، وعدد من الموقعين على المذكرة، جزء من حراك العمل العام المعارض، ولم تتوقف مساهماتهم عند هذه المذكرة، ولن تتوقف، فهم جزء من كل حراك تم، وسيتم، في اتجاه تغيير الأوضاع في بلادنا لإخراجها من الهاوية التي يجرونها إليها. ولا أظنني احتاج لأذكر الناس بمواقف ونضالات شخصيات في قامة محجوب محمد صالح، نبيل أديب، الدكتور محمد يوسف أحمد المصطفى، ماريا عباس، سامية الهاشمي، البروف قاسم بدري، البروف بلقيس بدري، البروف عطا البطحاني، محمد بشير أحمد “الصاوي”.
في الختام شكري لكل من سأل واتصل وكتب معلقا، لهم جميعا كامل الاحترام والتقدير.
فيصل محمد صالح
7 مايو 2016