صحيفة الهامش الخرطوم 28 أبريل 2016
السيد أريستيد نونوسي
في ختام زيارتي الثانية بصفتي خبيرا مستقلا معنياً بحالة حقوق الإنسان في السودان، أود في البدء أن أتوجه بالشكر لكم جميعا لحضوركم هذا التنوير الصحفي. كما اتقدم بالشكر لحكومة السودان لدعوتها لي وتعاونها مع التفويض الذي أمثله، وللممثل المقيم ومنسق الشئون الانسانية للأمم المتحدة في الخرطوم ولبعثة الأمم المتحدة والاتحاد الافريقي في دارفور (يوناميد) لدعمهم المتواصل لتسهيل زيارتي التي امتدت من 14 حتى 28 أبريل 2016.
التقيت خلال زيارتي بمجموعة واسعة من اصحاب المصلحة بما في ذلك السيد نائب رئيس جمهورية السودان، ووزير الدولة بوزارة الخارجية ووزير الدولة بوزارة الدفاع ووزير الدولة بوزارة المالية و رئيس القضاء وممثلي وزارة العدل و مدير جهاز الأمن والمخابرات الوطني والمجلس الاستشاري لحقوق الانسان و المفوضية القومية لحقوق الانسان واعضاء البرلمان والمفوض العام لمفوضية العون الانساني والوحدات المتخصصة في العديد من الوزارات والمدير المكلف لوحدة التدريب في جهاز الأمن والمخابرات الوطني و اتحاد المحامين في الخرطوم و اعضاء الاحزاب السياسية والاكاديميين والمجتمع المدني واعضاء السلك الدبلوماسي. كما سافرت إلى ولايات دارفور بما في ذلك معسكر زمزم للنازحين وقرية تابت في شمال دارفور ومعسكر خور عمر في شرق دارفور. كما التقيت بولاة ولايتي شمال وشرق دارفور ومسئولي الولايتين والفريق القطري للأمم المتحدة واليوناميد و الفاعلين في المجتمع المدني.
وقد احطت ببعض التطورات الايجابية و رحبت بتوقيع حكومة السودان على خطة العمل مع الأمم المتحدة لمنع تجنيد واستخدام الاطفال من قبل القوى الأمنية التابعة لحكومة السودان. وأثني على التزام الحكومة بتكليف مسئول رفيع المستوى لمتابعة تنسيق انفاذ خطة العمل هذه مع الأمم المتحدة و الاشراف عليها. كما احطت علما ببعض الجهود في مجال سيادة حكم القانون، بما في ذلك تعيين ونشر ضباط الشرطة و وكلاء النيابات و القضاة في بعض الأماكن النائية خاصة في دارفور. وفي هذا السياق فأنني أوصي بتوفير الموارد الكافية للمراكز الشرطية والمحاكم المنشأة حديثا ليتسنى لها القيام بالواجبات الملقاة على عاتقها على الوجه الاكمل. و ايضا قمت بزيارة القرية النموذجية في تابت، وهو مشروع مولته الحكومة القطرية يهدف إلى توفير الخدمات الأساسية بما في ذلك الصحة والتعليم ومياه الشرب للسكان المحليين.
وعلى الرغم من هذه التطورات، إلا أنني أظل قلقا بسبب عدد من قضايا حقوق الانسان في البلاد. أذ لا تزال تصل إلى مسامعي حالات الاعتقال التعسفي والحجز علاوة على مزاعم سوء المعاملة و حظر السفر المفروض على المدافعين عن حقوق الانسان و الناشطين السياسيين من قبل القوى الأمنية، بما في ذلك جهاز الأمن والمخابرات. وفي هذا السياق فأنني أظل قلقا اشد القلق بشأن قانون الأمن الوطني والذي يتيح سلطات الحجز والاعتقال للجهاز الأمن الوطني وحصانة اجرائية لافعال تقع تحت طائلة المسئولية الجنائية.
و ارحب بقرار السلطات اعادة جوازات سفر ناشطي المجتمع المدني والذين منعوا من حضور الجلسة السابقة للتنوير الخاص بالتقرير الدوري الشامل في جنيف. وأشدد على أهمية الدور الذي يلعبه المدافعون عن حقوق الأنسان، وأؤكد على ضرورة سماح الحكومة لهم بالقيام بأنشطتهم في بيئة منفتحة وآمنة. و على الرغم من هذا فأنني أظل قلقا بشأن حالات محددة لإعتقال تحفظي وحجز اربعة قساوسة في الخرطوم منذ منتصف ديسمبر 2015 إضافة إلى طلاب جامعة الخرطوم منذ 13 أبريل 2016. وقد ناقشت هذه المخاوف مع السلطات المعنية وعلمت أن القضية الأولى قد جرى تحويلها للسلطات القضائية التي حاكمت القساوسة الأربعة بتهم جنائية. كما علمت أن قضية الطلاب سوف تحال قريبا إلى السلطات القضائية المختصة للاجراء. واطالب السلطات السودانية ضمان توفير الحق لهؤلاء الافراد في المحاكمة العادلة بما يتوافق مع الممارسة السليمة.
كما اعرب عن قلقي من الرقابة المستمرة على الصحف، والقيود المتزايدة على الصحفيين بشأن التعبير عن آرائهم. وفي سياق الحوار السياسي الجاري فإنه من الضرورة بمكان ازالة القيود المفروضة على حرية التعبير وتكوين الروابط من أجل خلق بيئة مواتية لحوار وطني حر وشامل. و في هذا السياق فإن ايقاف جهاز الأمن لصحيفة التيار منذ منتصف ديسمبر 2015 أمر يثير القلق، وقد تناولت هذه القضية مع السلطات وأوصيت بشدة أن تتم الاستجابة لاستئناف صحيفة التيار ضد قرار جهاز الأمن وفق مراجعة قانونية مستقلة علاوة على تخصيص تعويض كاف.
وضمن متابعتي لزيارتي السابفة وتقريري الأخير، فقد طرحت على السلطات قضية ضحايا وأسر ضحايا مظاهرات رفع الدعم عن اسعار النفط في سبتمبر 2013. ومع ترحيبي بقيام الحكومة بعملية التعويض الجارية للضحايا وأسر الضحايا فإنني أحث السلطات على النظر في القيام بخطوات اخرى للمتابعة، بما في ذلك التحريات المحايدة ومعاقبة المسئولين عن هذه الأحداث. أن منح الحصانة لمنتهكي حقوق الانسان ترسل رسالة خاطئة للضحايا و مرتكبي الانتهاكات وإلى عامة الناس مما يعيق سيادة حكم القانون.
في دارفور لا تزال الأوضاع الأمنية مرتبكة ولا يمكن التنبؤ بها، الشئ الذي يلحق أثارا مباشرة على حقوق الانسان والاوضاع الانسانية. وأنني قلق جراء النزاع الحادث في جبل مرة والذي نتج عنه موجات نزوح جديدة خاصة في سورتني و طويلة و كبكابية. كما أنني قلق بشأن الأثار الحاسمة لنزاع المدنيين على ضوء اتهامات بانتهاك حقوق الإنسان وانتهاكات أخرى خطيرة في القانوني الدولي الإنساني، بما في ذلك القتل العشوائي تدمير واحراق القرى والاختطاف والعنف الجنسي ضد النساء, و أنني اناشد السلطات السودانية، و التي تقع عليها المسئولية الأساسية في حماية حقوق الانسان في دارفور ، وكل اطراف النزاع احترام حقوق السكان المدنيين. كما اناشد الحكومة السماح للوكالات الانسانية وبعثة اليوناميد بالدخول دون أي قيد لتوصيل المساعدات الإنسانية للمدنيين المحتاجين.
واشيد بالجهود التي تبذلها بعثة اليوناميد والاتحاد الافريقي وحكومة قطر والشركاء الأخرين لتعزيز الحوار السياسي بين حكومة السودان و الحركات المعارضة المسلحة وذلك ضمن اطار وثيقة الدوحة للسلام في دارفور. وارحب بتوقيع حكومة السودان، خلال الاجتماع الاستراتيجي الذي يسرته اللجنة رفيعة المستوى التابعة للاتحاد الافريقي في أديس أبابا على خارطة الطريق الهادفة إلى انهاء النزاع في دارفور وفي المنطقتين في جنوب كردفان والنيل الأزرق. وأحث الحركات المسلحة على أن تضع مصلحة الشعب السوداني في المقام الأول أن توقع على خارطة الطريق، أديس ابابا ، من أجل تحقيق السلام والاستقرار في البلاد.
وفي غضون زيارتي لمعسكر زمزم للنازحين عبر لي الناس عن قلقهم من شح الغذاء ومحدودية فرص الحصول على المهارات اللازمة لتحسين مستوى المعيشة بما في ذلك الأنشطة المدرة للدخل بالنسبة للنساء. وعلى وجه التحديد تظل الاوضاع الانسانية خارج المعسكر مصدر قلق عظيم. فالنازحون يعيشون في حالة انعدام أمن بسبب وجود مختلف العناصر المسلحة والافعال الإجرامية التي تحدث داخل الإقليم. وقد وردت في الأسابيع المنصرمة تسع حالات اغتصاب لنساء داخل المعسكر. ووفقا للمعلومات الواردة فإن هذه الحالات قد حدثت أثناء تواجد النساء خارج المعسكر و أدائهن لأنشطة معيشية. وأنني أناشد الحكومة واليوناميد الإيفاء بالتزامها بخلق بيئة آمنة ومستقرة للمجتمعات النازحة وضمان المحافظة عليها بعدئذ.
تظل الاوضاع الانسانية وحقوق الانسان مصدر قلق مع تزايد القتال ونزوح المدنيين بسبب القتال القبلي. فقد وصل حجم النزاع القبلي وحدته بسبب نهب الماشية وللسيطرة على الموارد الطبيعية مدى غير مسبوق مع استخدام المتقاتلين الاسلحة المتطورة. وأنني على قناعة أن الحل المستدام لهذه المشكلة يقتضي اجراءات وقائية استباقية لوضع حد للافلات من العقوبة في الاقليم وحملة سلمية وحسنة التصميم لنزع السلاح من المدنيين. و أناشد الحكومة اتخاذ الإجراءات المناسبة لتقوية المحاسبية على انتهاكات حقوق الانسان إضافة لانتهاكات القانون الدولي الانساني في ولاية شرق دارفور و أجزاء أخرى من دلرفور.
وارحب بقرار الحكومة السودانية استقبال اللاجئين من الجنوب في البلاد. وعلى الرغم من ذلك فأنني أظل قلقا بشأن الظروف المعيشية المتدهورة التي يعيشونها. وخلال زيارتي لمعسكر خور عمر في الضعين احطت بنقص المسكن للاجئين و أطلعت على التحديات الأخرى بما في ذلك نقص الماء والغذاء والدواء.
كما احطت علما بالحاجة للمساعدات الفنية التي عبرت عنها السلطات المحلية في جنوب كردفان و ولاية الجزيرة ، وأشجع الحكومة والمجتمع الدولي توفير الوسائل والموارد المناسبة لهذه المؤسسات من أجل تقوية قدراتها في مجال حقوق الإنسان.
وفيما يتعلق بتفويضي الخاص بتقييم اوضاع حقوق الإنسان وابداء التوصيات للمساعدات الفنية وبناء قدرات الحكومة و منظمات المجتمع المدني، فإن هناك أجماعاً، إلى حد بعيد، بين اصحاب المصلحة المعنيين بالحاجة لبناء القدرات في شكل تدريب في مجال حقوق الانسان لموظفي ومسئولي السلطة القضائية و المفوضية القومية لحقوق الانسان والشرطة و الاجهزة الأمنية والمنظمات غير الحكومية المعنية بحقوق الإنسان من بين أخرين.
أنني مدرك لتوفر بعض التمويل للمؤسسات الحكومية الأساسية من قبل بعض الدول المانحة وتواصل انشطة الدعم الفني وبناء القدرات التي توفرها وكالات الأمم المتحدة المختلفة وبعثة اليوناميد. وأنني على قناعة تامة بضرورة توفر روح التعاون بين الحكومة والدول المانحة والأمم المتحدة لتحسين أوضاع حقوق الإنسان في البلاد. و عليه فأنني أحث الحكومة علي تسهيل عمليات وحركة بعثة اليوناميد ووكالات الأمم المتحدة في السودان بما في ذلك توفير التأشيرات في الوقت المناسب لموظفي هذه الوكالات مع اطلاق سراح شحنات الوارد من الميناء, و أعتقد أن وجود هذه الوكالات وأدءا عملها بالكفاءة المطلوبة سيحدث أثرا ملموسا في السودان.
وأنا أختم زيارتي هذه للسودان فإنه يملأني الأمل بالمستقبل على الرغم من تحديات حقوق الانسان العديدة التي تواجهها الحكومة وشعبها. وأحث الحكومة بشدة أن تؤسس على جهودها الإيجابية وأن توجه هذه الجهود من أجل أحداث تغيير حقيقي على الأرض، ويشمل ذلك ما يتم عبر تنفيذ عدد من التوصيات الواردة في تقريري السابق وتقارير الخبراء السابقين، كما أن منظومة الأمم المتحدة مستعدة لتقديم الدعم لتحسين أوضاع حقوق الأنسان في البلاد.
وشكرا جزيلا