برلين _ صوت الهامش
قارنت الباحثة في المعهد الألماني للشؤون الدولية والأمنية (سواب) “أنيته فيبر ” بين الأوضاع القائمة في الوقت الحالي في السودان وبما يدور من احداث في فرنسا، حيث أفادت “ويبر” بأنه لا يوجد في السودان ما هو أقل عرضة للخطر من مستقبل مجتمع الدولة وثقافتها السياسية.
وقالت “فيبر ” في بحث لها أن في السودان كما في فرنسا أيضاً ، خرجت شرائح من جميع الفئات السكانية – بما في ذلك الطبقات المتوسطة – إلى الشوارع. لكن خلافاً لفرنسا، فإن الاستجابات لهذه التحركات كانت أكثر وحشية والعواقب أكثر خطورة.
ورهنت “فيبر ” في بحثها الذي اطلع عليه “صوت الهامش” تطور الأوضاع في الأسابيع والأشهر القادمة إلى حد كبير، بمدى نجاح الحكومة في تحسين ظروف معيشة السكان وتحقيق المطالب السياسية بشكل موثوق، حيث سيكون مدى الدعم الذي يمكن للرئيس الاعتماد عليه حاسم.
وتكهن البحث بأن الأحداث في السودان ستمر بواحد من ثلاثة سيناريوهات محتملة، لإنهاء أزمتها الحالية، كان أولها أن تتخذ الحكومة خطًا متشددًا، حيث ستعتمد في هذا الخط على ولاء معظم الجيش، وهو السيناريو الأقرب والمنفذ حتى الآن.
وتستند “فيبر ” في استنتاجها إلى انقسام الطبقة الوسطى الحضرية في السودان بين المؤيدين للحكومة والداعمين للمعارضة السياسية، فالشباب الحضري الأصغر سنًا، دون أي انتماء سياسي، لايمتلك سور خيارين، إما أن يعزف عن الحياة السياسية وممارساتها، أو ينضم إلى المعارضة المسلحة أو غير المسلحة، ونتيجة لذلك، فإن جبهات الحرب الأهلية القائمة في “دارفور” و”جنوب كردفان” تتشكل من جبهات حضرية.
وطالما يتم إجراء تحسينات رمزية فقط، تقول “ويبر” أن الغضب الشعبي سيتم توجيهه إلى الرئيس، تمامًا كمفعول النجاحات الاقتصادية السريعة والمرئية والتي يمكن أن تؤدي إلى استقرار تحت حكم البشير.
وينشأ تصعيد آخر للوضع عندما تنفصل عناصر الجهاز الأمني عن النظام وتشكل تحالفات مع المعارضة المسلحة الحالية، حيث يؤدي هذا التشرذم إلى مزيد من التصعيد في الحرب الأهلية التي لا يمكن كسبها عسكريًا، لكنه يقضي على الموارد.
وفي ظل هذه الظروف، ستتحول الحكومة إلى دول غير ليبرالية تمول الحرب الأهلية، وبالتالي سيكون هذا السيناريو هو الأسوء بالنسبة للمصالح الغربية كطرق التجارة في البحر الأحمر، والتعاون في الهجرة ومكافحة الإرهاب.
وفي السناريو الثاني، والذي ترجحه الباحثة في حال استمرار وتصاعد الاحتجاجات، ما قد يتسبب في تفكك الجيش ودعم الأحزاب السياسية والمتظاهرين وعناصر الأجهزة الأمنية، وهو ما يضع الضغط على المستويات العليا من الحكومة، وينتج عنه انقلاب عسكري أو تغيير قيادة ناجم عن ضغوط المعارضة.
وفي وقت لاحق ، سيتشكل أولاً تحالفات جديدة تجاوز المصالح المتباينة، ثم يتبعه تحكم في العناصر المتمردة على النظام القديم، وهو ما يتطلب مستويات ضخمة من الطاقة والتركيز، وهذا يعني أنه في وقت ما، يجب على البلاد أن تتراجع عن وظيفتها كممثل إقليمي وبالتعاون مع أوروبا، وهو ما اسمته الباحثة بسيناريو مصر مبارك.
وثالث السيناريوهات كان سيناريو أثيوبيا آبي، حيث تشير الحكومة في هذا السيناريو بوضوح إلى استعدادها للتغيير، ويعلن “البشير” عن استقالته الوشيكة، ويتم الإعلان عن انتخابات جديدة وتشكيل حكومة انتقالية “وحدة وطنية” من الأحزاب السياسية وحركات المجتمع المدني من جميع أنحاء البلاد.
ويبدأ العمل على خريطة الطريق التي تركز في المقام الأول على الإصلاحات الاقتصادية، وتحاول عناصر محبطة من الحرس القديم نسف الكوكبة الجديدة، لكنها في هذا السيناريو ستكون أضعف بكثير مما كانت عليه في السيناريو السابق، حيث أن حكومة الوحدة الوطنية أكثر شمولية وبالتالي أقوى، وهو ما سينتج “سودان” فاعلة إقليميًا دوليًا وبشكل حاسم.
وفي ختام البحث، أوصت “فيبر ” بأن تحقيق الاستقرار المستدام يتطلب تحسنًا في الوضع الاقتصادي، وعملية سياسية سوية وحقيقية وشفافة، ولا بأس من أن يكون هناك حاجة إلى مساعدات مالية واستثمارات من الخارج لتنفيذ الإصلاحات الاقتصادية الضرورية.
ووفقًا ل”فيبر ” فإن الوصول إلى هذه النقطة تتطلب مشاركة أكثر تضافراً من أوروبا؛ ولكن يمكن أن تكون مفيدة فقط في الاستجابة لمؤشرات الانفتاح والرغبة في التغيير من الخرطوم، ونظرًا لأن أوروبا شريكًا جديرًا بالثقة من جانب كل من الحكومة والمعارضة، يمكن أن تعمل كوسيط في أي عملية تغيير سياسي.