واشنطن : صوت الهامش
تحت عنوان “فهْم قضية العقوبات الأمريكية والسودان”، رأت الباحثة “إستر سبراغ” ، مؤسِسة ومديرة مركز “سودان لامحدود”، أن العقوبات الاقتصادية على علاتها يمكن أن تكون أداة فعالة لتحقيق أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، لا سيما وإن كانت تلك العقوبات
واسعة النطاق وممتدة الفترة الزمنية ويجري تنفيذها بقوة.
تلك كانت هي الحال، بحسب سبراغ، في كل من العقوبات ضد إيران وكذلك السودان الذي كان أحد الأهداف الرئيسية من فرض العقوبات الأمريكية ضده يتمثل في الضغط على حكومته لوقف أعمال الحرب ضد الشعب؛ وقد كان للضغوط الاقتصادية الناجمة عن العقوبات الأمريكية أثرٌ بالغ على اقتصاد السودان الذي بات معزولا أكثر عن النظام المالي العالمي، كما أضحت معدلات التضخم أكثر ارتفاعا.
ونوهت سبراغ في مقال نشرته في موقع (هفنجتون بوست) عن أن السودان عادة ما يشتكي من العقوبات الأمريكية، لكنه يرفض اتخاذ الخطوات الضرورية لتحسين العلاقات مع الولايات المتحدة والمشروطة بحدوث تحسنات حقيقية ومستدامة في الطريقة التي تعامل بها الحكومة مواطنيها ومدى تمسكها بالتزاماتها الدولية… على النقيض من ذلك، اختارت حكومة السودان اقتراف المزيد من الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وعمليات إبادة جماعية.
وتساءلت الباحثة عما كانت لتفعله حكومة السودان بمواردها لو أنها استخدمتها لمساعدة شعبها، بدلا من مهاجمته!!، وماذا هي (الحكومة) فاعلة بمزيد من الموارد إذا لم تكن مقيدة بعقوبات اقتصادية؟! ورأت سبراغ أن أهداف البشير هي ثلاثية الجوانب: استمرار السيطرة على السودان بأي ثمن؛ وسرقة موارد البلاد لصالحه هو وقاعدته الضيقة من مؤيدين وحلفاء؛ وتغيير هوية السودان المتعدد الثقافة إلى هوية إسلامية عربية واحدة – وقد نجح البشير جزئيا في تحقيق أغراضه منذ استيلائه على السلطة عام 1989 عبر: اتباع سياسة “فرِّقْ تسُدْ” بين أبناء الشعب السوداني المتنوع الأعراق والذين استخدمهم البشير عبر تلك السياسة في قتل وتشريد بعضهم البعض، منشغلين بذلك عن الموارد ليستغلها هو وعن الأرض ليحتلها حلفاؤه؛ وعبْر تهميش السكان الأصليين؛ وعمليات فساد كبرى أنهكت الدولة بينما الحسابات البنكية الأجنبية لمحاسيب الرئيس تزداد ضخامة.
ورأت الباحثة أن استجابة المجتمع الدولي لسياسات البشير قد فشلت في وقف الهجمات وأعمال القتل والتشريد ضد الملايين من أبناء الشعب السوداني؛ فقد أرسل المجتمع الدولي بعثات حفظ سلام لحماية الشعب لكنها فشلت، كما فشلت أعداد لا تحصى من جهود الوساطة، وقد أصدر المجتمع الدولي بيانات قلق وإدانة لا تحصى لكن تم تجاهلها كافة من جانب الحكومة السودانية، كما قررت المحكمة الجنائية الدولية توقيف البشير لكن لم يتم تنفيذه، ثم كانت العقوبات الاقتصادية.
ونبهت سبراغ إلى أنه في ظل محدودية نجاح استجابة المجتمع الدولي في الحفاظ على أرواح السودانيين، إلا أن العقوبات الاقتصادية ربما كانت بمثابة “كعب أخيل” الرئيس البشير الذي بذل نظامه وجماعات ضغطه جهودا حثيثة في سبيل رفع تلك العقوبات؛ فلكي يستمر البشير في إحكام قبضته على البلاد، يتعين عليه الإبقاء على مؤيديه سعداء أو على الأقل يعوضهم بمكافآت مالية ضخمة وهي أمور متعذرة في ظل استمرار اقتصاد البلاد مقيدا كنتيجة لتنفيذ العقوبات التي تقود الولايات المتحدة جزءا كبيرا منها؛ وكان هذا الضغط المستمر محل ترحيب من جانب غالبية الشعب السوداني الذي طالب من قبل باتخاذ تلك التدابير الاقتصادية للمساعدة على إحداث تغيير قد يتمخض عن فرصة بمستقبل عادل وآمن ورخيّ للأجيال المقبلة من أبناء الشعب السوداني.
وحذرت الباحثة من أن جهود النظام وجماعات ضغطه لرفع العقوبات قد استمالت عددا من الأفراد والمؤسسات؛ على سبيل المثال: إدريس الجزائري، المقرِّر الأممي الخاص وكذلك الكاتبة إيمي ماكسمن في مجلة الـفورين بوليسي واللذين تحدثا عن الآثار السلبية لتلك العقوبات على قطاع الصحة.
وتساءلت سبراغ عما إذا كان رفع العقوبات من شأنه تحسين حياة الشعب السوداني أم أن ذلك يصب في صالح البشير ورفاقه؟! أما عن قطاع الصحة السوداني فهو يمثل حالة مثيرة للدراسة؛ ذلك أن نظام البشير قد خصخص هذا القطاع ليصير مضمارا للفساد يرتع فيه هو وأعوانه مستفيدين من وراء المرضى القادرين على تحمل نفقات العلاج فيه، أما أولئك الفقراء أو الذين يعيشون في المناطق المهمشة فإن حالتهم الصحية لا تمثل أولوية للحكومة التي تقصف المستشفيات وتطرد المنظمات غير الحكومية التي تقدم إغاثات إنسانية أو تمنعهم من دخول البلاد – إن رفع العقوبات لن يغير شيئا من ذلك، وإنما سيساعد النظام وأعوانه في اكتناز المزيد من الثروات والاستحواذ على المزيد من الموارد.
ورأت الباحثة أن الشروط الأمريكية لإنهاء العقوبات على السودان ليست معقدة؛ وريثما تتحقق تلك الشروط، فإنه من مصلحة الشعب السوداني أن تظل تلك العقوبات مفروضة مع استمرار تشديدها في القطاع المالي، كما ينبغي أن تستهدف بشكل مباشر قيادات النظام وميليشياته؛ علاوة على ذلك لا ينبغي أن يتم استدراج الدول الأوروبية لفتح صفحات جديدة مع النظام السوداني قائمة على وهم التعاون بشأن قضايا الهجرة.
واختتمت سبراغ قائلة إن شعب السودان قد عانى معاناة شديدة على مدى عقود تحت نظام البشير، وينبغي أن يكون هذا الشعب قادرًا على التطلع إلى استجابة أكثر قوة من جانب المجتمع الدولي، وإذا كانت العقوبات تمثل أضعف أنواع التدخلات، فإنه وطبقا لآثارها على النظام فإنها تبدو وقد أصابت الهدف.