لندن – صوت الهامش
كشفت كبيرة الباحثين بقسم افريقيا بمنظمة هيومن رايتس ووتش , جيهان هنري, في تقرير لها عن رغبة الولايات المتحدة الأمريكية في تطبيع العلاقات مع السودان، بغض النظر عن عقوداً من انتهاكات حقوق الإنسان تعاني منها البلاد حتى اللحظة و الموثقة جيداً من قبل منظمات عدة.
و إستندت (هنري) في حديثها إلى بيان صادر عن وزارة الخارجية الأمريكية في السابع من نوفمبر الجاري ، و بعد يوم من الانتخابات النصفية الأمريكية، مفاده أن على السودان أن يلتزم بتعزيز التعاون والإصلاحات ذات المغزى قبيل إعلان “المرحلة الثانية” من التطبيع مع الولايات المتحدة.
وأكد التقرير أن البيان يأتي تأكيدا لما أشيع عن حديث المتحدث باسم الخارجية الأمريكية لثلاثة صحفيين في الليلة السابقة للانتخابات النصفية الأمريكية، بأن الولايات المتحدة، و في ظل ظروف معينة، سترفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب .
كما أفاد التقرير بأن السودان لطالما أرادت الخروج من هذه القائمة، لتصبح مؤهلة للحصول على قروض دولية وتخفيف عبء الديون، مع اقتصادها الذي يعاني في حالة يرثى لها، كما لا يمكن أن تأتي هذه الهدية في وقت أفضل من هذا.
و علقت (هنري) على توقيت القرار بقولها أنه في ظل إلتفاف أنظار العالم لانتخابات منتصف المدة الأمريكية، لاحظ القليل هذا الإعلان، لكن العلاقات التي كانت متوترة بين الولايات المتحدة والسودان لفترة ليست بالقليلة، باتت بشكل عام تشهد تطوراً مهماً الآن
ومع وصول حزب المؤتمر الإسلامي الحاكم إلى السلطة بعد انقلاب عسكري في عام 1989 ، بدأ المجتمع الدولي في الانسحاب.
و إستشهدت الولايات المتحدة باستعداد السودان لإيواء إرهابيين مثل (أسامة بن لادن) و(كارلوس الوبال) ، لوضعها على قائمة الدول الراعية للإرهاب في عام 1993، كما سحبت سفيرها بعد ثلاث سنوات.
وفي ذات العام 1997 ، فرضت الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية شاملة، مما عزز سياستها في فك الارتباط الإقتصادي مع السودان .
و جاء في التقرير أنه و خلال التسعينيات، أدت تكتيكات السودان الوحشية المسيئة في حربه الأهلية ضد الجيش الشعبي لتحرير السودان المتمرّد، والتي كانت مستمرة منذ عام 1985، إلى إلحاق ضرر أكبر بسمعته السيئة.
فقد خاضت الحكومة السودانية ووكلائها متمردي الجنوب من غير العرب ومعظمهم من غير المسلمين، حربا شديده في المستنقعات النائية لما يعرف الآن (بجنوب السودان) . و لأكثر من عقدين من الزمن، أدت الهجمات الحكومية، وخاصة حول تنازلات النفط ، إلى تدمير المدن والقرى ، مما أدى إلى قتل وتشويه المدنيين وإجبار الملايين على الفرار.
وانتهت الحرب الأهلية الطويلة باتفاق السلام الشامل الذي تم التوصل إليه دوليًا، والذي تم توقيعه عام 2005. ولكن حتى مع تفاوض قادة السودان على هذا الاتفاق، الذي مهد الطريق لاستقلال الجنوب، كانوا مشغولين بالإشراف على حرب أهلية جديدة، هذه المرة ضد الجماعات المتمردة، والمنبثقة من الجماعات الإسلامية الأفريقية إلى حد كبير، والقادمة من المنطقة الغربية من (دارفور).
و نوه التقرير أن أساليب مكافحة التمرد في السودان كانت متشابهة، فقد قصفت القوات الحكومية وميليشيا (الجنجويد) المتحالفة مع الحكومة القرى وأدت إلى إحراقها، وقتلت آلاف الأشخاص، وقادت الملايين إلى مخيمات للنازحين أو إلى مخيمات للاجئين عبر الحدود مع تشاد.
و اتهم وزير الخارجية الأمريكي في ذلك الوقت (كولن باول) السودان بالإبادة الجماعية في عام 2004 ، وفرضت الولايات المتحدة عقوبات إضافية على (السودان) ودعمت نشر قوات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي والأمم المتحدة في دارفور.
وفي الختام باتت الحكومة السودانية تتحمل المسؤولية عن الفظائع في دارفور .
و في عام 2005 ، أحال مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة الوضع إلى المحكمة الجنائية الدولية، و التي بدورها أصدرت مذكرات توقيف بحق عدد من القادة، بمن فيهم الرئيس (عمر البشير) ، بتهمة ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية في (دارفور) وقد تهرب (البشير) ومسؤولون حكوميون آخرون وقادة مراقبون من الاعتقال.
و تطرق التقرير إلى اندلاع الحرب في (دارفور) ، و غرق السودان في حرب أهلية ثالثة – في ما يسمى بمنطقتي جنوب كردفان والنيل الأزرق – عندما حمل المتمردون من تلك المناطق السلاح ضد الحكومة بعد استقلال جنوب السودان في عام 2011.
وقال التقرير أن الحكومة استخدمت أيضا ذات الأسلوب، و قصفت و هجمت و قتلت وشوهت المدنيين، وأجبر مئات الآلاف على الفرار إلى الشمال أو إلى مخيمات اللاجئين في البلدان المجاورة.
في عام 2017 و في مواجهة مع هذه الخلفية القاتمة، بدأت إدارة أوباما في يناير من العام نفسه بعملية تطبيع مع السودان من خلال وعدها برفع العقوبات الاقتصادية إذا أحرز السودان “تقدما مستمرا” في خمس مناطق، شملت خفض العمليات العسكرية الهجومية في دارفور و جنوب كردفان والنيل الأزرق.
و كان على السودان حينها أيضاً تحسين وصول جماعات الإغاثة والتعاون مع الولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب والأهداف السياسية الأخرى في المنطقة.
و في أكتوبر من العام 2017 ، قررت الولايات المتحدة أن السودان قد أحرز تقدمًا كافيًا في تلك المناطق، وألغت تلك العقوبات بشكل دائم.
ولفت التقرير النظر إلى أن سياسة يناير 2017 لم تطلب أي تقدم بشأن حقوق الإنسان على الإطلاق، على الرغم من الإنتهاكات المستمرة والموثقة جيدا في ذلك الوقت، كما أشارت (هيومن رايتس ووتش) في ذلك الحين إلى أنه في الوقت الذي خفضت فيه السودان من قصف المدنيين في (دارفور) و(المنطقتين) ، استمرت قواته في مهاجمة المدنيين، وفتحوا النار على المتظاهرين السلميين، كما فعلت في أواخر عام 2013 ، مما أسفر عن مقتل أكثر من 170 شخصًا في شوارع العاصمة (الخرطوم) والبلدات المجاورة الأخرى.
وكشف التقرير عن اقتراح (هيومن رايتس ووتش) حينها بوضع معايير تتضمن تغييرات واضحة وسهلة القياس، منها على سبيل المثال، ينبغي للسودان إصلاح جهازه الأمني القاسي والذي يتمتع بصلاحيات واسعة في الاعتقال والاحتجاز ، والتي استمرت في احتجاز النشطاء وتوجيه تهم جنائية ملفقة ، وتعذيب المعتقلين وإساءة معاملتهم.
و اقترحت حينها تغييرات على القانون الذي يحكم وسائل الإعلام وممارسة الحكومة للرقابة السابقة، وإلغاء بعض الأحكام التي تُجرم بعض الأعمال مثل الردة، ويُعاقب عليها بالإعدام.
وأشار التقرير إلي أن بعد أقل من عامين بقليل، تعرض “المرحلة الثانية” من الولايات المتحدة إزالة إسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، مع التقدم المستمر في ستة مجالات تشمل بعض المجالات الخمسة السابقة ،بالإضافة إلى التعاون في مكافحة الإرهاب.
وأخيرًا ، تشير سياسة “المرحلة الثانية” الأمريكية إلى حقوق الإنسان، ولكنها لم توضح بعد كيف سيتم قياس التقدم في هذا المجال.
و تتساءل (هنري) في نهاية تقريرها على أنه بالنظر إلى مدى عدم شفافية عزيمة الولايات المتحدة، يتساءل المرء إذا كانت الولايات المتحدة تريد من السودان أن يفعل أي شيء على الإطلاق؟ أم أنه بعد عقود طويلة من الاستجابة لأزمات حقوق الإنسان في السودان، أصيبت الولايات المتحدة بخيبة أمل.