تَلَاحَظَ منذُ بداية العام الحالي 2016 تسارُع التدمير الإسلاموي، ببيع أراضي الدولة وتقديمها كضماناتٍ لقروض أحالوها لمصالحهم الشخصية، وتكثيف القَتلْ والإجرام بكافة صوره، سواء في عُمق السودان كالعاصمة وغيرها، أو بمناطق النزاعات (دارفور والمنطقتين). وسواء كان القتل أو بيع أراضي السودان ورَهْنِهَا، نجده يتركَّز في المناطق الواقعة خارج مُثلَّث حمدي، بما يعكس إصرار المُتأسلمين على استكماله وفرضه كأمرٍ واقع!
وللتذكير، فإنَّ مُثلَّث حمدي، عبارة عن رُؤية إسلاموية، ظهر لأوَّل مَرَّة عام 2005، عبر ورقة أعدَّها عبد الرحيم حمدي، حَصَرَت السودان في (دنقلا، سنار وكردفان)، واستبعدت دارفور والمنطقتين (جنوب كردفان والنيل الأزرق) والشرق وأقصى شمال السودان، وهي جميعاً مناطق ذات ثقافات ولُغات خاصَّة بها، كقبائل البني عامر والبجا والهدندوة وغيرهم بالشرق، والانقسنا والامبررو والبرتا وغيرهم بالنيل الأزرق، وكذلك أهلنا بدارفور وجنوب كردفان والحلفاويين والمحس بأقصى الشمال. حيث وَاجَهَ المُثلَّث نقداً كبيراً، لاستهدافه وحدة البلد ونسيجها الثقافي والاجتماعي، فسارع المُتأسلمون للتبرُّؤ منه باعتباره وجهة نظر شخصية! وهي حَجَّة مردودة يصعُب تصديقها، لأنَّ من أعلنها أحد (عرَّابيهم) وكان آنذاك يشغل منصباً حساساً (وزير المالية)، وإنَّما أنكروه لامتصاص غضب السودانيين ورفضهم القاطع لتلك الرُؤية الشيطانية.
عَمَلَ المُتأسلمون على تنفيذ المُثلَّث بأساليبٍ (خبيثة) في وقتٍ واحد، فكان الجنوب أوَّل المُغادرين بعدما أفْصَحَ البشير وعصابته عن رغبتهم الـ(محمومة) في فصله، ثُمَّ تفرَّغوا لبقية المناطق فقاموا بإشعال الحرب والصراعات بدارفور والمنطقتين، وفرضوا التعيينات السيادية والتقسيمات الإدارية استناداً للجهوية، واستهدفوا أبناء هذه الأقاليم في كل مكان وارتكبوا أبشع صور الإجرام ضدهم، لتعميق الهُوَّة بينهم وبين بقية مناطق السُّودان. ساعدهم في ذلك، بعض أبناء تلك المناطق بعضهم بالمُشاركة في الإجرام، وبعضهم بالمُتاجَرَة بقضايا المنطقة دون تقديم حلول عملية لإيقاف الجرائم وجَبْرْ الخواطر المكسورة، وانخدع الكثير من البُسطاء بالشعارات النضالية ولا يزالون. فالواقع أنَّ أهالي دارفور والمنطقتين، يحيون تحت نيران كلٍ من المُتأسلمين والمُتدثرين بالنضال، وهم وحدهم يدفعون الثمن جوعاً ومرضاً وقتلاً واغتصاباً، في ما يتمتَّع الطرفان المُتقاتلان وأسرهم برَغَدِ العيش، ويتسلُّون بالمُفاوضاتٍ والتسويف والتضليل والمُتَاجَرَة بأرواح وأعراض المُواطنين!
وعلى سبيل المثال، ورغماً عن تمسُّك المُتأسلمين باتفاقية الدوحة كمرجعية لأي حوار، تُواصل بعض الحركات المُسلَّحة الرافضة للاتفاقية حوارها مع العصابة، وتتغافل عن الإجرام الإسلاموي ضد من تتحدَّث باسمهم وتَدَّعي النضال لأجلهم، مما يعكس (تَوَهَان) هذه الحركات، ويُؤكِّد فُقدَانِها للبدائل الـ(عملية) لتخفيف الإجرام المُتزايد على أهل دارفور! وكذلك الحال بالنسبة للمنطقتين، يرفعون الشعارات وينشرون البيانات، دون أي بدائل استراتيجية (عملية) لإيقاف إجرام المُتأسلمين، وما يطرحوه من حلول مُتدثِّرة بالثورية، تحمل في دواخلها كوارثاً لا قِبَلَ للبُسطاء بها، والدليل جريمة (هيبان) البشعة وما سبقها وسيليها من جرائم، لم يفعلوا حيالها سوى بياناتهم المكرورة وعينهم في مُفاوضات إلهائية جديدة مُواصلةً للخيبة والفشل! فالشاهد أنَّ الإجرام الإسلاموي مُتزايد ولم يتوقَّف، وهو أكبر دليل على فشل النضال وتجارة الحرب! مع مُلاحظة أنَّ البشير وعصابته، يتشكَّلون من كل مناطق السودان، وما القبلية المُتفشِّية إلا مطية لإشباع الشهوات السُلطوية والمالية، للمُتأسلمين وتُجَّار الحرب على حدٍ سواء، ولا وجود (فعلي) لها في قواعد الشعب السوداني المُتمازِج والمُتزاوِج والمُتعايش بسلامٍ وأمان.
وبالنسبة للشرق، فقد باعه المُتأسلمون للسعوديين والصينيين وغيرهم، وتركوا بعض أراضيه للاحتلال الإثيوبي، الذي بدأ بالفشقة وامتد لما حول القضارف، واغتيال المُواطنين السودانيين ونَهْبْ ممتلكاتهم، وإجبارهم على الهجرة من مناطقهم التي أقامَ فيها الإثيوبيين قرىً كاملة وأسكنوا فيها مُواطنيهم، على مَسْمَعْ ومرأى البشير وعصابته الذين لم يكتفوا بهذا، وإنَّما أتاحوا ميناء بورتسودان لإثيوبيا دون عوائدٍ معلومة، أو أثر على الاقتصاد القومي أو ولايات الشرق! فضلاً عن اعتزام إثيوبيا إقامة ميناء خاص بها داخل السودان، وإقرار البشيرُ بهذا وكذبه وتضليله لأهل الشرق بأنَّه ميناء مُتخصص (للغاز) المُنعدم بالبلد، وهو أمرٌ شرحناه في حينه ولا يسع المجال لذكره تفصيلاً! هذا بخلاف حلايب التي أحتلَّتها مصر بالكامل منذ عام 1995، وهي في مُجملها تسير نحو التخلُّص نهائياً من الشرق السوداني.
وبالنسبة لأقصى الشمال، حيث الحلفاويين والمحس، فقد خَطَت مصر خُطوات عملية لالتهام شمالي وادي حلفا (رسمياً)، مُستَغِلَّةً تجاهُل البشير وعصابته المأجورة لتوغُّلاتها السافرة، واحتلَّت جبل الصحابة وعُمُوديات اشكيت ودبيرة وسره (شرق وغرب) وجزيرة آرتي كرجو وفرص (شرق وغرب) وثلاثة أرباع أرقين بجانب مليون فدَّان لمشروع الكنانة، وتمَّ بيع ما تبقَّى من أراضي للسعودية والإمارات والصين. ويُمكن القول، بأنَّ أقصى الشمال قد يكون أوَّل الأجزاء الخارجة عن السودان عقب انفصال الجنوب، ورُبَّما يحدث ذلك بالتزامُن مع دارفور والمنطقتين، إذا نظرنا لتصاعُد التعديات الإسلاموية غير المُبرَّر هذه الأيَّام، وتجاوُزاتهم الصارخة ضد أهلنا هناك، على نحو ما حدث مُؤخَّراً بهيبان وقبلها في جبل مرة وغيرها من المناطق، والذي لا نجد له تفسيراً منطقياً غير مُحاولة المُتأسلمين لدفع الأهالي (دفعاً) نحو اختيار الانفصال!
إنَّ أخطر ما يُواجهنا هو وقوع غالبيتنا في فخ أزمات المُتأسلمين المصنوعة باحترافية، وغياب الأخلاق وعدم مُراجعة القيادات السياسية ومُعاملتهم بصورةٍ أقربُ للتقديس، رغم (فشل) غالبيتهم واستنفاذ ما لديهم، وعجزهم عن تقديم الجديد والمُفيد، وتركيزهم على المناصب وتغليب الخاص على العام، واهتمامهم بالولاء خصماً على الكفاءة، وانفرادهم باتخاذ القرار، واستحواذهم على كل الصلاحيات، دون رؤى موضوعية (علمية) و(عملية). وفي غالب الأحوال، يرفض أولئك الزُعماء الإحلال والتجديد داخل كياناتهم، ويُعرقلون استقطاب الأفراد وتجهيز القيادات، ويُحاربون التقييم والتقويم، مما أسفر عن اختلافات كبيرة، وتفريخ عدد كبير من القوى السياسية (مدنية/مُسلَّحة)، في مُقابل استمرار المُتأسلمين بتدمير البلاد وأهلها.
ومن مشاكلنا الأساسية، عدم (بلورة) غاياتنا لواقع واعتمادنا على (الأماني) وانتظار الغير لتحسين حياتنا، سواء كانوا مُغامرين داخليين يُتاجرون بقضايانا، أو خارجيين يطمعون في مُقدراتنا، وإغفال أنَّنا المعنيون بالخروج من قاعنا الذي أدخلنا فيه المُتأسلمون ومن وَالَاهُمْ، فأضحى واقعنا مريراً ومُستقبل أبنائنا (قاتم). حيث يشهد السودان اختلالاً كبيراً، لا يُمكن علاجه بالشعارات الثورية والهتافية، وإنَّما بالحلول العملية والموضوعية التي نصنعها نحن (أصحاب الوَجْعَة)، وأقلَّ هذه الحلول تكلفةً هو اقتلاعُ البشير وعصابته، والحيلولة دون هروبهم أو لجوئهم للسفارات الأجنبية التي يحملون جوازاتها، لاسترداد أموالنا المنهوبة وتسديد أقساط الديون المأخوذة باسم بلادنا، ومُحاسبتهم ومُعاقبتهم على جرائمهم المُتراكمة، وتلافي استخدامهم لتلك الأموال في زعزعة البلاد بعد الإطاحة بهم، ودونكم تورُّطهم السافر في صراعات دولة الجنوب الوليدة، التي لم يتركوها ولن يفعلوا، وسيكون هذا حالهم معنا لو تركناهم يهربون بتلك الأموال الضخمة.
فلنثق بذواتنا وبقدراتنا وببعضنا، فنحن لسنا أعداء بل جميعنا ضحايا للمُتأسلمين، فلا ننساق خلف ألاعيبهم، ومشاكلنا مقدورٌ عليها إذا انقذنا ما تبقَّى من بلادنا، التي يسعى البشير وعصابته والمُغامرين معهم لتذويبها، ولو نظرنا لما فقدناه منذ بداية العام وحتى الآن لأدركنا مأساتنا. وهم ليسوا أفضل البدائل إنْ لم نقل العدو الحقيقي لكل ما هو سوداني، والانتظار والخوف لم ولن يُوقف إجرامهم، نحن فقط من سيُوقفه باتحادنا وتكاتفنا الحقيقي لمُواجهتهم، ثمَّ تعاوُننا لبناء وطن حُر ومُعافى من الأسقام.