وفقاً لصحيفة اليوم التالي في 22 مايو 2017، أعلن والي القضارف عن استرداد (كافة) الأراضي الزراعية بالفشقة من الإثيوبيين، وسيتم زراعتها بواسطة مُزارعي القضارف. ولحَبْك الكِذْبَة، أكَّد الوالي قيام (جسر العطبراوي)، وتوفير العَبَّارات لتمكين المُزارعين من الزراعة في الموسم الجديد، والمُضِيِّ في تنمية الشريط الحدودي، ومُحاربة (الجماعات المُتفلِّتة) السَّاعية لزعزعة أمن الولاية و(الجارة إثيوبيا)!
بعدها بثلاثة أيَّام، ووفقاً لصحيفة الجريدة في 25 مايو 20177، كَذَّبَ مُزارعو الفشقة (إدِّعاءات) الوالي باسترداد أراضيهم، وقالوا في بيانٍ رسميٍ أنَّ أراضيهم ما زالت (مُغْتَصَبَة)، وطالبوا الحكومة باسترجاعها والإسراع بترسيم الحدود مع إثيوبيا. ومن جانبه، أكَّد نائب الفشقة (المُستَقِل) بالبرلمان، استمرار التَوَغُّل الإثيوبي بالأراضي السُّودانية وفي مساحاتٍ شاسعة! وفي سياقٍ مُتَّصل، كَشَفَ عضو مجلس الولايات مُعتصم عبد الجليل لآخر لحظة في 7 يونيو 2017، عن استحواذ إثيوبيا على أكثر من (2) مليون فدان من أراضي الفشقة، التي وصفها بالـ(مُغْتَصَبَة)، وأضاف بأنَّها أراضٍ استحوذ عليها الإثيوبيون عُنوةً ويجب إعادتها، مُؤكِّداً استمرار تشريد المُواطنين السُّودانيين، وتزايُد جرائم القتل بسبب انعدام الأمن والاستقرار بالمنطقة! بينما ابتلع الوالي تصريحاته السابقة، ولم يُكَذِّب بيان المُزارعين، أو يعترض على إفادات كلٍ من نائب الفشقة بالبرلمان، أو عُضو مجلس الولايات المُشار إليها أعلاه حتَّى الآن!
الجدير بالشرح والتذكير، أنَّ الأطماع الإثيوبية قديمة ومُتجذِّرة، إذ بدأت مشاكلنا الفعلية معها عقب سقوط المهدية، فانتهزها منيليك الثاني والتهم أجزاءً واسعة من أراضينا على رأسها إقليم بني شنقول، ووافق البريطانيون لاحقاً في اتفاقيتهم مع منيليك عام 1902على أيلولة ذلك الإقليم لإثيوبيا، رغم عِلْمْ بريطانيا بسُّودانيته، واشترطت على إثيوبيا عدم إقامة أي مشروعات مائية على مجرى النيل الأزرق، وهذه معلومات تاريخية مُوثَّقة ولا يُجادِلْ فيها عاقل! والخطأ التاريخي الأوَّل، يتمثَّل في عدم المُطالبة بني شنقول عند استقلال السُّودان، ورغم فداحة الخطأ كان هناك أملٌ لاسترجاع الإقليم، لأنَّه آلَ لإثيوبيا باتفاقيةٍ (مشروطة)، ويُمكن نقض الاتفاقية أو تعديلها كما فعلت إثيوبيا مُؤخَّراً، حينما أعلنت (صراحةً) عدم اعترافها/التزامها بجميع الاتفاقيات السابقة، لكونها تمَّت إبان الاستعمار، وهي ذريعة اتَّخذتها لتُقيم سد النهضة! وبذات القدر كان – ولا يزال – بإمكاننا استعادة بني شنقول للسُّودان بنفس مُبرِّراتهم، رغم خيانة البشير للسُّودان بإهدائه لإثيوبيا (صَك) الأحقية الأبدية بذلك الإقليم، عقب توقيعه على اتِّفاقية سد النهضة دون المُطالبة ببني شنقول! حيث جاءت خيانته للسُّودان وأهله مُركَّبة، المَرَّة الأولى بمُحاولته وأد آمال استرجاع الإقليم، والمَرَّةً الثانية بمُوافقة على هذا السد (الكارثي) دون أي فوائدٍ معلومة، أو ضماناتٍ مُوثَّقة في اتفاقياتٍ رصينةٍ وواضحة المعالم.
وبالنسبة لخُذلانِ المُتأسلمين وتخليِّهم عن سيادتنا الوطنية، فقد سبقت كارثة السد، سكوت البشير وعصابته على احتلال الفشقة، والتعدِّيات المُستمرَّة على المُواطنين السُّودانيين حتَّى مشارف القضارف! ومن جهةٍ ثانية، ورغم استخدام إثيوبيا لميناء بورتسودان، دون توضيح عوائد/مردود ذلك الاستخدام بالأرقام وأثره على اقتصادنا، وافق البشير وعصابته على بناء ميناء إثيوبي داخل السُّودان! ولقد كتبتُ عن عَجْرَفَة ديسالين وتأكيداته لبرلمانه، بأنَّهم (سيحصلون) على أرض الميناء المزعوم، دون إشارةٍ لكيفية الحصول عليها (شراكة أم استئجار أم شراء)، وما هي التزاماتهم وحقوقهم تجاه السُّودان صاحب الأرض الفعلي! والمُصيبة الأكيدة، أنَّ إثيوبيا ستلتهم جميع المناطق السُّودانية التي تربطها بذلك الميناء، ويُؤكِّد هذا الاتجاه (أكاذيب) إقامة خطوط السكك الحديدية التي ستخدم إثيوبيا حصراً، مما يعني احتلالاتٍ إضافية لأجزاءٍ عزيزةٍ من بلادنا.
الواقع، أنَّ إهدار البشير لسيادتنا الوطنية لن يتوقَّف، لأنَّه يسعى لإنقاذ ذاته المرعوبة خصماً علينا، وهو ما دفع الطَّامعين والمُغامرين لاستغلاله/ابتزازه، ولا نُبالغ لو قُلنا أنَّ أكبر مُهدِّداتنا السيادية سببها البشير (شخصياً)، وبصفةٍ خاصَّة الاحتلالين الإثيوبي والمصري وتبعاتهما. فالبشير استجاب لابتزاز الدَّولتين، عقب تورُّطه هو وعصابته الإسلامَوِيَّة، في مُحاولة اغتيال مُبارك بأديس أبابا عام 1995، وبمرور الوقت أضافت الدَّولتين عاملاً آخر لابتزاز البشير، وهو موضوع المحكمة الجنائية الذي ترتعب أوصاله بمُجرَّد ذكرها، فبدأوا بمُغازلته بهذا الموضوع، ودونكم ما أَوْرَدَته صُحُف 10 يونيو 2017، بشأن دعوة من وصفتهم بديبلوماسيين مصريين وإثيوبيين في مجلس الأمن، لتعليق تحقيقات الجنائية ضد البشير، واحتفاء إعلامه المأجور بهذه (الجَذَرَة)! غير أنَّ اللافت في الموضوع والجدير بالتنبيه، هو تغافُل المُتأسلمين المُتعمَّد للاحتلال الإثيوبي (تحديداً)، بل وقيامهم بتضليل الرأي العام، على نحو تصريح والي القضارف أعلاه! وهناك أيضاً، على سبيل المثال وليس الحصر، التصريحات الـ(مُوثَّقة) لوزير الداخلية الأسبق ومُساعد البشير الحالي، في 7 أكتوبر 2011 عن اكتمال أعمال لجنة ترسيم الحدود بين السُّودان وإثيوبيا، ورفع أعمالها للبشير ورئيس الوزراء الإثيوبى (آنذاك) ملس زيناوي الذي مات وشِبِع موت، وحتَّى الآن لم تُرَسَّم الحدود! مع مُلاحظة أنَّ ديسالين، رئيس الوزراء الإثيوبي الحالي، نَفَى أمام برلمانه (أكاذيب) المُتأسلمين بشأن ترسيم حدود إثيوبيا مع السُّودان، وأكَّد قاطعاً بطَرْحْ ملف الحدود كاملاً على شعبهم لنقاشه والتقرير بشأنه قبل بدء الترسيم، وهو ما تفعله الدول المُحترمة مع شعوبها حرصاً على مُقدَّراتهم! علماً بأنَّ الاتحاد الأفريقي وجَّه بـ(إنهاء) ترسيم الحدود بين جميع البُلدان الأفريقية قبل نهاية عام 2016، وذلك وفق تصريحات وزير خارجية المُتأسلمين (غندور) أواخر عام 2015 وهي مُوثَّقة (أيضاً)!
إنَّ المُعطيات المُوثَّقة أعلاه، تُؤكِّد خُذلان البشير وعصابته وأنَّهم أكبر وأخطر أعداءنا، لأنَّهم أهدروا سيادتنا الوطنية وعَرَّضوا بلادنا لاحتلال الآخرين، تارةً بصمتهم على التوغُّلات الخارجية المُتلاحقة، ومُؤخَّراً بالكذب الفاضح وادِّعاء استرداد الأراضي المُحتلَّة وفق ما أشرنا أعلاه، بدلاً من اتِّخاذ الإجراءات اللازمة لاستعادتها فعلاً. ومن جهةٍ ثانية، تُؤكِّد المُعطيات أعلاه، أنَّ أطماع دول الجوار في السُّودان كبيرة، خاصَّة إثيوبيا ومصر، من واقع تدخُّلاتهما المُتلاحقة والمُتزايدة. أمَّا البشير المُتخاذِل وعصابته المأفونة، فسيهربون مع أوَّل هَبَّة أو فوضى يسعون لإحداثها الآن، فغالبيتهم يحملون جوازاتٍ أجنبية، ومن الصعوبة مُحاسبتهم ومُعاقبتهم لو هربوا، كما يصعُب استرجاع مُمتلكاتنا التي منحوها للآخرين باسم السُّودان، وسنكون مُلزمين بتسديد تكاليف استعادتها، وهذه الحقيقة التي علينا إدراكها جيداً. وحديثي هذا ليس لاستعراض خُذلان المُتأسلمين، وإنَّما للتوعية وتثبيت/توثيق إجرامهم للتاريخ، ومُحاولة لتوحيد وحشد الطاقات وتعطيل مُخطَّطاتهم لبيع وتمزيق البلاد.
الفرصة ما زالت مُواتية لإنقاذ ما تبقَّى من البلد ومُعالجة الخُذلان الإسلامَوِي، وهذه مسئوليتنا نحن السُّودانيُّون تبعاً للمساحة المُتاحة لكلٍ مِنَّا، ووفق تخصُّصاتنا وقُدرتنا على تكييفها لصالحنا. وفي هذا الإطار، وعلى سبيل المثال، يُمكن للأخوة القانونيين الشُرفاء الإسراع بإعداد (عرائض/مُذكِّرات) قانونية دولية وإقليمية رصينة، لتثبيت حقوق السُّودان كخُطوةٍ عاجلة، ولتكن البداية بسد النهضة استناداً لنفس مُبرِّرات نقض إثيوبيا للاتفاقيات السابقة. وبدأتُ بالسد، لأنَّه أكبر وأخطر مُهدِّداتنا السيادية آنياً ومُستقبلاً، وبإمكاننا (توثيق/تثبيت) الكثير من الفوائد التي (جَبُنَ) البشير عن تثبيتها، وتأطير اتفاقية السد بإدخال شروط/بنود تضمن حقوق وسلامة مُستقبل أجيالنا القادمة، وهذا حقٌ أصيلٌ لنا ولا علاقة له بعلاقات الشعبين، إذا حاول بعض المُتخاذلين التدثُّر بهذا العُذر، فالمسألة هنا سيادة وطنية بحتة ومُستقبل أولادنا وبلادنا وسلامتهم، ولا يجوز التهاوُن فيها والتلاعب بها. وعلى كياناتنا السُّودانية (مدنية/مُسلَّحة) مُساعدة القانونيين بتبنِّي وتقديم هذه العرائض/المُذكِّرات الدَّولية والإقليمية، وتسمية مُمثِّليها بشكلٍ رسمي وواضح وعاجل، لإكساب الخطوة القُوَّة المطلوبة وعكس رغبة وجدية هذه الكيانات، في تقديم المُفيد للسُّودان الدولة والكيان (أرض+شعب). وهو أمرٌ سبقتهم عليه الكيانات الإثيوبية حينما سمعوا بمسألة ترسيم الحدود، حيث رفعوا مُذكِّرة لأمين الأُمم المُتَّحدة، رفضوا فيها الخروج من أراضينا التي أحتلُّوها عُنوةً، مما دفع برئيس وزُرائهم ديسالين للالتزام/التعهُّد أمام برلمانه، بعدم اتخاذ أي خطوة بشأن الحدود إلا بعد الرجوع للشعب، وتجدون أدناه رابط خبر المُذكرة.
وبالتوازي مع التحرُّكات القانونية، نحن مُطالبون كشعب (على اختلاف مشاربنا وأحزابنا وعقائدنا ومناطقنا)، بتجاوُز الفِتَن التي غرسها المُتأسلمون بيننا، والوقوف صفاً واحداً لاقتلاعهم من الجذور باعتبارهم عدوَّنا الأوحد. فنحن جميعاً ضحايا لبطشهم الذي طَالَ كل السُّودان، بدءاً ببورتسودان وكسلا ودارفور والمنطقتين، وانتهاءً بكجبار ومدني والقضارف والخرطوم وغيرها من المناطق! ولنُدرك تمام الإدراك بأنَّ الخوف والصَمْتُ، لم ولن يُحافظوا على بلدنا من عبث هؤلاء السَّاقطين! وانتظار العالم الخارجي أيضاً لن يخدمنا، لأنَّ العالم كله يدعم بقاءهم طمعاً في مُقدَّراتنا، نحن فقط المعنيون بإحداث التغيير المنشود، والذي لا يكون بمُتابعة تفاهاتهم وأخبارهم المضروبة، كإعفاء واعتقال هذا أو تَعْلِيَة ذاك، فهم جميعاً سَّاقطون وخَوَنَة وعُملاء ومُجرمين.. وللحديث بقية.
ملاحظة هامَّة:
عقب إكمالي لهذا المقال، قرأتُ تصريحاً للسفير الإثيوبي بالخرطوم لصحيفة المجهر السياسي 18 يونيو 2017، يُعلن فيه عن اكتمال ترتيبات التحويلات المالية بين الخرطوم وأديس أبابا، وربط البلدين بالسكة حديد والنقل البري وتخصيص نقطة جمركية واحدة، وذلك في إفطارٍ أقامه للـ( إعلاميين ).. فتأمَّل ..!
للإطلاع على نص الالتماس (العريضة) الإثيوبية كاملاً إليكم الوصلة التالية:
http://ecadforum.com/2015/12/16/petition-letter-to-un-secretary-general/