الخرطوم – صوت الهامش
بالنظر إلى كشف حسابه المصرفي، يبدو للوهلة الأولى أن “عصام علي” لاينقصه المال، ولكن في “الخرطوم” التي تعاني من ضائقة مالية، يصبح “عصام” أيضاً كذلك.
هكذا بدأت وكالة “بلومبيرغ ” الاقتصادية تقريرها حول أجهزة الصرف الآلي في السودان، باعتبارها مؤشراً على الرفاهية الاقتصادية من عدمها، وواحدة من أهم مظاهر التطور في الحوكمة الإلكترونية.
يبرز التقرير حكاية “عصام” الذي يبلغ من العمر 45 عاما، و يعمل كمحاسب مالي ، و الذي اعتاد الوقوف في طابور طويل، أمام واحدة من أجهزة الصراف الآلي القليلة في “الخرطوم” ، التي ما زالت توزع الأوراق النقدية، حيث يقف في ذلك الطابور عدة مرات في الأسبوع، منتظراً عدة ساعات لسحب الحد الأقصى اليومي البالغ 2000 جنيه سوداني (42 دولار).
و تقل قيمة هذا المبلغ الشرائية على نحو متزايد، ما بالكاد يكفي لإطعام عائلته، حيث بلغ التضخم في “السودان” أعلى مستوياته خلال العقدين الماضيين، مما أدى إلى تراجع الآمال في رفع العقوبات الأمريكية عن عام 2017 ، وهو ما كان متوقعاً ان يؤدي إلى انتعاش اقتصادي.
ويُذكَّر التقرير بمعانة “الجنيه السوداني” هذا العام، بثلاثة تخفيضات في قيمته، بعد أن سارع البنك المركزي إلى طبع المزيد من الأموال بالتعاون مع حكومة لا تستطيع إلا أن تعد بشفافية أكبر، بينما يقوم الرئيس “عمر البشير” بتعيين و عزل وزرائه بشكل دوري.
يكمل “عصام” و هو أب لطفلين، و يشعر بندرة الاستثمارات الأجنبية في “السودان” ، ونقص مزمن في السيولة في حسابه المصرفي : “الأمور تسير من سيئ إلى أسوأ، والحكومة تغير الحكومة فقط لشراء الوقت”
انكماش اقتصادي
ورأي التقرير إنه على الرغم من رفع معظم العقوبات، لاتزال “الولايات المتحدة” تدرج اسم “السودان” كدولة “راعية للإرهاب”، وهو تسمية يلقي المسؤولين باللوم فيها على عدم وجود استثمارات كبيرة و جديدة، حيث يبلغ معدل التضخم 70% تقريباً، ويتداول الجنيه السوداني عند 47.5 مقابل الدولار، و يتوقع “صندوق النقد الدولي” إن الاقتصاد قد ينكمش بنسبة 2.3% هذا العام.
يقول “حامد التجاني” – أستاذ الاقتصاد السوداني بالجامعة الأمريكية في القاهرة – : “لقد فقد الناس الثقة في النظام المصرفي، و أصبح الاقتصاد أكثر من نظام بدائي للتبادل و المقايضة، والحكومة لا تملك أداة لجذب الأموال إلى البنوك”.
في حين أن العقوبات الأمريكية (التي فرضت في عام 1997 على السودان بسبب مزاعم بالإرهاب) ضربت وكالات الحكومة السودانية التي تقدم الخدمات الأساسية، فإن النخب في البلاد غالباً ما وجدت وسائل للتحايل عليها، وإنشاء الشركات التي استفادت من الوصول التفضيلي إلى العملة الصعبة والعقود.
واتهم “البشير” مراراً الولايات المتحدة،، بأنها سبب متاعب “السودان” الاقتصادية، إلى جانب المؤامرات المزعومة من قبل دول غربية أخرى، كما كرر أكثر من مره أن “القطط السمان” بما في ذلك المصرفيين المجهولين، وتجار السوق السوداء، والمهربين، يتحملون المسؤولية أيضا.
و في السياق ذاته، أعلن رئيس الوزراء “معتز موسى” في أكتوبر المنصرم، عن خطة لمدة 15 شهراً لتقليص التضخم، وخفض الإنفاق. وتعهدً “موسى” بالرقابة الصارمة على الإنفاق الحكومي، ومعالجة الفساد، وحماية ذوي الدخول المنخفضة، كما استبعد إلغاء أي إعانات في ميزانية عام 2019 ، حيث أدى إلغاء الدعم عن الطحين والكهرباء في يناير إلى اندلاع احتجاجات شعبيه، و أسفرت عن عشرات الاعتقالات.
و ينتقل التقرير إلى معاناة إنسانية أخرى، خلفها التدهور الاقتصادي و سوء إدارة الموارد في الإقتصاد السوداني، “عبد الله إسماعيل” ، البالغ من العمر 55 عاماً، حيث يشتكي “عبدالله” من أن وظيفته اليومية لا تكفي لتغطية نفقاته، حيث يعمل موظف في ورشة شركة خطوط السكك الحديدية السودانية، و ينفق “عبدالله” نصف راتبه الشهري البالغ 4 آلاف جنيه سوداني على إيجار مكان معيشته المتواضع، ثم يضطر إلى الموازنة بين احتياجاته من المواد الغذائية ، والنقل ، والكهرباء ، ورسوم المدارس بما تبقي من راتبه.
سجن الدين
و يشير تقرير “بلومبيرغ ” إلى شقٍ آخر من معاناة المواطن السوداني في ظل تخبط الحكومة في قرارتها الإقتصادية، و التي يتحمل توابعها و نتائجها المواطن السوداني وحده.
يحكي هذا الجزء من التقرير عن معضلة “الدين” التي أثقلت كاهل “اسماعيل” الذي أقترض شأنه كشأن معظم الناس في السودان، حيث أقترض عشرة آلاف جنيه من بنك محلي، لشراء سيارة أجرة صغيرة، يجني بها أموال إضافية، لكن الأرباح الجديدة التي جناها تأثرت بسبب ارتفاع النفقات، فتراكمت عليه الأقساط لمدة ستة أشهر.
يقول “إسماعيل” : “لقد فشلت، وأنا الأن في خطر التعرض للسجن بسبب الدين غير المسدد”.
في هذه الأثناء، تبحث الفتاة السودانية “زهرة أحمد” الطالبة في مجال الفنون بجامعة الخرطوم، و تبلغ 21 عامًا من عمرها ، عن أي عمل متاح، لتغطية نفقاتها ورسومها الدراسية.
تقول “زهرة” : “لا تستطيع عائلتي توفير نفقات الدراسة بالنسبة لي، وكذلك شقيقتي”.
أدى انخفاض أسعار النفط، و فقد السودان لجزء كبير من انتاجه و احتياطيه من النفط بعد انفصال “جنوب السودان” إلى غرق “السودان” في أزمة، لكن دخول البلاد في اتفاق جديد لإنهاء الحرب الأهلية مع “جنوب السودان” لمدة خمس سنوات، قد يؤدي إلى تعويضها عن ما فقدت.
وفي الوقت الذي يعزز فيه “جنوب السودان” إنتاجه من النفط الخام، قد يعني ذلك إيرادات إضافية “للسودان” ، حيث ستقوم بتحصيل رسومٍ لنقل النفط عبر خط أنابيب إلى ميناء على البحر الأحمر، حيث ضخت “السودان” نحو 86 ألف برميل يومياً من نفطها العام الماضي، وفقاً لشركة (بي بي).
بديل النفط
ووفقاً لما صرحت به وزارة المعادن في “السودان” فإن “الذهب” قد يوصف بأنه بديل “للنفط” ، حيث تقدر واردات صادرات حوالي 10.7 طن متري من الذهب بما قيمته 422 مليون دولار، في النصف الأول من عام 2018. لكن الحكومة تشكو من أن معظم الصادرات لا تمر عبر القنوات الرسمية ووعدت بخطوات لمواجهة التهريب .