د.بخيت أوبي
حينما يتحدث الناس عن النخب ودورها الرائد في بناء الدول والانطلاق بها من كبواتها وازماتها وتخلفها الي عهود جديدة من الرقي والازدهار والرفاة لشعوبها، من خلال قرارت مصيرية وفاصلة وعزيمة لا تلين، وافكار لا تخبو او تنطفئ حتى تري واقعا معاشا، فالاحالام والاشواق والتطلعات المشروعة تتحول من الصور المرسومة في العقول الى صور اخري مرئية وملموسة يتلمسها ابسط انسان يعيش في تلك الرقعة الجغرافية المتميزة بثقافتها وحضارتها وتاريخها وارثها ولغتها وتباين عاداتها وتقاليدها ومشارب ومنابع افكارها وانتاجها الثقافي والعلمي، وبذا تكون تلك النخب مكانها جنبات وجوانح نفس كل مواطن في الوطن يبجل ويحترم ويسطر انجازاته فى صفحات القراطيس ومدونات التاريخ ومخطوطات الحضارة كل يعبر عنها بطريقته الخاصة وتدور في محورها الفن والتراث والتاريخ، وتضحي ملهمة وشاحذة للهمم تهتدي بهداها الاجيال وتسير على نير دربها المتأخرين يجدون فيها مرتكزا واساسا متينا يقوي على حمل الانجازات اللاحقة مهما كانت عظيمة فانها لاتطفئها بل تزيدها بريقا والقا بحيث يمتزج فيها عصرية الحاضر بعبق الماضي وتطلعات المستقبل. والامثلة متعدده منها اعتزاز الهنود بغاندي والجنوب افريقين بمانديلا واعتزاز الامريكيين بكيندي وهكذا دواليك.
ما يلي النخب السودانية لا يمكن ان ينكره العاقل فمجهودات الثلة الاولى التى عملت جاهدة في تحرير البلاد من براثن الاستعمار عبر الحقب الممتده في تاريخ الدولة، تخللتها نضالات وتضحيات ونكران للذات حتى تكشفت صورة السودان في جغرافية العالم، ونال اعتراف العالم اجمع بحيث صارت دولة مستقلة يعرف باسم السودان، ولكن تلك الاحلام والتطلعات التى سطرها المتقدمين وانتاجهم الملموس، ماذا فعل به النخب بعد الاستقلال؟
ماذا فعل به النخب بعد اربع وستون ربعيا بعد الاستقلال؟ لم تفلح النظريات والافكار والانتاج الكثيف من الكلمات الجميلة والمعسولة وهندسة المصطلحات ، وتهجين الافكار المتغربة والخطابات الرنانة، والمؤتمرات والورش والانتاج الفكري من المؤلفات التي تضيق بها رفوف المكتبات في الجامعات والمكتبات الخاصة، وتفنن الساسة في فن الخطابه واستدرار العاطفة، لم يكن احد يجانب الصواب ان قال انهم اكثر النخب في العالم يجيدون الحديث ويتفنون في الخطابة، من افصح من يمشي على وجه البسيطة، ولكن الفشل يبدو واضحا بحيث لا يخطئه عين ترى فى كافة مناحي الحياة، الاجتماعية والثقافية والاقتصادية والسياسية والتربوية وهلم جرا، اهو فقر الفكر ام قصور في التطبيق اهو يكمن في الفكر ام في الممارسة، الم تسيروا في جنبات الارض، تروا انجازات الشعوب وتاكلوا من ثمراتها وتنهلوا منمناهلها ، ليس عيبا ان تتعلموا من الاخرين ان فشلتم في بناء دولتكم، الم تدرسوا في ارقى جامعات العالم، الم تتجولوا في مدن العالم، اين الدروس التى استخلصها النخب حتى يمكن ان يستفاد في واقع السودان ؟ ان الفكر الذي لايغير في حياة الشعوب حالهم ومآلهم يجب ان يسقط من ادابير الكتب . فالمحير الفشل والخيبة في كل مناحي الحياة على مدي ما يقرب سبعة عقود لا نجاح في بناء دولة ولا النجاح في الحفاظ على الاخلاق والقيم والتسامح. فكان الهدم ببراعة حيرت العالم بحيث صرنا في القرن السادس عشر و نعيش علي انقاض دولة لا تحتاج الى انهيار، فهي اصلا منهارة، والمستغرب حقا الصراع علي الانقاض هي السمة الغالبة، فادوات القرن السادس عشر التي استخدمها النخبة افلحت في التدمير بامتياز ، وما هو ظاهر الان للعيان تجلياتها وتجليات ازمات وشطحات الفكر المشلول للنخبة، فاذا امتدت الدولة واتسعت ونمت من اطرافها الى مركزها بصوره مدروسة ومخططة باستبعاد كل العوامل الاخري المناطقية والقبلية والطائفية والدينية والثقافية والتصورات المسبقة والعدوات المتوارثة والغبن المستحكم والميل الى الاحتكار والانانية والاستعلاء والاقصاء وعدم قبول الاخر والنظر بعين واحدة والميل للعاطفة والولاء الضيق وتعطيل العقل والمنطق، اذا تم استبعاد ذلك كله وغيره الكثير يصعب حصره وتعديده، للمسنا دوله متحضرة يعمل فيه الكل بانسجام تام ونكران ذات، كنا في قمه القائمة لا ذيلها، وما شكى احد من بطش احد، وما عاير احد اخر لجهله وهو الصانع لهذا الجهل، ومن بنات افكاره يوما ما، بتوجيه ما دونه لاقصاءوتجهيل من يجأرون بالشكوي منهم اليوم بعد ان استنفدوا الاهداف ا لمرسومة لهم ، ماذا يتوقع الناس من اشخاص لم يوفر لهم الدولة فرصة في التعليم او العلاج او العمل سدت في وجوههم كل منافذ الحياه، غير حمل البندقية، ما يلام الشخص ام من صنع هذا الشخص وضيق فرص الحياه عليه، ما ذا يتوقع الناس من اشخاص يشربون من مسيرة ايام مياه ملوثةويموت الشخص بسبب لسعه ثعبان ، ماذا تتوقع من شخص عاش في عصر ماقبل التاريخ في ظل ما يسمي الدولة، هل هو فشل القمة ام القاعدة، ازمة فكر ام ازمة ضمير واخلاق، فما جناه السودان الان حصيله وبنات افكار النخب السياسية، فالمطلوب مواجهة الحقائق وايجاد حلول موضوعية بدل الصراخ وخطاب الكراهية الذى لا يجدى الا في انتاج المزيد من الازمات والتمزيق، القادة يتميزون بالشجاعة والاعتراف بالخطأ بدلا عن بناء الحقائق على الاوهام والاكاذيب وفن اختلاق الوهم وتسويقه، فالصراع على الانقاض يتجلى عندما يتدلي النخب من تفكيرهم السطحى، ومحاوله مداراة قرص الشمس باليد، فقط زيارة الى القري والفرقان والمعسكرات ابلغ من قرأة الف كتاب وكتاب، ومن هنا يبدا التحدى والمحك الحقيقي في طريق رسم خارطة مفاهيمية وتنموية جديدة للدولة السودانية، هنا الاختبار الذى يسقط على ابوابه كل الاوهام والنظريات والخطب الرنانه.مبدأ تثقيف النخب وتنويرها وتذكيرها ب واجباتها وازاله عماها الواقعى وجهلها بالواقع المعاش لغالبية السكان على هامش الحياة وعلي جرف الدولة وعلى هوامش التاريخ، خاصة الاقاليم تحت المهمشة وتحت المتخلفة وتحت عصر المعلومات .