صلاح شعيب
كانت الاستاذة أمو صوت الفور الذي يعرف بالسودان كما رغبته حرا، وكذا هي صوت السودان الذي ملمحه التمايز الجغرافي. إذ ناضلت من اجله، ودفعت ثمنا باهظا من نظام الجور. كانت فرنقبية أمو الصاخبة، والحزينة، تضبط موقفا سياسيا صلبا، ونغمها العاطفي يرن في عمق وجدان أهل الجبل فيما تختزل في قسماتها الفوراوية المميزة تاريخا ضاربا في القدم.
هي التراث يجلل ذاتها، وحضورها، ومسرحها، وهي نفسها بنت السلاطين التي حافظت على إرث أجدادها بأن جعلت تراث الفور محفوظا. ولذلك حولت الغناء سبيلا للمقاومة ضد ثقافة التكليس التي ترفض التعدد، وتحبذ الانغلاق، وتغمط الحقوق الثقافية.
ماتت الميرم أمو بعد أن عاشت التشرد الذي ابعدها عن شعاب سلسلة الجبل، حيث هناك تستمد شرعية وجودها، وتناغم الطبيعة الخلابة لتشجيها، وتنط بين غدير وآخر وهي صادحة، ومتأملة، وفرحة.
ميلودي امو جميل، وأخاذ، وصوتها ندي وعميق وكثيرا ما ألوذ لسماعها وأحس معاني كلماتها بما يأتي من نبرات صوتها الحزينة، والشاحذة، والمتأملة،
ألهم أرحم الأستاذة مريم عبدالله امو التي أخلصت للقضية السودانية، وعبرت عن صوت إبداعي صادق لبناء وطن للتسامح الديني والثقافي والاجتماعي، وسيظل تراثها الفني زادا للأجيال كما كان زادا للمناضلين من أجل دولة المواطنة.
والعزاء لأهل التعدد السودانيين عموما ولأهلنا في دارفور، وكذا ابناء وبنات الفور تحديدا، وخالص المواساة لأسرتها المكلومة، ومحبي فنها الراقي. ولا مناص أن غناءها الشجي باق، وغيابها هو الحضور أتمه، وفرنقبيتها ستظل تتابع في الرزم لتصنع الغد.