الخرطوم _ صوت الهامش
للسيطرة على المجتمع، والبقاء لزمن أطول في السلطة، أسس نظام الإنقاذ، عدداً من المليشيات المسلحة، أبرزها “الوحدات الجهادية بالجامعات، والدبابين، والدفاع الشعبي، والشرطة الظاعنة، وام باقا، والجنجويد، وحرس الحدود، والدعم السريع” .
وارتكبت هذه المليشيات انتهاكات فظيعة لحقوق الانسان بصورة واسعة في السودان، خاصة في “دارفور، وجبال النوبة، والنيل الأزرق” وعلى خلفيتها، اصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتي “اتهام” ضد الرئيس المخلوع عمر البشير، وعبد الرحيم محمد حسين، واحمد هرون، وعلى كوشيب واخرين.
وبعد سقوط البشير، تعالت أصوات الثوار والأحزاب السياسية، ومنظمات حقوق الانسان، مطالبة بحل جميع المليشيات، وتسليم المتهمين للجنائية الدولية، غير ان وجود قائد مليشيات الدعم السريع، محمد حمدان حميتي في السلطة، تصبح عملية تسليمهم للجنائية وحل المليشيات من المستحيلات، ويرى مراقبون، إن المليشيات، تشكل عائقا لانتقال السودان للنظام الديمقراطي في السودان.
المليشيات أكبر مهدد للسلام وللتحول الديمقراطي
في الإطار، قال الناشط، سالم النو لـ (صوت الهامش) العوامل الأولية التي أدت للصراع بدارفور بتعقيداته فهما صعب، وكانت أرضية خصبة لزرع أي فكرة شريرة لتقسيم المجتمع وخوض الحروب بالوكالة، ان فكرة المليشيات كقوات شبة نظامية صنعت للدفاع عن السلطة وحمايتها، مثلها مثل قوات الشرق، وقوات الكتيبة الغربية قبل تنظيمها.
ومضى النو قائلا: إن المليشيات في السودان، هي امتداد لقوات حفظ السلام التي صنعها رئيس حزب الامة، الصادق المهدي ايام حكمه، حيث حرقت الأخضر واليابس بدارفور، وسفكت دماء الأبرياء دون مبرر، وشردت المواطنين، وسرقت أموالهم، لأن السلطة كانت تحميها.
وتابع: من ناحية الشكل إن المليشيات كقوة قتالية مرت بعدة بمراحل، حيث كانت “ام باقة ثم بعدها الجنجويد، ثم حرس الحدود، فالدعم السريع” اما من حيث المضمون، فهي قوات ذات طابع عرقي، استقطبوا لقتال الحركات المسلحة، ولم تقف هنا بل استغلت لقتل الأبرياء المصنفين كحواضن اجتماعية لتلك الحركات.
لافتا: الي ان المصالح المتعارضة أصبحت مهددة لمساعي المليشيات، ويصعب مواجهتها وأن الدولة غير قادرة على انتزاع سلاحها او ضمها للجيش، لأنها أصبحت قوي قتالية تهدد تماسك القوات المسلحة نفسها، ناهيك عن الشعب.
فيما يخص تعارض المصالح، وغياب القدرة للتخلص من مليشيات الدعم السريع، وعدم تسريحها، ويخشى منها الكثيرون من أن تعرقل عملية الانتقال الديمقراطي في السودان ويصبح كمجهورتي “العراق لبنان” يرى النو: إن المليشيات هي أكبر مهدد للسلام وللتحول الديمقراطي.
الدولة متضررة
وفي سياق متصل قال أستاذ العلوم السياسية بالجامعات السودانية البروفيسور. صلاح الدين عبد الرحمن الدومة: لـ (صوت الهامش) إن الاعمال القبيحة لنظام الإنقاذ ما تزال مستمرة، في كل انحاء السودان، وفلوله في حالة حرب شعواء ضد الدولة والشعب والحكومة، ويوجدون في كل المؤسسات، يعملون لإفشال الحكومة، بالتالي تنظيم انتخابات مبكرة. بيد أن الحكومة منذ اداءها لليمين الدستورية مضى عليها زمن قليل جدا، وليس بالإمكان الحكم عليها بالفشل، ومن يفعل ذلك غير موضوعي.
وأضاف الدومة أن في اي دولة جيش واحد فقط، ووجود مليشيات الدعم السريع، يعتبر نوعا من العبث، ويجب ان ينتهي، بضمها للقوات المسلحة تكون تحت أمرت وزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان، مطالبا بتنفيذ الاتفاقات المحلية او الدولية كاتفاقي “الإعلان السياسي والوثيقة الدستورية” التي الموقعتان بين المجلس العسكري سابقا وقوى الحرية والتغيير، ويجب حل كل المليشيات بما فيها الدعم السريع، وتقديم أي شخص ارتكب جريمة يجب ان يقدم للمحاكمة.
مبينا ان الدولة متضررة من المليشيات، مطالبا مجلس السيادة والسلطة التنفيذية حلها إذا كانا جادين، وتابع بالقول: “الافعال تصدق الاقوال” والمليشيات هي امتداد للمؤتمر الوطني الذي يرفض كل شيء فيما يتصل بالإصلاح السياسي في البلاد، بيد انه وافق على الأسواء في الأخير.
الثورة ارست “حرية التعبير”
اما الصحفي حاتم درديري فقال لـ (صوت الهامش) أولا عندما نتحدث عن المليشيات يجب معرفة الاسباب التي دفعت “نظام الانقاذ الاجرامي العنصري تأسيسها”؟ تابع بالقول: عندما كان يتلهف قطف ثمار سلام والاحتفال به مع الحركة الشعبية بقيادة الراحل د. جون قرنق، اندلعت حرب جديدة بدارفور، وكعادته استخف بها وبالمطالب المشروعة التي كانت سببا لها، قرر مواجه الحركات المسلحة، وعندما فشل، أسس ميلشيات “الجنجويد، وحرس الحدود، والدعم السريع” وضرب بها النسيج الاجتماعي، بحجة ان العرب مستهدفون، وهذه كانت أوهام.
مؤكدا على ان النظام، استغل الصراعات بين المزارعين والرعاة، وجنّد القبائل لتواجه الحركات المسلحة وخلالها أسقط ضحايا وشرد اخرين، وانتهك كرامتهم الانسانية باغتصاب النساء وارتكاب الإبادة الجماعية وكسابقة تاريخية في السودان.
وشدد حاتم على ان العقيدة القتالية للميلشيات تقوم على القتل والاغتصاب وانتهاك كرامة معارضو النظام، وأن المؤسسة العسكرية السودانية “الجيش” لم تحمي الوطن، بل تفرغت لقتل شعبها واجهدت الديمقراطية، وهي ليست قومية، ولكن ليس معنى ذلك استبدال الجيش بالمليشيات.
ومضى بالقول: اللجنة الأمنية التي شكلها البشير كانت منوطة بقمع الثورة واخمادها حتى يصل لانتخابات 2020 ويعود للسلطة ومواصلة سياسة “النهب والقتل والتعذيب والابادة الجماعية” والبحث عن سلام او تسويات مع بعض الحركات المسلحة “الهبوط الناعم” ويمنحها امتيازات اجتماعية واقتصادية وسياسية، بيد أن هذا النهج فشل في تحقيقه السلام المستدام بالبلاد منذ استقلالها.
موضحا ان بعد انطلاق الثورة، بان اللجنة، زعمت انحيازها للثوار، غير انها كانت مجبورة للتخلي عن البشير، وبالتالي الالتفاف على الثورة نفسها، وفي 11 ابريل صنع البعض صورة “زاهية” لمليشيات الدعم السريع، ظنا منهم انها انحازت للثورة، ولكن “مجزرة القيادة العامة ” التي شاركت فيها خيبت ظنهم، وتيقنت المليشيات أنها “كرت محروق” وبالتالي بدأت تبحث عن حاضنة سياسية واجتماعية لها.
ويرى أن بعض المثقفين والمؤمنين بجدلية “المركز والهامش” وقعوا في اخطاء من خلال اعتقادهم بأن حميدتي ضحية استخدمه النظام لقمع اهله، وأن الانتقادات التي توجه اليه، نابعة من عنصرية “بغيضة” لأن حميتي “غرابي” ومضيفا أن هنالك من يدعم شرعية الميلشيات، ولكنهم يخجلون من الجهر بذلك بسبب سجلها السيئ، وأن الجرائم التي ارتكبتها بدارفور، تكررت بالخرطوم.
وأعرب حاتم: عن أسفه لما قاله وقوع بعض مثقفو دارفور وقادة الحركات، في “فخ” حميدتي بسبب الانتماء الجغرافي، وأردف قائلا: ان بعضهم وصفه بالعضو الاصيل بـ “الجبهة الثورية” وطالبوه بعدم التخلي عن ميلشياته، لأنها تمثل الأمل في تحطيم “المركز أو دولة الشمال النيلي وتشكل رعبا متساويا للسودانيين، وهذه انتهازية، وتناسوا الانتهاكات التي ارتكبتها ضد اهلهم، وفي الوقت عينه يزعمون الدفاع عنهم”
متابعا: لو سألت مواطن بسيط من دارفور، يعيش في العاصمة أو الولايات، عن مليشيات الدعم السريع، يحكى لك القصص المرعبة والانتهاكات التي شاهدها. أن الحركة الإسلامية، لم تتمكن من نهب مواردهم الاقتصادية لأنهم رفضوها، وما دفعها إطلاق يد ميليشياتها تسيطر على جبل “عامر” الغني بالذهب.
ولفت حاتم على ان الثورة ارست “حرية التعبير” يجب الاستفادة منها لفضح الحلفاء الجدد من بعض القوى المدنية والحركات المسلحة مع المليشيات، والتصدي لمن يعتقد انتقادها (عقرب يلعب مع الأطفال) وشرعتنها لتأسيس حلف جديد يدمر النسيج الاجتماعي السوداني.