تقرير ــ شمسون يوحنا
ظاهرة الإقصاء، وممارسة التمييز الديني، والإثني والعرقي بين المواطنين، في السودان، من الظواهر التي صارت ملازمة للبلاد منذ استقلالها، حيث انتهجت معظم الحكومات التي تعاقبت على الحكم، عملية التمييز، وكان ذلك أكثر شدة، عند تولي نظام الإنقاذ البائد سدة الحكم في 1989، بعد أن تبنى مشروع ”الاسلاموعربية“ الذي يركز إهتمامه على من ينتمون للعروبة، ويدينون بالاسلام فقط.
أما من كان خارج ذلك المشر وع، فقد تم اقصاءهم من كل أجهزة الحكم، مع ملاحظة أن الذين تم اشراكهم خارج مظلة العروبة والاسلام، كان ذلك لأجل ”الترميز التضليلي” ، حسب وصف الكاتب السوداني ابكر ادم اسماعيل .
وعند سقوط النظام البائد، رفع المسيحيين السودانيين، سقف توقعاتهم وآمالهم، بأن يدخل السودان عهداً جديداً يسوده ”الحرية، والعدالة، والمساواة“، أو كما ينادي به الثوار، ولكن المفاجأة، أنهم وجدوا أنفسهم في نفس المشروع القديم.
وفي حديثه لـ ”صوت الهامش“ قال رئيس مجلس الكنائس السابق، القس مبارك حماد، لقد ظننا كمسيحيين أن ثورة 2018 قد جاءت بمفاهيم جديدة، تلبي طموحات الشعب السوداني، بمختلف مكوناته، وأيضاً توقعنا أن الحكومة تتبع سياسة التمييز الإيجابي اتجاهنا، بعد تعرضنا لاضطهاد على أيدي كافة الحكومات المتعاقبة، سيما النظام البائد عمق جراح الاضطهاد .
وتابع قائلا: لكن يبدو أن ظننا كان خاطاً وتوقعتنا خائبة، وذلك باستمرار نفس العقلية القديمة قائمة، ولا يوجد فرق بين نظام الانقاذ والحكومة الحالية.
مشبهاً سلوك الحكومة الإنتقالية، بسلوك النظام البائد، في الحديث عن إدارة التنوع ظاهرياً، غير أن في الواقع يمارسون العنصرية والتمييز الممنهج، على حد تعبيره.
وأضاف حماد، أن رئيس الوزراء عبدالله حمدوك، ظل يتحدث في الإعلام عن إدارة التنوع، ولكن في تشكيل أجهزة الحكم تم إقصاء المسيحيين تماما، وحدث ذلك في مجلس الوزراء وتكرر مؤخرا في تعيين الولاة، وتساءل القس حماد، إزاء ما يحدث بالقول: أليس هي المسرحية القديمة التي حدثت في عهد الإنقاذ، مع تغيير في الوجوه فقط؟
وأضاف قائلا: تفاجئنا بخلو قائمة الولاة من المرشح المسيحي الوحيد الدكتور، رضوان النيل كنده، وهو المرشح الذي كنا نأمل تعيينه لنشعر كمسيحيين أننا معتبرون، وتوديع عهد الكيزان في خضم هذا الزمان الجديد.
وطالب حماد الحكومة بمراجعة تعينات حاكم الولايات وتعديلها بإدخال ممثل المسيحيين، وشدد على أن السير في نهج الكيزان ليست من مصلحة البلاد، وأكد استعداد المسيحيين للخروج للشوارع للمطالبة بحقوقهم إذا أستمر الظلم الممارس ضدهم.
من جهة أخرى، قال المحامي والمدافع عن حقوق الإنسان، ديماس مرجان، إنه منذ اندلاع ثورة 2018، انحاز لها الجميع، بهدف إسقاط النظام البائد، وذلك من أجل تأسيس دولة المواطنة التي تحترم الجميع، ويمثل فيها التنوع التنوع الإثني والثقافي، والديني للشعب السوداني في جميع هياكل السلطة.
وإعتبر مرجان، إعلان الحرية والتغيير الصادر عن تجمع المهنيين وقوى إعلان الحرية والتغيير الصادر في الأول يناير 2018 ، كان بمثابة نقطة انطلاقة إلي الإمام، وذلك لو طُبق على أرض الواقع .
وزاد بالقول: يعتقد الجميع إننا قد طوينا صفحة الإقصاء والأحادية الدينية، ولكن يبدو أن ما يجري الآن، يشير بأن الحكومة الإنتقالية تسير على خطى النظام البائد.
وأضاف مرجان قائلا: إن ما يثير الدهشة، أن مجلس الوزراء الانتقالي، خالي تماماً من أي شخص مسيحي، وحدث كذلك عند تعيين السفراء مؤخرا، وتكرر ذات السلوك عند تكليف حكام الولايات، حيث لم يكن من بينهم مسيحي واحد.
وأشار إلى أنه من منظور القانون الدولي السودان ملزم بضرورة إشراك الأقليات في الحياة العامة، ومناطق صنع القرار، وأن تكون المشاركة على مستوى السلطات الثلاثة ”التنفيذية والتشريعية والقضائية“.
وأكد أن هذه الأحكام وغيرها نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الأشخاص التابعين للاقليات لسنه 1992، وهو قبلته حكومة السودان، وبموجب ذلك يلزم السودان أخلاقيا بانفاذه.
وختم بقوله ”أعتقد أنه لا تزال الفرصة متوفرة، أمام حكومة حمدوك لتدارك هذه الأخطاء الكبيرة، وذلك على مستويات الحكم في الولايات والبرلمان القومي الانتقالي“، معرباً عن آماله في ألا تمضي حكومة حمدوك إلى منتصف الطريق وبالطريقة القديمة نفسه.